ازدادت أعداد السيارات في مناطق الشمال السوري نتيجة الأسعار المنافسة لما يعرف بـ سيارات “القصّة” أو المجزأة، والتي تدخل إلى المنطقة دون قيود جمركية ليعاد تركيبها من جديد.
وتحولت مناطق في إدلب إلى سوق سوداء لكافة أنواع البضائع التي لا تخضع “للجمركة”، خاصة السيارات التي تشهد ورش إعادة تصنيعها إقبالاً من السكان، لانخفاض سعرها مقارنة بمثيلاتها من “النوع والموديل” ذاته.
طرطوس طريق وحيد لسيارات “القصة”
تدخل سيارات “القصة” مجزأة إلى قسمين أو ثلاثة أقسام تحت مسمى “قطع تبديل” ليعاد تأهيلها من جديد. وتبدأ عملية الاستيراد من بلدان أوروبية عبر السفن أو القاطرات. كذلك من كوريا الجنوبية مروراً بالأراضي التركية لتصل أخيراً إلى الشمال السوري بالتنسيق مع التجار.
منذ نحو سنتين تغيرت طرق الاستيراد وباتت تصل إلى ميناء طرطوس لتمر عبر مناطق النظام قبل وصولها إلى إدلب. بينما تدخل السيارات الكاملة “غير المجزآة” من تركيا.
يقول شادي محمد (أحد تجار سيارات القصّة) إن التجار عملوا لفترة بإدخال السيارات المستعملة من أوربا عبر تركيا دون تفكيكها، لأن الدولة التركية تعفيهم من دفع الرسوم الجمركية في حال كانت الشحنة متجهة إلى سوريا. لكن بعد تحويل طريق دخولها لميناء طرطوس عمل التجار على تفكيك تلك السيارات لإدخالها تحت مسمى قطع غيار للتخلص من الرسوم الجمركية التي يفرضها نظام الأسد على السيارات.
ويضيف المحمد “أن الدول التي تسعى لتوازن الصراع في الداخل السوري ساهمت في تغيير طريق وصول السيارات من تركيا إلى ميناء طرطوس كدعم اقتصادي للنظام السوري، ما تسبب في ارتفاع أسعارها وخاصة بعد إغلاق المعابر”.
تباع هذه السيارات بأسعار منخفضة في بلد المنشأ لعدة عوامل أهمها سنة التصنيع والطرازات الجديدة، وذلك ضمن سياسات اقتصادية تعتمدها تلك الدول لتشجيع مواطنيها على استبدال سياراتهم بعد فترة من اقتنائها، ما يساهم بتطور الصناعة المحلية وتنمية اقتصاد تلك البلدان.
يرى المحمد أن سعر سيارات “القصة” المناسب لواقع السكان الاقتصادي في سوريا شجع التجار على استيرادها. كما يجدها مناسبة من حيث الخدمة والرفاهية أيضاً.
ورشات إعادة التجميع مهنة جديدة وإتقان
تصل القطع لورشات تجميع السيارات حيث يعمل المختصون على إعادة وصلها وتدعيمها تمهيداً لطرحها في الأسواق من جديد.
يقول غياث أبو الحكم أحد العاملين في هذا المجال إن الصناعيين في إدلب تمرسوا في المهنة، وبات بعضهم قادراً على إعادة تجميع القطع بطريقة احترافية وبشكل يصعب تمييزها عن مثيلاتها إلا من قبل المختصين.
ويرى أبو الحكم أن الجزء الأصعب في العملية هو إعادة وصل “الشاسيه = قاعدة السيارة” لأهمية هذا القسم الذي يحمل كل أجزاء السيارة ويجب أن يكون مؤهلاً لحمل وشد أوزان محددة.
يعمد العاملون في المهنة لتدعيم “الشاسيه” بعوارض حديدية بشكل طولي ثم يتم وصله عبر اللحام المعدني وطلاؤه بالدهان منعاً للصدأ الذي قد يضعف السيارة في هذه المنطقة.
تفشل بعض عمليات الوصل ولا تتم بحرفية عالية. لكن يرى أبو الحكم أن هذا الأمر يبقى ضمن الطبيعي فالسيارة يستحيل أن تتطابق مع السيارة الخام لحظة خروجها من المصنع.
بعد وصل القاعدة يتم وصل الهيكل والذي يحتاج لدقة أكبر حتى لا تظهر نقاط الوصل ثم يتم استبدال الشبكة الكهربائية والأجزاء التالفة من السيارة نتيجة عملية النقل العشوائية، لتدخل السيارة مرحلتها الأخيرة عبر الحف والطلاء من جديد ثم تطرح في الأسواق.
يقول أبو الحكم إن بعض الزبائن يرغبون بحضور كامل العملية للتأكد من سلامة العمل، في حين يقوم آخرون بشراء السيارة من أحد التجار دون الالتفات لمراحل وصلها فقد كسبت هذه الصناعة ثقة الزبائن.
أسعار مناسبة ورفاهية مطلوبة
تتوافر سيارات “القصّة” من مختلف الأصناف مثل “البيك آب أو التكسي أو سيارات الجيب”، لكن أكثرها انتشاراً سيارات “الهيونداي” من طراز “سنتافي”.
ويتراوح سعر السيارة ما بين ثلاثة آلاف دولار إلى خمسة آلاف بحسب الطراز وسنة الصنع ونظافة القطع المستعملة، وهو ما يراه أصحاب تلك السيارات سعرا زهيداً مقارنة بمناطق النظام. إذ تباع مثيلاتها بضعف السعر تقريباً، كما يعتبر توافر قطع التبديل وانخفاض أسعارها عاملاً مهماً برواج تجارة هذا النوع من السيارات.
يقول من التقيناهم من مالكي سيارات “القصّة” إن أسعارها مناسبة ومصروف صيانتها منخفض لكن لديهم مخاوف مستمرة من احتمالية انفصال السيارة أثناء القيادة، وخاصة بالنسبة للسيارات المختصة بنقل البضائع مثل البيك آب، ما يجبرهم على تحميل أوزان خفيفة مقارنة بحمولتها الطبيعية.
يرى أبو خالد مالك سيارة “قصة” إن عملية تفكيك السيارة تفقدها بعض خواص الأمان والسلامة وهي أمور لا يمكن إعادة تهيئتها من جديد مثل “البوالين الهوائية ونظام مكابح ال ABS”. كما أن عبور هذه الشحنات عبر البحار وتعرضها للرطوبة لفترات طويلة دون حفظها بشكل جيد يؤثر على هيكل المعدن وأجزاء السيارة بشكل كبير، لذا يجب أن يعمد مالكها لفحصها بشكل دوري تجنباً للوقوع بأي حادث.