امتنع أطفال حسن عن النوم حتى وقت متأخر عشية وصول الكهرباء التركية إلي منزلهم في جنديرس، متنقلين بين القنوات الفضائية التي تعرض الرسوم المتحركة، إذ لم يألفوا سابقاً توفر الكهرباء في منزلهم أكثر من ساعتين ونصف الساعة أو ثلاثة، يتم استغلاها في الاحتياجات الأساسية مثل الغسيل وتعبئة المياه وشحن مدخرة الإنارة.
الكهرباء التركية تدخل عفرين
بدأت الشركة السورية التركية للطاقة الكهربائية تركيب العدادات الكهربائية في عفرين مطلع تشرين الأول الماضي، لتعمل بعدها على تغذية المدينة بالكهرباء تباعاً، حيث وصل عدد مشتركي الشبكة لأكثر من أربعة آلاف مشترك في عفرين وجنديرس مع استمرارية الإقبال اليومي على مراكز الشركة، ما يرجح تضاعف العدد خلال فترة قصيرة بحسب محمد نجاتي المسؤول الإعلامي للشركة.
ويقول نجاتي إن المشروع يستهدف مدينتي عفرين و جنديرس، وبعد الانتهاء من تغذية المدينتين سيتم الانتقال إلى النواحي مثل شران ومعبطلي وراجو والشيخ حديد وفي آخر مرحلة سيتم تزويد كل القرى في عفرين بالكهرباء.
تبلغ استطاعة خط التوتر العالي الذي يغذي عفرين كاملة ١٠٠ ميغا واط، منها ٥٠ ميغا واط مخصصة لمدينتي عفرين و جنديرس و٥٠ ميغا واط لباقي النواحي والقرى.
يباع الكيلو واط الساعي بـ ٠.٦٨ ليرة تركية في الوقت الحالي، لكن قد تتبدل الأسعار كل فترة بحسب الدراسة التي تجريها الشركة كل ستة أشهر.
تكاليف مرتفعة
تبلغ كلفة الاشتراك بخدمة الكهرباء التركية ستمئة ليرة تركية تقسم مناصفة بين ثمن العداد وقيمة الاشتراك، ويضاف إليها عشر ليرات تركية وصل اشتراك لصالح المجالس المحلية، وبعد تركيب العداد يتوجب على المشترك شحنه بقيمة مئة ليرة تركية، ما يعني أن المشترك يجب أن يدفع ما يزيد عن سبعمائة ليرة تركية حتى يبدأ باستخدام الكهرباء.
تعتبر خدمة الكهرباء من الخدمات مسبقة الدفع، إذ لا يتم العمل بنظام الفواتير الشهري، بل ينبغي على المشترك دفعة مئة ليرة عند انتهاء رصيده ليتم تجديد اشتراكه مرة أخرى.
يقول من التقيناهم إن تلك التكاليف مرتفعة مقارنة بدخل المواطن في مناطق المعارضة، وقد وضعت الشركة شروطاً إضافية للاشتراك منها أن يحمل الشخص بطاقة شخصية صادرة عن المجالس المحلية في عفرين، والتوقيع على استمارة الاشتراك المتضمنة الكثير من البنود التي تضبط العملية من بينها بند لبيان وضع العقار المسكون، وبند يمنع فيه المشترك من توصيل الكهرباء إلى منزل آخر، لإجبار الناس على تركيب عدادات، وهو ما حرم كثيرين من الكهرباء بسبب عجزهم عن تأمين مبلغ الاشتراك كاملاً.
يأمل مواطنون تخديم منازلهم بالكهرباء عبر استجرارها من بيت أحد الجيران وتركيب ساعة قياس بعد العداد الرئيسي لمعرفة الاستهلاك، على غرار نظام العمل في منطقة إعزاز، لكن ذلك قوبل الرفض، وهو ما شكل خيبة لأم وسام التي حرمت الكهرباء نتيجة توقف مولدات الأمبيرات عن العمل، وعجز أم وسام عن دفع قيمة الاشتراك.
في حين أخبرنا محمد نجاتي أن هذا النظام معمول به في معظم الدول ومنها تركيا، حيث يمنع أن يزود العداد سوى عقار واحد، وهو أمر تم الاتفاق عليه بين الشركة والمجالس المحلية، و”بالنسبة المولدات لم نفرض عليها التوقف عن العمل، لكن تم إخطارهم عن طريق المجالس المحلية بضرورة إزالة التمديدات الكهربائية عن شبكات الكهرباء لضمان عدم الإضرار بالسكان أو حتى بالمولدات الخاصة بهم”.
في الوقت نفسه يمتنع أصحاب المنازل المستأجرة عن تزويد منازلهم بعدادات الكهرباء ويطالبون المستأجر بدفع تلك الكلفة.
يقول عمار رضوان “مقيم في عفرين” طالبت صاحب المنزل بتأمين عداد كهرباء لكنه رفض بحجة أن الكهرباء لا تلزمه “بدك كهربا روح اشترك أنت”، ولا يوجد قانون يلزم صاحب البناء بتأمين الاشتراك ما يجبر المستأجر على دفع تكاليفه وتحمل نفقات نقله والإجراءات القانونية في حال قرر الانتقال من منزل لآخر.
الكلفة المرتفعة دفعت بعض المشتركين للحفاظ على ألواح الطاقة الشمسية التي يمتلكونها، لاستعملها ببعض الأعمال المنزلية والترشيد من استهلاك الكهرباء النظامية فتوفير أربعة كيلو واط من الكهرباء يعني تأمين ثمن كيس خبز للعائلة.
حلم لآخرين
يأمل فادي شباط “ناشط إعلامي” بأن تصل الكهرباء لمخيم دير بلوط الذي يقيم فيه، ويعتقد أن العشوائية في توزع المخيمات قد تشكل عائقاً أمام تخديم المخيمات بالكهرباء ناهيك عن الفقر الذي يعيشه السكان ما يمنعهم من دفع تكاليف الاشتراك، يضاف إليها عدم امتلاك قاطني بعض المخيمات للبطاقات الشخصية الصادرة عن مجلس جنديرس، فقد بات مؤخراً استخراج البطاقة الشخصية يستوجب دراسة أمنية وضرورة أن يكون الشخص من قاطني جنديرس أو قراها مع استبعاد قاطني المخيمين، ويختم فادي كلامه قائلا: أتمنى أن تصل الكهرباء التركية للمخيم لننتهي من متاعب مولدة الكهرباء الخاصة بخزان المياه الرئيسي المغذي للمخيم، و انقطاع المياه المستمر بسبب تعطلها تارة ونقص الوقود تارة أخرى.
بينما قالت شركة الكهرباء إنها ستدرس إمكانية تزويد المخيمات بالكهرباء مع منظمة آفاد، في سبيل إيجاد حلول لكل ما يعيق إيصال الكهرباء في مرحلة لاحقة.
فرص عمل واقتصاد
اعتبر من التقيناهم أن عودة الكهرباء لعفرين ستؤثر على الحركة الاقتصادية كاملة، بداية من تأمين فرص عمل لكثير من الشباب و اعتماد أصحاب المحلات التجارية على الكهرباء التركية سيخفض التكاليف، ما يعني وجود فرصة لانخفاض الأسعار، لأن الاعتماد على المولدات أو الطاقة الشمسية لا يؤدي الغرض المطلوب ويرتب على الصناعات تكاليف زائدة.
ويرى علاء الأحمد “كهربجي” أن عودة الكهرباء تبشر بعودته للعمل في تمديد الكابلات الكهربائية ضمن المنازل، إذ توقف عمله منذ سنوات بسبب غياب الكهرباء والاعتماد على المدخرات. يقول بدأت الناس تستدعيني لإصلاح بعض الأعطال المنزلية قبيل تمديد الكهرباء لضمان وصول آمن لها للمنازل، إذ أدى انقطاع الكهرباء لإهمال الشبكات المنزلية وتلف كثير منها ما قد يشكل خطراً على العائلة إن لم يتم إصلاحه.
ويتوقع علاء أن تعود الحركة التجارية على الأدوات المنزلية مثل البرادات و الثلاجات وفلاتر المياه التي أصبحت نادرة الاستخدام خلال السنوات الماضية، وهو ما ينشط تجارتها رفقة ورشات الصيانة الخاصة بها، ويختم قائلا: آمالنا كبيرة بقفزة نوعية للحياة المعيشية.
من العصر الحجري لعصر الكهرباء
بقي مصطفى محمد “مهجر من حمص” الليل كله يرقب الكهرباء خشية أن تنقطع، يقول: “العودة من العصر الحجري إلى عصر الكهرباء يعتبر صدمة كبيرة لنا، ٩ سنوات دون كهرباء جعلنا ننسى أثرها الحقيقي في حياتنا و عودتها جعلتنا في حالة ذهول كحلم جميل نخشى انتهاءه، عشرات الاتصالات تبارك لي بوصول الكهرباء من أصدقاء ينتظرون دورهم في تفعيل عدادات الاشتراك الخاصة بها، وأصبحت المزحة المتداولة “مدلي خط” للدلالة على فترة الحصار السابقة و انعدام الكهرباء لدى معظم الناس، و طلب غالبيتهم ممن لديه مولدة كهرباء توصيل خط لهم”.
وكان مشروع الكهرباء قد دخل طور التنفيذ في بداية الشهر نيسان الماضي بخطوة أولى تمثلت بتمديد خطوط التوتر العالي وانتقل في الخطوة الثانية إلى تمديد خطوط الشبكات المتوسطة و الأرضية، ليبدأ بعدها تمديد علب الكهرباء الرئيسية و تركيب العدادات المنزلية، حيث كانت شبكات الكهرباء القديمة تالفة بنسبة كبيرة جداً ولا يمكن الاعتماد عليها ما زاد من صعوبة العمل وخاصة الخط المتوسط الأرضي الذي تم تجديده كلياً، بحسب نجاتي.