تفاقمت أزمة الكهرباء في مدينة حلب خلال السنوات الأخيرة، رغم استعادة سيطرة النظام على نسبة كبيرة من الجغرافيا السورية وتخصيصه مئات الملايين لإعادة تأهيل القطاع، إلا أن المشكلة تزداد يوماً بعد آخر، وتدخل في شتاء هذا العام مرحلة “كارثية”.
وإلى جانب ذريعة تأثر القطاع بالحرب، تبرر وزارة الكهرباء زيادة ساعة التقنين وانقطاع الكهرباء بنقص أطقم الصيانة وتأثر محطات التوليد القديمة، كما تلقي على عاتق المواطن باستمرار جزء كبيراً من المسؤولية بسبب ما تصفه بالاستخدام الجائر للطاقة ما يؤدي إلى الحمولة الزائدة والضغط الناجم عن استخدام الأدوات الكهربائية طبقاً لدورة العمل التي تتبعها الوزارة سنوياً.
وبرر وزير الكهرباء في حكومة النظام غسان الزامل أسباب انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل خلال كلمته الأخيرة أمام أعضاء مجلس الشعب، بأنها ناجمة عن مصاعب تأمين الغاز والفيول الموردة إلى الوزارة، حيث يصل إليها بين 9 إلى 10 مليون متر مكعب من الغاز بينما الحاجة تبلغ حوالي 18 مليون، كما يصل من مادة الفيول حالياً مابين 5 إلى 6 آلاف برميل يومياً في حين الحاجة تزيد عن عشرة آلاف برميل يومي.
مقابل هذا النقص، ادعى الوزير تأهيل 179 محطة تغذية في الأحياء التي سيطر عليها النظام بمدينة حلب، وأن العمل جار على إعادة تأهيل 300 مركز خلال العام الحالي، ومئة مركز في العام القادم.
دفع الإتاوات مقابل الحصول على الكهرباء
تعاني مختلف المناطق السورية من أزمة كهرباء مستمرة منذ عدة أشهر، أشدها في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة سابقاً، حيث تشهد انقطاعاً متواصلاً لعدة أيام مقابل عودة جزئية لبعض الأحياء لفترة لاتتجاوز الساعتين يومياً، في الوقت الذي كانت فيه الكهرباء تعمل بنظام التقنيين المتبع بمعدل 3 ساعات قطع ومثلها توصيل.
لكن المتغيرات الحالية وتفشي البطالة والفقر ساهمت وبشكل كبير في زيادة الاعتماد على الكهرباء الحكومية بالنسبة إلى الطبقة الفقيرة، عوضاً عن الغاز أو المحروقات بغرض التدفأة والطهي وغيرها من الأعمال المنزلية، نتيجة ارتفاع أسعار موارد الطاقة، وارتفاع تكاليف استجرار كهرباء “الأمبيرات” من القطاع الخاص.
يقول أبو أحمد من سكان حي صلاح الدين غرب مدينة حلب: في كل مرة نذهب للسؤال عن وضع الكهرباء المنقطعة، نواجه بنفس الأسباب، مثل انفجار المحولة أو انقطاع الخطوط، وبالتأكيد ندفع مبالغ متفاوتة مقابل اصلاحها كـ “إكرامية” للعمال، وفي حال عودتها فإننا مضطرون للدفع حتى نحصل على كهرباء مثل باقي المناطق ساعتين وصل مقابل ستة ساعات قطع.
ويضيف: معظم السكان بدأ بالتململ من الكهرباء الحكومية نتيجة الرشى التي يجب علينا دفعها في كل مرة، إضافة إلى كونها غير مستقرة إن عادت، وتسبب أعطالاً للأدوات الكهربائية، لكن بطبيعة الحال ما يزال وجودها مهماً خاصة للعائلات الفقيرة والتي تعتمد عليها في الطبخ والتدفئة خلال الشتاء.
ومع اشتداد أزمة المحروقات وما تبعها من تعطيل لمعظم قطاعات الدولة، زادت عملية التقنيين حتى وصلت في بعض المناطق إلى حالة انقطاع عام لفترات تزيد عن الأسبوعين، فضلاً عن حوادث الأعطال المفتعلة والتي كانت تبرر إما بانقطاع خط الغاز المغذي لمحطات التوليد الرئيسية أو انفجار محولات أخرى نتيجة الضغط، الأمر الذي دفع بالسكان للاستعاضة بالأمبيرات رغم ارتفاع تكاليفها.
تجارة الكهرباء
تحول العمل في توزيع خطوط الكهرباء “الأمبيرات” إلى تجارة رائجة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، حتى أصبحت اليوم تشكل دخلاً مالياً هاماً بالنسبة للميليشيات المحلية التي تهيمن على هذا السوق في المناطق المسيطر عليها حديثاً أو تلك التي تفرض الإتاوات على الموزعين في أحياء ومناطق أخرى.
وتعتبر الأحياء الجنوبية في مدينة حلب من المناطق التي تخضع تجارة الأمبيرات فيها إلى مليشيا لواء القدس، في حين تفرض مليشيات أخرى الإتاوات على الموزعين في بقية الأحياء، مثل مليشيا لواء الباقر التي تفرض مبالغ مالية تصل إلى مليوني ليرة شهرياً على الموزعين في أحياء حلب القديمة والوسطى.
ورغم قوننة محافظة حلب لتجارة الأمبيرات وتحديدها أوقات العمل بعشر ساعات يومياً، وتسعير الأمبير الواحد بمبلغ 1750 ليرة أسبوعياً، إلا أن الأسعار تزيد عن ذلك، حيث وصل سعر الأمبير الواحد إلى 2500 ليرة مقابل ثماني ساعات تشغيل يومياً، وفي مناطق أخرى وصل سعره 5000 ليرة أسبوعياً.
ويقول “أحمد ح” من سكان حي الفردوس: جميع سكان مدينة حلب باتو على دراية كاملة بتعاون تجار الأمبيرات مع شركة الكهرباء، ودفع المال لهم مقابل قطع الكهرباء، فمن غير الممكن غياب الكهرباء الحكومية عن الحي منذ أشهر، وإن عادت تكون لساعة أو اثنتين فقط.
ويضيف: بالنسبة لمنطقة الفردوس فتجارة الأمبيرات تتبع لفصيل لواء القدس الذي احتكر عملية التوزيع لنفسه واشترى المولدات من بقية الموزعين منذ سنتين وأكثر، وعلى هذا الأساس أصبحوا المتحكمين بسعر الأمبير والذي يبلغ 3500 ليرة في منطقة سوق الألبسة و 3000 ليرة في بقية الشوارع الداخلية، ورغم الشكاوى المتكررة لمجلس المدينة عن ارتفاع الأسعار إلا أننا لم نحصل على أي رد أو تحرك من قبلهم.
وبحسب وزارة الكهرباء التابعة لنظام الأسد فقد تجاوز حجم خسائر القطاع منذ عام 2011 أكثر من أربعة مليار دولار، في حين وصلت الديون المترتبة عليها بحسب تصريح وزير الكهرباء إلى أكثر من 396,4 مليار ليرة سورية.