غيّر محمد خط سيره ضمن سوق الخضار بمدينة إدلب، ليقف قبالة أحد محلات الجزارة المنتشرة بالسوق، يطيل التمعن في لائحة الأسعار المعروضة. “كيلو لحم الغنم ب 45 ليرة” شجعه السعر الجديد على الاستعاضة عن لحم الدجاج بلحم الأغنام ليضيفها لطبخة “الكراث” التي تنوي زوجته إعدادها.
شهدت أسعار لحوم الأغنام انخفاضاً خلال الأسابيع الماضية وتراجعت من خمسة وستين ليرة إلى خمسة وأربعين للكيلو غرام الواحد، بانخفاض يقدر بنحو 30% مقارنة بسعرها قبل شهرين وهو ما شجع أهال على شرائها بدلاً من لحوم الدجاج التي تباع بعشرين ليرة تركية.
يرجع مربو الماشية أسباب الهبوط الحالي إلى ارتفاع أسعار الأعلاف الذي دفع كثير منهم لبيع جزء من مواشيه بهدف تأمين الغذاء للجزء المتبقي، ما أدى لكثرة العرض في الأسواق والتي تلعب دوراً رئيساً في انخفاض أي سلعة.
ووصل سعر الطن الواحد من التبن إلى 170 دولار. الفول العلفي 400 دولار. جلبان 600 دولار. ذرة صفراء 280 دولار. نخالة 240 دولار. حنطة علفية220 دولار. برسيم 600 دولار. وتستعمل هذه المواد كخلطة علفية تقدم للمواشي بينما كان سعر طن التبن خلال أشهر الصيف نحو ١٢٥ دولاراً وسعر طن الشعير نحو ٢٠٠ دولار.
يقول المهندس الزراعي يحيى تناري إن ارتفاع أسعار العلف وتأخر موسم الأمطار الذي حرم المواشي من الرعي في المساحات الخضراء زاد من عرض المواشي في الأسواق من قبل المربين للتخفيف من الخسارات.
يفرق مربو المواشي بين نوعين من الأغنام ، الأول تتم تربيته بهدف الذبح للاستفادة من لحومه ويكون غالبه من الذكور، ويعتمد في غذائه على العلف والتبن دون الحاجة للمراعي، ويحتاج كل خروف ثلاثة كيلو غرامات من العلف بشكل يومي ويستمر علفه بشكل تقريبي نحو ثلاثة أشهر ما يعني أنه بحاجة لنحو ربع طن منها، وبحسب الأسعار التي أوردناها تعتبر تربيته خاسرة.
أما النوع الثاني من الأغنام فهي أغنام المسرح والتي يعتمد المربي في إطعامها على الرعي بشكل رئيس وعادة تكون من الإناث التي تربى للتكاثر والاستفادة من الحليب ومشتقاته.
على مدار أسابيع دفع مربو المواشي بخرافهم الذكور إلى القصابين لذبحها بعد عجزهم عن إطعامها، بينما يفضل بعضهم اللجوء إلى تهريب قطعانهم إلى مناطق مثل منبج وصولاً إلى كردستان العراق لأن أسعار التهريب أفضل من أسعار السوق المحلية، وهذا ما عزز الطلب على “الفطيمة” وهي أنثى الخروف التي لا يقل عمرها عن سنة، و”القرقورة” وهي الأنثى الصغيرة التي بلغت ستة أشهر.
مستقبل الثروة الحيوانية
نقل مربو الماشية آلاف رؤوس الغنم من ريف إدلب إلى مناطق عفرين بعد العمليات العسكرية التي قامت بها قوات الأسد في السنتين الماضيتين، شجعهم على ذلك استقرار الأوضاع الأمنية ووجود المساحات الخضراء التي تشكل مراعي جيدة لأغنامهم لذا باتت محافظة إدلب تستجر الأغنام من تلك المناطق بعد أن كانت تعتمد على المنتج المحلي.
نزح أبو عبدو مع مواشيه من ريف معرة النعمان الشرقي إلى مدينة الباب شمال حلب، يقول إنه يأمل بازدهار المهنة وتضاعف أعداد مواشيه بعد الانتكاسات التي أصيب بها في ريف إدلب، لكنه يخشى من انعكاس عمليات التهريب بشكل سلبي على أعداد المواشي الموجودة في المنطقة، بسبب اقتصار التهريب على إناث الماشية دون الذكور وهو ما سيؤثر على مستقبل الثروة الحيوانية.
بحسب قصابين يعملون في إدلب تضاءل الفرق بين أسعار إناث المواشي والخروف الذكر الذي كان متفوقاً بشكل كبير سابقا. يقول “أبو محمود” وهو قصاب يعمل في مدينة بنش شرقي إدلب إن سعر الفطيمة والقرقورة لا يقل حاليا عن سعر الخروف”. ويعزو “أبو محمود” هذا الأمر إلى الطلب الواسع الذي يشهده السوق على أنثى الخروف في ظل رواج تهريبها خارج مناطق المعارضة.
ويرى المهندس التناري أن الطريقة المتبعة اليوم في تجارة المواشي ستنعكس بشكل سلبي على أعداد الأغنام الموجودة وهو ما يؤثر على سوق اللحم خلال الأشهر القادمة، نتيجة انخفاض أعداد المواليد وبالتالي انخفاض العرض في الأسواق.
وفقا للإحصائية التي قدمها “تناري” يبلغ عدد رؤوس الغنم في إدلب حالياً نحو 300 ألف رأس، بينما كانت عددها 385 ألف رأس بحسب إحصائية وزارة الزراعة لسنة 2018 من المتوقع انخفاضها مالم يقدم بديلاً عملياً ورخيصاً عن العلف، إضافة لوجود حلول جذرية لعمليات التهريب.