يهتز القضيبان المعدنيان كلما مرّ أبو محمد أمام نقطة يقول إنها تضم عيناً من المياه، يترك أثراً على الأرض ويتابع عمله قبل أن يحدد الأغزر منها ليبدأ صاحب المكان حفر البئر الخاصة به. يعتمر قبعته للحماية من أشعة الشمس وهو يتجول بين الأراضي من أجل البحث عن المياه الجوفية بطلب من السكان، يقول أبو محمد إنها مهنته منذ عشر سنوات، وما يزال هذا الأسلوب، إضافة لقضبان الرمان، وسيلتان معتمدتان من قبل أهالي المنطقة لندرة التقنيات الحديثة والدراسات التي تحدد مواقع مياه الجوفية، وارتفاع تكاليف المتوافر منها.
قضيبان معدنيان للبحث عن المياه الجوفية
“تلك مهنة متوارثة” يقول أبو محمد “٤٧ عاماً” والذي اكتسبها من مشاهدة من سبقوه في اعتمادها خلال عمله بحفر الآبار، ما دفعه للتجربة، ليكتشف على حد قوله، إنه يمتلك الطاقة التي تمكّنه من تتبع المياه في باطن الأرض، باستعمال قضبان معدنية من الحديد أو النحاس أو الكروم.
يستعمل أبو محمد قضيبين من الحديد معقوفين من طرفهما ليشكلا زاوية قائمة على شكل حرف “L” بالإنكليزية، ويقبض بيديه على الضلع القصير.
يمسك في كل يد قضيباً معدنياً بحيث تكون ذراعيه مثنيتين من “الكوع”، ويسير بخطى هادئة، وبنظامٍ هندسيٍ يتيح له مسح الأرض التي يريد أن يحدد مكمن المياه الجوفية فيها، وعند تحرك القضيبان نحو الداخل حتى تتقاطع مع بعضها لتشكل حرف “x”، أو بشكل دائري إن كانت المياه غزيرة يقوم بوضع علامة في النقطة، ومتابعة البحث عن نقاط أخرى مغذية للنقطة الرئيسية قبل أن يتخذ قراره الأخير بإخبار صاحب البئر عن المكان الذي يجب أن يحفر به.
يقول “أبو محمد”: إنه يجهل السبب الذي يدفع القضبان للحركة، لكنه يفسرها بوجود طاقة في جسمه استشعرت بوجود المياه وأدت لحركة القضبان التي يمسكها.
ويضيف بأنه يمكنه الاستشعار أيضاً بالفراغ الموجود تحت الأرض بين طبقتين صخريتين، لذا يمسك في إحدى يديه عبوة فيها حيز من الفراغ كزجاجة صغيرة من العطر أو ولاعة لتقوم هذه الولاعة بمنع الأسياخ من الحركة عند المرور على فراغ حتى لا يتشتت أثناء البحث عن الماء.
لا تتوقف قدرات أبو محمد عند البحث عن المياه بل يمكنه أن يحدد حجم غزارتها وبعدها عن سطح الأرض وبشكل شبه دقيق، إذ يمسك بيده مجموعة من الحصى مع الأسياخ ويقف فوق المكان المراد قياسه، ليبدأ بترك الحصى واحدة تلو الأخرى، أثناء توقفه فوق المكان ستكون القضبان في وضع الحركة وهو يستمر بإلقاء الحصى تباعاً، وحين تقف القضبان عن الحركة يفتح يده ويعد الحصى التي بقيت في قبضته ويضربها بعدد خمسة.
يقول “إذا ضل بيدي 10 حصوات معناها غماقة المياه خمسين متر لأنَّ كل حصوة تساوي خمس أمتار” وتختلف مقاسات الحصوة ما بين شخص وآخر إذ تصل عند البعض لعشرة أمتار، وتقل عند آخرين للمتر الواحد.
ولا تختلف طريقة قضيب الرمان عن سابقتها سوى بشكل القضيب ونوعه، يقول أبو إبراهيم العبود (أحد ممتهني هذا الأسلوب من قرية بليون جبل الزاوية) إنهم يستعملون لذلك الغرض غصناً من شجر الرمان الفض ويكون على شكل حرف “Y”، يمسك بطرفيه العلويين بيديه ويوجه قاعدته نحو الأرض.
عمل مأجور
مؤخراً، لجأ أبو محمد لتقاضي مبالغ مالية مقابل هذا العمل، إذ كان يقوم بالمهمة مجاناً في السابق، إلا أنه اليوم يضع مبالغ رمزية عن كل بئر يقوم بالبحث عنه، يقول إنها يتقاضى بين ثلاثة آلاف إلى عشرة آلاف، بحسب بعد المسافة التي سيبحث فيها، وكلفة التنقل ليصل إليها.
لا تخيب توقعات أبو محمد غالباً، يقول من تحدثنا معهم ممن اعتمدوا عليه، بينما يخبرنا أبو محمد إن نسبة الخطأ في عملة قد تصل إلى العِشر، ويرجع ذلك للعوامل الجوية، خاصة في فصل الشتاء حين يكون التراب مشبعاً بمياه الأمطار.
ويعد شهري أيلول وتشرين الأول أفضل الأوقات للكشف عن المياه، إذ تتناقص فيهما رطوبة الأرض إلى الحد الأدنى نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في الأشهر التي تسبقهما، بحسب أبي محمد.
لكل “طاقته”، إذ أن الطاقة التي يمتلكها أبو محمد لا تمكنه من البحث عن المياه بواسطة قضيب الرمان، بينما يعتمد أبو إبراهيم عليها منذ عشرين عاماً، ويتفق الاثنان أن هذه الطاقة تستنزف خلال طول البحث، ما يسبب لهما آلاماً في الرأس وألم في القدمين، ويقولان إن هناك بعض من وصفوهما بـ “النصابين” الذين يمتهنون هذا العمل دون طاقة وعلم ودراية.
الوسائل البدائية مجرد تكهنات دون علم
ينفي ثابت الكسحة، وهو مختص بالجيولوجيا، الدقة عن هذه الأساليب البدائية للبحث عن المياه، ويقول إن تحديد مكامن المياه يتم اليوم عبر أجهزة يطلق عليها “الجيوفيزيائي” والذي يعتمد على المقاومة الكهربائية، إذ تخترق نبضاته الطبقات الصخرية وتنقل المقاومة الكهربائية لتلك الطبقات، ليبدأ الجيولوجيون بإجراء عدة عمليات حسابية تمكنهم من معرفة نوعية الصخور الحاملة للمياه وعمق وغزارة المياه فيها.
ويقدر الكسحة نسبة الخطأ في هذا الجهاز بالخمس، إلا أنه لا يوجد في المحافظة أجهزة أكثر حداثة منه، وتعتمد عليه منظمات في إجراء دراسات خاصة للآبار وقد أجرى العشرات منها، وتتفاوت تكلفة الدراسة للبئر ما بين خمسين إلى مئة وخمسين دولاراً للبئر الواحد، ويرى الكسحة أن هذه التكلفة قد تمنع الناس من استخدامه وتدفعهم للجوء للوسائل البدائية.
الوسائل البدائية علم قائم بذاته
يقول الدكتور جورج توما المتخصص في الطب الشمولي والطاقة الحيوية، والمتواجد في “كاليفورينا في الولايات المتحدة الأمريكية” مفسراً هذه الظاهرة: إن لكل موجودات الكون طاقة خاصة، تنطلق من هذه الأجسام كموجات أثيرية نسميها (الهالة).
ولكل (طاقة) مجموعة من الذبذبات والترددات الموجيَّة، يمكن قياسها بأجهزة دقيقة. كما يمكن لبعض الأشخاص من تحسسها وارتسامها ضمن (هالة) المستشعر، التي نسميها (الحقل البيو-إلكترو مغناطيسي).
وفي نفس الوقت تنتشر موجات وترددات طاقتنا لتتداخل مع هالات الأشخاص من حولنا، وتصطدم بهالات الأجسام الأخرى في الطبيعة. وعندما يحدث الاصطدام تنعكس هذه الترددات لتدخل مجال حقلنا (الطاقوي) مسببةً لنا استشعاراً بوجود ذلك الجسم، حتى لو كان تحت طبقات سطح الأرض الرطب لمسافة ما.
فكلما كانت ذبذبات طاقتنا قوية، تنفذ بشكل أعمق إلى باطن الأرض مخترقةً الغطاء الترابي ومن تحته القاعدة الصخرية، وطبقة الماء الحبيسة أو الجاريَة، حتى تصل إلى الطبقة الصخرية التحتية.
لذلك في ظاهرة التنقيب تلك، يتلقى حقلنا الطاقوي ثلاثة أنواع من الذبذبات، وتصطدم في تردداتنا، مسببة كهربائية مغناطيسية تتمايز عن طاقتنا المُرسلة، وتستطيع أن تُحرك أي جسم ناقل للكهرباء نحمله ضمن حقلنا الطاقوي.
فقضيب الرمان (الرطب) يكون مشدوداً بين أيدينا (أي أكسبناه بالشد جهداً كهربياً حرجاً) أو وضعية القضيبين النحاسيين الناقلين للشحنات الكهربائية، لذلك يتأثر القضيب مهتزاً بكهربائية الموجات (الواردة) ذات الجهد المنخفض جداً دون أن تكون كافيةً لأن نشعر نحن بها، لأنها أضعف من فولتاج جسمنا البشري.
لا يعرف بدقة متى بدأ الإنسان بممارسة الكشف عن مكامن المياه الجوفية عبر التاريخ ولكن النقوش المرسومة على جدران كهوف تاسيلي المكتشفة في الجزائر، التي تعود إلى 8000 سنة مضت، تصور رجالاً من القبيلة يحيطون برجل يحمل عصا بشكل شوكة ويفترض أنها استخدمت في البحث عن المياه الجوفية. وكذلك وجدت آثاراً ودلائل عليها في الحضارة الفرعونية والحضارة السورية وبلاد ما بين النهرين بحسب الدكتور توما.