يتنقل أبو حسام بين الدراجات النارية المعروضة للبيع في “سوق الموتورات” قرب مخيمات دير حسان شمالي إدلب، تلفت نظره إحداها فيتوجه إليها ويتفحصها بدقة وخبرة امتلكها نتيجة مزاولته الطويلة لهذه المهنة.
يصغي لصوت “ماكينتها” بعناية، يوقف تشغيلها ثم يعيده مرة أخرى ليتأكد من سرعة الدوران. بعد انتهائه من الفحص يبدأ جولة مفاوضات طويلة مع صاحبها بحضور “سمسار السوق”، قد تنجح عملية التفاوض ويشتري الدراجة وقد تفشل لينتقل إلى واحدة أخرى حتى يتمكن من شراء أفضل الدراجات النارية بأنسب الأسعار ما يترك له مجالاً للربح عند بيعها.
يعمل أبو حسام مثل عشرات شبان المخيمات بتجارة الدراجات النارية ضمن الأسواق الموجودة في المنطقة، مثل دير حسان وأطمة والكرامة إذ شكلت تلك المهنة مصدر دخل لهم.
تتم عملية البيع والشراء في الأسواق برعاية “السمسار”، والذي تبدأ مهمته في إيجاد ساحة واسعة لاستئجارها مع مجموعة من رفاقه ليمارسوا أعمالهم ضمنها، وتتلخص مهمته بالإشراف على عملية البيع والشراء وكتابة العقد عند تمام العملية مقابل عمولة مادية يتقاضاها من أحد الأطراف بحسب الاتفاق.
يقول أبو حسام إنه وعند شرائه لأي دراجة يأخذ منها القطع التي تعجبه مثل “الزينة والأضواء الإضافية” وقد يستبدل القطع الأساسية بأنواع أخرى، ويقوم بإصلاح بعض الأعطال إن وجدت ثم يعرضها للبيع مرة أخرى بعد إضافة المربح الذي يراه مناسباً عليها.
يتسابق التجار لشراء الدراجات الجيدة التي تدخل السوق قبل منافسيهم، ليطرحوها مرة أخرى للبيع مع إضافة مربح بين (خمس إلى عشر دولارات)، إذ لا تحتاج مثل هذه الدراجات أي صيانة أو تعديل.
الخبرة سر الربح
يملك أبو حسام خبرة تزيد عن عشر سنوات في هذا المجال، يقول إن الحصول على الدراجة النارية التي يصفها بـ “النظيفة” لتجنب الخسارة يحتاج لخبرة ومهارة في الفحص وعمليات البيع والشراء. ويؤكد أن العشرات عانوا من مشاكل خلال اقتنائهم لدراجات رديئة لعدم خبرتهم الكافية.
يتحدث لؤي الخضر تجاربه الفاشلة في هذا المجال، يقول “اقتنيت دراجة تستهلك الكثير من البنزين، ثم استبدلتها بأخرى، فعلمت لاحقاً بوجود “شِعر” كسر خفيف على الرقبة فيها، أثناء قيادتي لها على الطريق العام انفصلت الرقبة عن جسم الدراجة النارية ما تسبب بسقوطي عنها”، ويكمل “تعبت كثيراً حتى وجدت طلبي”.
وعن إمكانية الربح يقول أبو حسام “صاحب الخبرة بالدراجات النارية نادراً ما يتعرض للخسارة، ويتوجب عليه امتلاك أسلوب مقنع لممارسة مهنته، أما الدخيلون على هذه المهنة فغالباً ما يتعرضون للغش والخسارة”.
ويلعب رأس المال المستثمر دوراً هاماً في هذه التجارة، لقدرتك على شراء الدراجات النارية المناسبة في السوق، وعرضها وانتظار السعر المناسب للبيع.
يقول أبو علي (تاجر دراجات) إنه خسر في يوم واحد ستين دولاراً بعد أن اشترى ثلاث دراجات كانت إحداها “سيئة” كما وصفها، ما اضطره لبيعها بخسارة. ويرجع السبب لضعف خبرته في الشراء، لكنه اليوم تعلم الكثير من أصول المهنة وباتت مصدر دخله.
ويسرد ربيع بيوش “تعبت كثيراً حتى تعلمت أصول المصلحة وخسرت مالاً أيضاً، لكن اليوم لا أشتري دراجة إلا أن كانت من أجود الأنواع وبأفضل الأسعار”.
يعمد بعض الشبان للعمل التشاركي في التجارة، وهو ما يزيد من فرصهم بالربح ويقلل الخسارة، بينما يلجأ آخرون لشراء الدراجة النارية وبيعها في سوق آخر، وفي اليوم ذاته، لضمان الربح وعدم معرفة سعرها الذي بيعت به كيلا تفسد عملية البيع.
بيع دون سماسرة
يلجأ البعض لشراء الدراجات النارية من خارج السوق بعد الاتفاق مع صاحبها على ذلك بهدف توفير أجور السمسرة، لكن ذلك قد يقحم البائع والمشتري بمشكلة في حال كانت الدراجة مسروقة.
يقول أبو عبدو “مقيم في المخيمات”، “اشتريت دراجة نارية من شخص بعيداً عن أنظار المكتب، كيلا أدفع العمولة ولم نكتب عقداً بذلك، ثم قمت ببيعها في اليوم التالي بربح مقبول، لأعرف فيما بعد أن الدراجة مسروقة، وكنت سأتعرض للاعتقال لولا أن السارق اعترف بسرقتها وبيعها لي”.
يلجأ آخرون لاعتماد بعض الأساليب التي قد تحميهم في حال كانت الدراجة مسروقة، مثل تصوير البائع والدراجة بمقطع فيديو يتحدث فيه عن قيامه ببيع هذه الدراجة لهم.
تعتبر الدراجات النارية أكثر وسائط النقل استعمالاً في مناطق المعارضة لرخص أسعارها وقلة “مصروفها” من جهة، وكذلك لقدرتها على السير في الطرق الضيقة والوعرة من جهة أخرى.
ويميل كثيرون لشراء الدراجات المستعملة لأن سعرها أقل بنسبة 50%من الجديدة، وكذلك لوجود أنواع متينة منها تغيب عن أسواق اليوم الذي يغص بدراجات “غير عملية”.
مصاعب المهنة
عند بعض العاملين بتجارة الدراجات النارية يتحول الأمر إلى “هوس” أكثر منه مصدر دخل، يقول أبو أنس إنه يتاجر بالموتورات منذ ما يزيد عن عشر سنوات، ودائما ما يحتفظ بقطع من الدراجات التي يبيعها مثل “دواليب، ماكينة..”، ويمارس هوايته بالفك والتركيب والتصليح، يقول “حين نزحت من بيتي تركت العفش وأخذت مقتنياتي من الدراجات”!
تشكو زوجات لتجار دراجات نارية في المخيمات من مهنة أزواجهن التي تضيق عليهم مساحة خيامهم. تقول رحاب الطالب “يضيق منزلنا المؤلف من غرفتين بأطفالي وأغراض المنزل، وأقضي كل نهاري في التنظيف والترتيب، إلا أن زوجي يجلب كل يوم دراجتان على الأقل، ويفك قطعهما ويضع الزيت والمازوت بجانبه وينسف جهدي كله”.
ويعاني ممتهنو تجارة الدراجات من قلق يومي، خوفاً من خسارة رأس المال أو تعرض دراجتهم للسرقة، إذ تنتشر عمليات السرقة بشكل واسع في إدلب، أو تغير أسعار الدراجات بشكل مفاجئ يقول عدي الدخان “بعت دراجتي بنية شراء واحدة أفضل، بعدها بأقل من أسبوع ارتفعت أسعار الدراجات نحو خمسين دولاراً ولم يعد بالإمكان شراء دراجة مماثلة دون دفع مبلغ قد يغطي نفقات عائلته لنصف شهر”.
يرى من التقيناهم من التجار أن عملهم لا يخلو من الصعوبات ومخاطر الخسارة، لكن قلة فرص العمل المتاحة وضعف المردود الاقتصادي أجبرهم على هذا العمل بهدف تأمين أي ربح يساعدهم على تحمل أعباء الحياة.