مرّت سبع سنوات دون أن يؤذن لأهالي “رنكوس” ، في ريف دمشق، بالعودة إلى حقولهم والإقامة فيها، والسماح لهم فقط بالبقاء داخل البلدة.
يروي من تحدثنا معهم أن الحاجز العسكري المتمركز أول السهل يمنع أهالي “رنكوس” من الوصول إلى منطقة السهل والعناية بأشجارهم المثمرة وحقولهم التي تحولت إلى أراض جرداء بعد تحطيب معظم أشجارها.
وخسر مزارعو القلمون الغربي بريف دمشق مساحات شاسعة من أراضيهم بعد سيطرة قوات الأسد وحزب الله على المنطقة سنة 2014، إذ استمرت سيطرة حزب الله على مساحة واسعة من “جرود القلمون، سهل الزبداني، مضايا، ورنكوس وعسال الورد” باعتبارها منطقة متاخمة لمناطق نفوذه في لبنان، وترافقت السيطرة مع حملات تقطيع واقتلاع للأشجار المثمرة والحراجية الموجودة في المنطقة بهدف بيعها كحطب.
يقول من تحدثنا معهم إن أهالي “رنكوس” خسروا معظم أشجارهم، وباتوا يحلمون بتذوق حبة تفاح واحدة من أراضيهم، التي كانت مصدراً مهماً لفاكهة التفاح والكرز والمشمش، نتيجة مناخها المعتدل.
وتقدر نسبة المزارع التي قطعت أشجارها بـ 80% من مزارع البلدة، حيث تم جمع أخشابها وبيعها في بناء أحد المشافي التي كانت قيد الإنشاء، و التي تحولت لمركز للفرقة الثالثة التابعة لقوات النظام.
يقول أبو محمد “اسم مستعار لرجل من رنكوس”: إنهم كانوا يشاهدون الشاحنات المحملة بالحطب المقطع والقادمة من سهول “رنكوس” تباع أمام أعينهم، وكانوا عاجزين عن الاعتراض والشكوى للسلطات المسؤولة فهم يعلمون أن “حاميها حراميها”.
يخبرنا أبو محمد إنه يئس من استثمار أرضه التي تحولت اقتلعت أشجارها، وفقد بذلك كغيره من أهالي “رنكوس” مورد رزقه، إذ يعمل معظم أهالي المنطقة بالزراعة، ويعتمدون على مواسم التفاح والكرز والمشمش وباقي الأشجار المثمرة في اقتصادهم، غير أن تعرض المزارع للقصف خلال سنين الحرب وهجرة الأهالي منها، وسرقة المعدات الزراعية وأنابيب المياه والري وردم الآبار الجوفية وسرقة الغطاسات، كانت كفيلة بخراب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.
ويقول أبو محمد “إن الميلشيات المسيطرة عل المنطقة اقتلعت حقولاً كاملة من أشجار التفاح التي يزيد عمرها عن المئة عام، والتي كانت من أهم مميزات المنطقة وكان الأهالي يتباهون بجودة تفاحها وإنتاجها الوفير”.
سمح حاجز “المشفى” التابع للفرقة الثالثة للأهالي بزيارة أراضيهم لساعات محددة خلال النهار شريطة أن يتم تسجيل أسمائهم وترك هوياتهم الشخصية عند عناصر الحاجز إلى حين العودة قبل الساعة الثالثة ظهراً، في حين أجبر مربو المواشي على دفع الإتاوات للسماح لهم بالرعي ضمن تلك المنطقة وهو ما يراه الأهالي انتهاكاً لحقوقهم نتيجة حرمانهم ممن ممارسة أعمالهم والوصول إلى مزارعهم.
بلغ إنتاج محافظة ريف دمشق من التفاح عام 2004، “111393”طن، و”34161″من اللوزيات كالكرز والدراق، حسب إحصائيات نشرت في الخارطة الاستثمارية الزراعية للمحافظة
كما بلغ عدد أشجار التفاح المثمرة عام 2010 نحو 15 مليون شجرة بمساحة 49 ألف هكتار، وتعتبر منطقة القلمون الغربي والزبداني ومضايا وسهل “رنكوس” من أهم المناطق المنتجة لها، بنسبة 20 إلى 32 من الإنتاج الكلي للبلاد حسب تقرير نشرته جريدة عنب بلدي
لم يكن الوضع في منطقة الزبداني أفضل حالاً من “رنكوس” فقد تحولت “رئة دمشق” كما يسميها الأهالي، إلى مساحات جرداء بعد اقتلاع آلاف الأشجار و حرق مساحات شاسعة من السهل، وتجريف أراض كاملة وردم آبار الري من قبل قوات النظام ومليشيا حزب الله.
يقول سامر “ناشط في المنطقة” إن الزبداني خسرت جزء كبيراً من أشجارها، حيث عمد عناصر حزب الله إلى قطع الأشجار وبيعها في منقطة النبي شيت اللبنانية، كما مارس عناصر الحزب نفس السياسة في “عسال الورد، سرغايا، وقرية طفيل الحدودية مع لبنان” ، تمهيداً لزراعة حقولهم “بالحشيش” ما حول المنطقة لإنتاج المخدرات بدلاً من التفاح والكرز.
وكانت تقارير إعلامية قد تحدثت عن وجود معامل لتصنيع المواد المخدرة في سرغايا، رنكوس، عسال الورد، الجبة، مضايا، الصبورة، بخعة والطفيل” ، حيث يتم بيع منتجات المعامل في المنطقة ليتم نقلها من هناك لباقي المناطق السورية إضافة لتهريبها إلى الدول المجاورة.
كما نفذ عناصر من الحرس الجمهوري عمليات تقطيع لأشجار بلدات وقرى وادي بردى، وتم نقل تلك الأشجار بسيارات عسكرية وبيعها لتجار من المنطقة.
يرى من تحدثنا معهم من أهالي القلمون أن تقطيع الأشجار وحرمان المزارعين من الوصول إلى أراضيهم يمثل انتهاكاً لحياة الأهالي في المنطقة، وسبباً في إفقارهم، كما يترك أثره على طبيعة المنطقة الزراعية التي تحولت إلى أراض قاحلة جرداء.