فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

صورة تعبيرية توضح الصيوان -إنترنيت

الصيوان وبيوت العزاء.. من الموت إلى الحياة في إدلب

 محمود يوسف السويد

وسط الخيام المتداخلة بألوانها الزرقاء أو المائلة للون “البيج” في مخيمات الشمال السوري، تبرز خيام قليلة أكبر من غيرها من حيث المساحة وتقاربها في الارتفاع، يطلق عليها ” الصيوان ” […]

وسط الخيام المتداخلة بألوانها الزرقاء أو المائلة للون “البيج” في مخيمات الشمال السوري، تبرز خيام قليلة أكبر من غيرها من حيث المساحة وتقاربها في الارتفاع، يطلق عليها ” الصيوان ” وكانت تستخدم سابقاً لمناسبات الفرح ودور العزاء بعد زيادة عدد السكان وضيق الأمكنة.

غدا الصيوان اليوم رفاهية لا يمتلكها سوى قلة من السكان، لكلفة تصنيعه العالية، وباتت مساحته الكبيرة نسبياً حلاً لعائلات قسموا فراغه إلى غرف وضمنوها أمكنة داخلية لبناء “الحمامات”، غالباً ما تصنع من القرميد، كذلك تلعب أعمدته الحديدية وتقوسها دوراً هاماً في حماية سكانه من المطر شتاء وتثبيته في الأرض دون المخاطرة باقتلاع الرياح له، كما يحدث عادة في الخيام الصغيرة، إضافة لما يمتاز به من كتامة ودفء.

وإن كان الصيوان قد ارتبط، وبشكل أكبر، في قرى وبلدات إدلب ببيوت التعزية، إلا أنه وخلال سنوات النزوح انزاح نحو مفهوم آخر لمركز إيواء جماعي مؤقت، أو سكن بعد ذلك لواحدة من العائلات المهجرة.

يقول من تحدثنا معهم إن ذاكرة الموتى مزروعة في شوادر الصيوان ، وتحمل معها مفهومان للتعاضد في المناسبات الحزينة والسعيدة، والتغير الحاصل منذ بداية النزوح وتحول هذا الصيوان إلى ملجأ للعائلات التي أجبرت على ترك منازلها، ليغدوا الصيوان منزلها المؤقت أو الدائم.

ويروي لنا أشخاص من كفرنبل بريف إدلب الجنوبي بعد خروجهم من مدينتهم التي سيطرت عليها قوات الأسد بداية العام الحالي أن ما تم إخراجه من هذه الصيوانات لعب دوراً في مساعدة النازحين. حُوّل بعضها إلى مركز إيواء سريع، كما حدث في مخيم “المدينة المنورة” في باريشا، حيث نصبت هناك أربع صيوانات لعوائل من كفرنبل، تستقبل الوافدين ريثما يستقرون في خيامهم أو في منازل مستأجرة.

وبحسب عمران العكل مشرف المخيم “كان لتلك البيوت دور فعال في التخفيف عن النازحين وإدارة المخيم معاً، واليوم مع توقف موجات النزوح طويت الصيوانات وحفظت في غرف خاصة، خوفاً من الحاجة إليها مجدداً”، متمنياً ألا يحدث ذلك من جديد.

بعص النازحين فضل سكنى الصيوان على الخيمة، فهو “أكثر تباتا وسعة ودفئا منها”، كما يراه أبو حسن من قرى سهل الغاب، والذي حول بيت الشعر لما يشابه البيوت المعروفة بعد ان طارت خيمته في الشتاء الماضي، فعمد لتقسيمه لغرفتين متداخلتين، يقطعهما جدار من مادة ” البلوك” أقامه بنفسه، وقسم آخر في مؤخرة البيت هو المطبخ والمنافع، ليتسع لأسرته المكونة من عشرة أشخاص.

يقول أبو حسن “إن الصيوان أو بيت الشعر بألف خيمة، وبيتي بألف صيوان”

ولبيت الشعر الذي تحول إلى صيوان في العقود الثلاثة الأخيرة تاريخ يحفظه العرب منذ القدم، وكان مسكنهم المتنقل في حلهم وترحالهم، ومصدر فخرهم واعتزازهم، خلدوه في شعرهم وحكاياتهم، وصنعته نساءهم من غزل صوف الغنم وشعر الماعز ووبر الجمال، نسجنه وقمن بخياطته، قبل أن يظهر قماش الصيوان المصنوع من “الكتان”، وهو قماش سميك مصنوع من سوق نبات الكتان، وأصبح المصدر الرئيسي لصنع الصيوان والخيام، ويعرف باسم “الشادر”، وذلك لرخص ثمنه مقارنة ببيوت الشعر المصنوعة من شعر الحيوانات وصوفها.

وشاع استخدام الصيوان في القرى، وحتى المدن الكبيرة، منذ تسعينيات القرن الماضي، وخصص لاستقبال المعزّين أو المهنئين في الحزن والفرح، يقول فاتح الشيخ من مدينة كفرنبل إن “عجز البيوت عن استيعاب الأعداد الكبيرة من الناس في مثل هذه المناسبات، دفع عائلات كثيرة لشراء صيوان خاص بها”.

لا يقتصر الأمر على القرى، بل باتت رؤية هذه البيوت منصوبة في أحد شوارع المدن الرئيسية أمراً مألوفاً، خاصة مع ضيق مساحات البيوت الطابقية، وتجنباً للزحام والإحراج.

ويخبرنا الشيخ أن عائلته كانت أول من اشترى الصيوان في كفرنبل، ثم بعد ذلك قامت معظم العائلات بشرائها، وبات لكل عائلة (طائفة) الصيوان الخاص بها، بينما اعتمدت العائلات الصغيرة على استعادة الصيوان من عائلات أخرى في مناسباتهم.

أما في المدن فقد ظهر متعهدون يقومون بتأمين هذه البيوت ومعداتها، نقلها ونصبها في المكان، مقابل أجرة يومية، ويتواجد العشرات منها في كل مدينة، يتنافسون بجودتها وما تضمها من وسائل كالتدفئة ومعدات القهوة المرة، والفرش العربي أو المقاعد البلاستيكية.

لا تعود ملكية الصيوان لفرد من العائلة في القرى، كما هو الحال في المدن، إذ يتقاسم أفراد العائلة جميعهم دفع ثمن الصيوان وأدواته وتكاليف الإصلاح والتوسعة، ويوضع عند كبير العائلة أو في مكان مخصص، ويتعاون الأفراد على تجهيزه عند كل مناسبة. ويحمل كنية العائلة.

تطور الصيوان خلال السنوات الماضية، إذ كان، سابقاً في تسعينيات القرن الماضي، يصنع في مدينة حماه، قماشه من الكتان ويحمل على أعمدة خشبية غير ثابتة، لكن نفوذ الماء منه وعدم ثباته دفع العائلات للبحث عن حلول بديلة وجدوها في الأقواس المعدنية والأعمدة الحديدية التي كانت تشترى من خان الوزير في مدينة حلب القديمة، فعمدوا إلى شرائها لما تمنحه من ثبات وكتامة للصيوان من جهة، وكذلك القدرة على زيادة وإنقاص الطول بحسب المناسبة، إذ يشكل كل قوسين أربعة أمتار من المساحة، وقد يصل طول الصيوان حتى عشرين متراً.

استعاض أصحاب الصيوان عن “الفرش العربي” من السجاد والاسفنج بمقاعد بلاستيكية، وأدخلوا إليه المدافئ في الشتاء، ومناقل القهوة المرة التي تقدم في المناسبات، إضافة إلى الكهرباء وأجهزة الصوت.

قاسم الصيوان أصحابه رحلة نزوحهم، زاحمهم في السيارات التي خرجت على عجل خوفاً من القصف، حمى بعضهم من البرد قبيل الحصول على مأوى، لكن حجمه الكبير حال دون أصحاب عائلات لصيواناتهم فتركوها هناك، تحمل ذاكرتهم وتهجيرهم وموتهم، أو تحت أنقاض بيوتهم المدمرة.