خسر “عثمان معطي” أحد مربي النحل في إدلب نحو مئتين وخمسين خلية نحل خلال مدة لا تتعدى سنة ونصف السنة، ما دفعه لعرض ما تبقى من مناحله للبيع خشية موتها.
يقول إنه كان من كبار مربي النحل في قريته “أم مكة” بريف إدلب الشرقي، وكان يملك ثلاثمائة خلية، لكن وبعد نزوحه من القرية لم يعثر على المراعي المناسبة لتربية النحل، إذ لا تشكل مراعي شمال إدلب مرعى جيداً، ولم يتمكن من تغذية النحل على نفقته نتيجة ارتفاع سعر السكر، ما أدى لموت النحل أو رحيله و لم يعد يملك إلا سبعة وثلاثين خلية.
يرى من تحدثنا معهم من “النحالين” أن المناحل في شمال سوريا تراجعت بشكل كبير نتيجة عدة عوامل، يأتي في مقدمتها فقدان مراعي الزهور في المنطقة، حيث يعمد المربي للتنقل بخلاياه بين الحقول لملاحقة أزهار النباتات والأشجار، والتي تشكل أهم مصدر لجني العسل مثل الحمضيات وحبة البركة واليانسون والقطن والجيجان وغيرها من الزهور، وتسهم تلك المواسم المتلاحقة في تغطية تغذية النحل وتكاثره وإنتاج العسل على مدار العام.
لكن بعد فقدان مراعي جنوب وشرق إدلب اقتصرت تغذية النحل على بعض زهور الشوكيات والمواسم المحدودة المتوفرة في الشمال السوري خلال فترة زمنية لا تتعدى أربعة أشهر، وينبغي على المربي تأمين غذاء النحل على نفقته بقية أشهر السنة.
كما ساهم سوء الأدوية البيطرية التي يحتاجها المربي بتراجع أعداد النحل، في حين شكل تسلط الدبابير على النحل معضلة إضافية لأن تلك الحشرات تكثر في المناطق الجبلية، بحسب المعطي.
يقول عماد القدور “طبيب بيطري” إن عجز المربين عن الوصول للمراعي في فصل الشتاء أدى لتراجع أعداد النحل بشكل كبير، إذ يعتبر هذا الفصل مفصلياً في تحديد مصير النحل خلال العام، حيث يعمد النحل في تلك المرحلة لوضع بيوضه ضمن أقراص الشمع، ويحتاج لتغذيته بشكل متواتر حتى يتمكن من إطعام القود الصغير من النحل بعد تفقيسها من البيوض (الولدة) بهدف إنتاج طرود جديدة قادرة على الخروج من منحلها الأساسي إلى منحل جديد مستقل مع إقبال فصل الربيع، بينما يؤدي إيقاف التغذية في تلك المرحلة لضعف الخلية نتيجة اعتماد النحل على مدخراته من العسل لتغذية “القود”، وعند انتهاء المخزون سيموت النحل جوعاً داخل الخلية.
حلول محدودة
نقل بعض المربين مناحلهم إلى مناطق خطرة للوصول إلى المراعي المناسبة، بهدف الحفاظ على ما تبقى من نحلهم.
وضع أحمد عبد الباسط “مربي” مناحله في بلدة كنصفرة بجبل الزاوية والتي تعتبر نقطة تماس مع قوات الأسد بهدف الاستفادة من أزهار الكرز والمحلب المنتشرة في مناطق الجبل.
يقول أحمد “إن انخفاض أعداد مناحله من مئتين وخمسين إلى ستين خلية دفعه للمخاطرة ونقلها من مكان نزوحه في باريشا شمالي إدلب إلى جبل الزاوية”. تجاهل أحمد القصف الذي تتعرض له المنطقة بشكل مستمر والذي قد يشكل خطراً عليه أو على النحل الذي بات يهجر خلاياه وينتقل لمناطق أخرى خوفاً من أصوات القصف لكنه يقول “ما باليد حيلة”.
بينما نقل عمر أبو ياسر والذي يقطن في بلدة كفرتخاريم ما لديه من مناحل إلى الشريط الحدودي المتاخم لمدينة حارم بهدف الاستفادة من مراعي الزهور المنتشرة خلف الشريط الحدودي داخل تركيا.
يقول عمر إنه يقوم بزيارة تلك المناحل بشكل أسبوعي لتفقدها والإشراف عليها إلا أنه تفاجأ في زيارته الأخيرة بفقدان عشر مناحل، وذلك ما دفعه للإقامة بقربها والتناوب على حراستها مع أولاده خشية تعرضه لسرقة جديدة.
أما مروان الأحمد فقد لجأ لتغذية النحل بالسكر متحملاً النفقات الإضافية والتي وجدها أفضل من عمليات التنقل المستمر والمكلف للبحث عن المراعي التي لم تعد تجد، حسب قوله.
تغير مواصفات العسل
انعكس غياب المراعي بشكل سلبي على جودة العسل، إذ اضطر المربون للاعتماد على السكر بشكل متواصل لتغذية مناحلهم ما أدى لتدني جودة العسل وبالتالي بات بيعه صعباً.
يقول رضوان “مربي” إنه يصدر إنتاجه السنوي من العسل إلى تركيا كل عام، لكن هذه السنة تم إعادة كامل الإنتاج والبالغ طناً من العسل إلى إدلب، حيث تم إبلاغه بأن الفحوصات التي تمت على العسل أثبتت أنه غير طبيعي “مغشوش” ما يعني أنه تكلف أجور نقله عبر طرق التهريب ذهابا وإياباً دون أن يتمكن من بيعه.