فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

سوق سيف الدولة بحلب

يوميات مواطن حلبي.. لقى أثرية

تموز نجم الدين

قبل انكشاف هلال العيد بأيام بدأت وزوجتي المصون عملية التنقيب والبحث في الخزانات الدفينة والرفوف العالية و (البقج) السمينة عن قميص أو بنطال قديم، أو حذاء يستحق بعض الإصلاحات والطلاء […]

قبل انكشاف هلال العيد بأيام بدأت وزوجتي المصون عملية التنقيب والبحث في الخزانات الدفينة والرفوف العالية و (البقج) السمينة عن قميص أو بنطال قديم، أو حذاء يستحق بعض الإصلاحات والطلاء لتتحسن نفسيته وبحيث يمكنني انتعاله خلال فترة العيد.

بعد أكثر من ساعتين وجدت قميصاً أهملته منذ عامين بسبب ضيقه، وبنطالاً ملطخاً ببقايا الكلور وحذاء فاغراً فمه مثل تجار الأزمات.

القميص أصبح ملائماً بعد أن تم استهلاك كتلتي الدهنية الفائضة بالمشي الطويل نتيجة قلة المواصلات وغلاء أجور السيارات الصفراء، ناهيك عن الوقوف الطويل بالطوابير التي تزداد يوماً بعد يوم، أما بالنسبة للبنطال فكان لابد من شراء صباغ ملائم وإعادة تلوينه منزلياً نتيجة غلاء الأجور في المصابغ، فالأمر لا يتعدى الصباغ والماء المغلي وبعض الملح لتثبيت اللون مع التحريك كي يتوزع اللون بشكل متجانس على كامل النسيج الوطني المنهك.

لم يكن وجه الحذاء غريباً على الإسكافي الذي كان على تواصل مستمر معه في الأيام الخوالي، والذي بدوره أبدى امتعاضاً من رؤيته بعد غياب.

– أراك تحتفظ به حتى الآن؟

-أنا أعاني من اضطراب الاكتناز القهري، ألم تلاحظ علي؟

فأجابني بنبرة واجفة:

-عليك بالإكثار من السوائل الدافئة والخضروات فهي تخفف الأعراض.

فأجبت بأنه مرض نفسي ولا يصيب الأعضاء مثل كورونا

أمسك الحذاء وهو يردد:

-شافاك الله يا أستاذ، وهل مرضك معد؟

فقلت: لا يتجاوز علاقتي به، علاقة الحكومة بالقوانين والتشريعات البالية

استدار يمنة ويسرة بعد ان توجس خيفة مني ثم قال: عد بعد ساعة يا أستاذ فقياس حذائي يلائم قدمي ولا أريده أن يضيق بها ورماً.. توكل على الله.

شدوا الأحزمة

أما بالنسبة للأولاد والزوجة فهم في واد آخر، فلا يجوز ارتداء الرث أو القديم أو المستعمل الذي يعرفه الجيران والأصحاب والزملاء والخالات والعمات وزوجات الأخوة والسلايف وأبناؤهم وإلا اتهمت بالتقصير والبخل وقلة الحيلة.

فالأطفال يكبرون بسرعة وعلى الآباء أن يواكبوا عصر السرعة ويتواءموا مع المجتمع الاستهلاكي الذي ينافس الجراد في شراسته، وقد حمدت الله كثيرا على أن العيد سيأتي صيفي الهوى خلال عشر سنين على الأقل مما يخفف الأعباء المادية بالنسبة للألبسة، أما بالنسبة للأحذية فاللهاث خلف تجديدها الموسمي يستمر…ويستمر.

تم تأجيل النزول إلى الأسواق حتى تصل الرسالة الصفراء الخاصة بالبنزين إلى هاتفي، والتي تتضمن إمكانية ملء خزانها بخمسة وعشرين ليتراً والتي من المفترض أن تكفيني تسعة أيام حتى حلول الموعد التالي.

بعد أن ملأت السيارة بالوقود أسمعتني زوجتي صوت زغرودة طويلة عبر الهاتف، وأخبرت أمها والجارات بهذا الحدث العظيم، دون تنسى الطلب من حماتي المصون أن تحتوي الأولاد، ريثما ننهي العملية الاستكشافية للأسواق، على أن تكون لنا كرة أخرى في اليوم التالي، كي نذهب بصحبتهم ونتم عملية استمزاج الأذواق والقياس والتبضع.

المميز في أسواق الدرجة الأولى مثل الفرقان والموكمبو وسيف الدولة وشارع النيل والعزيزية أنها تحتوي بضائع متشابهة، حيث أن أغلب المحال المشهورة قد فتحت فروعاً لها، لتغطي تلك المناطق وتريح المواطن المسكين من قطع الضواحي وإنفاق المال على التنقلات

-فالأقربون أولى بالمعروف -من أجل الوصول إليها مثل برونز، إكس أو، شيكو، شادووز…

أما أسواق الدرجة الثانية والثالثة والرابعة والبسطات والأرصفة فهي تنتشر على كامل رقعة الوطن الغالي، وتكاد تشبه حقل الألغام، فأنت بحاجة للالتفاف والدوران والقفز والشقلبة لتلافي الاصطدام بالبضائع والألبسة والزجاجيات كي لا يقع المحظور وتصطدم مع أصحابها، وتتهم بالعمى وقلة الحرص.

نبتدي منين الحكاية

ركنت المركبة في بداية سوق سيف الدولة والذي يعد الأقرب بالنسبة لي، ناهيك على أنه يناسب كل الأذواق أقصد حجم الجيوب، وضعت في جيبي حبة (نترو غليسيرين) احتياطياً من أي احتشاء أو ذبحة قد تنتابني نتيجة الأسعار، وقد ارتديت قناع البسمة البلهاء حتى لا تكتشف زوجتي كمية وعدد الذباب الذي يحوم أمام وجهي إيذانا بمعركة وشيكة معه ومعها.

كانت البداية عند محل (النملات) للألبسة، والذي لم تجد فيه زوجتي ما يناسب نملاتنا الصغيرات على الصعيدين المادي والشكلي، ثم انتقلنا إلى محل مجاور يتشح باللونين الأصفر والأسود والإضاءة الفارعة تنبع من كل زواياه، وبنظرة خاطفة مني على الأسعار شعرت بأن مؤشر (غلاسكو) بدأ بالهبوط على مستوى كامل جسدي، فأي قطعة تعادل راتب موظف لشهر كامل، وبعملية بسيطة فإن قميصاً وبنطالاً وحذاء من المستوى المتوسط تحتاج ثلاثة أشهر من العمل الوظيفي مضافاً إليها ساعات الهروب من الدوام.

شكرت الله عندما تحركت زوجتي خارجة من المحل بدون أي (Like) أو (أحببته)، وتم الانتقال بأمان بين المحال دون أي تعليق يذكر.

وبعد تجاوز البسطات بخفة وحرفية ودون النظر إليها، قالت زوجتي، دعنا نذهب إلى المول الملكيRoyal فهو يحتوي محال كثيرة وتشكيلات مثيرة، فما كان مني إلا أن عاجلتها بالموافقة، بعد أن شعرت بإحدى الدمامل تدغدغ قدمي.

المشي عموديا

لم يكن الأمر مختلفاً هناك من ناحية الأسعار وهياجها كثور أحمر، ولكن الفرق هو التحرك بشكل عامودي على الأدراج الكهربائية، وتقارب المسافات بين المحال، لاحظت في أغلب الأماكن انتشار بنطلون للبنات يدعى (boy friend )مصنوع الكتان أو الجينز أو القماش، يحتوى الكثير من المزق، وبخاصة عند الفخذين، مما يساعد على ظهور اللحم الأبيض المتوسط، ويتميز عن غيره بأنه فضفاض مريح ولا يمكن التفريق بينه وبين بنطلون الجينز من ماركة Cons الذي كنت أرتديه أيام الجامعة، حيث كان يتسع لعلبة السجائر والكبريت والمحفظة والأقلام والملخصات والكتب وشطيرة كبيرة من الفلافل، لم أحبب تسميته لأني شعرت بالعولمة تجلس فوق صدري وتثقل عقلي، وتختطف نساءنا فكرياً وسلوكياً، ربما كنت معقداً، ولكن هذا الاسم فيه إيحاءات لا تناسب مجتمعنا المحافظ -نوعا ما- حسب ظني.

مرت ثلاث ساعات ونحن نحوم حول الزجاج المطرز بالأضواء مثل ذبابة تبحث عن ممر آمن إلى الطرف الآخر للحياة، وللنور، وللأوكسيجين، وللحب، بعيداً عن الحيتان والمفترسين لآخر ما تبقى من رقاع تستر عورتنا وأخلاقنا.

وللمصروف بقية..