أثار تعيين النظام السوري للعميد “وفيق ناصر” رئيساً للمخابرات العسكرية في حلب، حالةً من القلق والتخوّف لدى السكان، في ظل السجل القمعي الذي عُرف فيه ناصر خلال تواجده في كلٍ من السويداء وحماه، ما أثار التساؤلات حول الواقع الأمني في حلب خلال الفترة المقبلة، وهل ستشهد مرحلة قمعية واسعة.
وأجرى الأسد في التاسع عشر من الشهر الحالي، تغييراتٍ مفاجئة في قيادة عدد من الأفرع الأمنية التابعة لإدارة المخابرات العسكرية، في كلٍ من حلب وحمص وحماه وطرطوس ودمشق، وكان أبرزهم العميد “وفيق ناصر” الذي ينحدر من ريف مدينة جبلة، وهو من أكثر الشخصيات إجراماً ونفوذاً داخل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام.
وقال الصحفي فراس علاوي لفوكس حلب: إن “وفيق ناصر من أهم الرجال الأمنيين لدى النظام، ويطلق عليه لقب “حاكم الجنوب”، حيث كان الأسد يخشى من أي حراكٍ ضده في السويداء، لذلك عيّنه هناك من عام 2012 حتى 2018 وأعطاه كل الصلاحيات، وهذا دليل أن النظام كان يثق بقدراته في ضبط الوضع الأمني، ثم نقله مطلع 2018 الى حماه، حيث استمر لعامين وبعدها قرر تسلميه إدارة المخابرات العسكرية في حلب، بغية إحكام القبضة الأمنية على المدينة وريفها”.
بدوره أفاد الناشط الاعلامي عمر الخالدي من أبناء حلب، أن “الفلتان الأمني والانتهاكات التي ترتكبها ميليشيات النظام سبّبت حالةً من الضجر والاحتقان لدى الأهالي، وبالتالي سارع الأسد لإرسال وفيق ناصر الى حلب، لإحكام قبضته الأمنية على المدينة قبل أن تنفجر وتخرج عن السيطرة، ولاسيما أن حلب ذات أهمية اقتصادية كبيرة للنظام، إضافةً إلى كونها تقع على خطوط تماس مع فصائل المعارضة”.
وأضاف الخالدي أن “هدف الأسد من نقل وفيق ناصر من حماه إلى حلب، هو إجراء يقوم به كل فترة في مختلف المحافظات السورية، لمنع رؤساء الأفرع الأمنية من تعزيز نفوذهم وسلطتهم وخروجهم عن سيطرة القيادة المركزية، وهذا ما يُفسر لجوء النظام إلى اغتيال بعض الضباط أو إعفائهم أو اعتقالهم خشية تشكيلهم خطراً عليه، لكن وفيق ناصر يعتبر شخصية أمنية قوية وصاحبة نفوذ، لذلك يُفضّل الأسد الاعتماد عليه مع نقله كل فترة من مكانٍ لآخر، لمنعه من توسيع نفوذه كما حصل خلال تواجده في السويداء لست سنوات”.
ولفت الخالدي الى أن “العميد ناصر ارتكب جرائم واسعة بحق المعتقلين في السويداء وحماه، كغيره من رؤساء الأفرع الأمنية، لذلك يسعى النظام كل فترة لنقلهم من مكانٍ لآخر أو إقالتهم من منصبهم ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، بغية طمس معالم جريمتهم عبر إبعادهم عن المكان الذي ارتكبوا فيه تلك الانتهاكات”.
“شيكاغو السورية”
ويعاني سكان حلب من انتشار الفلتان الأمني منذ سيطرة الأسد على كامل المدينة نهاية 2016، وسلّطت قناة “روسيا اليوم” في تقريرٍ لها الشهر الحالي، الضوء على الفلتان الأمني الكبير الذي تشهده مناطق سيطرة النظام وانتشار السلاح والميليشيات وجرائم القتل والخطف، مُشبِّهةً إحدى الحوادث التي وقعت في مدينة حلب بما يحصل في “شيكاغو” الأمريكية المشهورة بالعصابات.
ونشرت القناة تقريراً تناول حادثة وقعت وسط حلب قبل أيام، حيث جرت مطاردة بين سيارتين في حي حلب الجديدة، انتهت بقيام أحد السائقين بسحب سلاحه وإطلاق النار على الآخر بسبب تجاوُزه له، ما أدى إلى مقتل شخص مدني تزامن مروره في الطريق أثناء وقوع الحادثة.
وقال المحلل العسكري العقيد أحمد حمادة لفوكس حلب: إن “الوضع المأساوي في حلب وانتشار الشبيحة وارتكابهم انتهاكات بحق الأهالي، تضطر النظام لإجراء تغييرات في إدارة الأفرع الأمنية لتخفيف الاحتقان الشعبي، لكن هذا التغيير في الوجوه فقط وليس المضمون، لأن منهجية النظام تعتمد على الهمجية والقمع وتنفيذ سياساته الوحشية عن طريق الأفرع الأمنية بأنواعها، وبالتالي حلب مقبلة على مرحلة واسعة من القمع الذي لم يتوقف أصلاً”.
ويعاني التجار وأصحاب الورش الصغيرة في حلب ولاسيما في الأحياء الشرقية، من تسلّط عناصر فرع “الأمن العسكري”، الذين يسعون إلى مضايقتهم وفرض الأتاوات عليهم، وقال تاجر من حي الفردوس في حلب فضّل عدم ذكر اسمه: “تفرض الحواجز علينا أتاوات تصل الى أكثر من 20 ألف ليرة سورية شهرياً، ومن لا يدفع يتم تهديده بالاعتقال أو السوق الى الخدمة العسكرية أو التسلّط عليه وسرقة بضاعته”.
وأضاف “حين علمت بتعيين وفيق ناصر لإدارة المخابرات العسكرية، شعرت بصدمة وانزعاج كبيرين، وخاصةً لما يعرف عنه من الجشع وحب المال وسيسعى لابتزاز تجار حلب، كما كان له دور أساسي في انتشار عمليات السرقة والخطف وإثارة الفتن في السويداء وحماه، ولا نستبعد أن يقوم بافتعال تفجيرات في حلب، بغية اتهام فصائل المعارضة بها، وإشغال الأهالي بمسائل أخرى، لا سيما أنهم يعيشون حالةً من الاستياء في ظل تفشي كورونا وانتشار البطالة وتردّي الوضع الأمني والمعيشي”.
صراع إيراني روسي على حلب
وصول العميد “وفيق ناصر” الى حلب، يثير التساؤلات حول مستقبل النفوذ الروسي والإيراني هناك، وفي هذا الإطار قال فراس علاوي: إن “ايران تسعى منذ سنوات لتعزيز نفوذها في حلب، نذكر كيف ظهر قاسم سليماني قائد فيلق القدس سابقاً في شوارع حلب بعد السيطرة عليها، لذلك سعت طهران إلى الضغط على الأسد لتعيين ناصر المدعوم من قبلها لاستلام المخابرات العسكرية في المنطقة بغية تعزيز نفوذها في حلب على حساب النفوذ الروسي”، مشيراً الى أن “هناك أنباء سادت مؤخراً عن نقل ميليشيات إيرانية وعناصر من الحشد الشعبي من العراق الى المناطق التي سيطرت عليها قوات الأسد مؤخراً في المناطق التابعة للمعارضة، وربما يكون ذلك مؤشراً لعمليات عسكرية في محيط حلب بدعمٍ إيراني”.
وتنتشر الميليشيات الإيرانية في عدة مناطق داخل وحلب ومحيطها، حيث يقع مركز قيادة تلك القوات في الأكاديمية العسكرية في حي الحمدانية غربي المدينة، إضافةً إلى انتشارها في مناطق الشيخ نجار والشيخ سعيد والراموسة وباشكوي، وأحياء الشعار ومساكن هنانو والحيدرية والمرجة والصاخور والمشهد، كما تتواجد بعض العناصر الموالية لايران في جبل عزان وبلدات نبل والزهراء وتلعرن وتل عابور بريف حلب.
وأفاد عضو الائتلاف وهيئة التفاوض العقيد أحمد عثمان، أن “تعيين وفيق ناصر لاستلام الملف الأمني في حلب، سيخلط الأوراق ولاسيما أنه شخصية أمنية قوية وارتبط اسمه بأعمال القتل والخطف والتفجيرات والتعاون مع تنظيم داعش، وبالتالي ستشهد حلب لاحقاً مرحلة فوضى عارمة، إضافةً إلى اشتعال التنافس بشكلٍ أكبر بين موسكو وطهران، وقد تميل الكفة لصالح ميليشيات إيران، كون ناصر مقرب أكثر من القيادة الإيرانية وميليشياتها”.
بينما قال العقيد أحمد حمادة: إن “الأمن العسكري يعمل لصالح إيران وهذا يعزز موقعها، إضافةً الى استمالة طهران بعض الميليشيات والشبيحة الى جانبها وتقديم الدعم لهم، لكن في المقابل روسيا موجودة في مواقع عديدة بحلب وتستطيع تعزيز نفوذها، فهي تحتل سوريا وتسيطر على القرار، وبالتالي فإن تغيير إدارة فرع أمني لمصلحة ايران، لا يعني أنها استحوذت على النفوذ في حلب، فهناك في المقابل أفرع أمنية أخرى مدعومة من قبل موسكو”.
وشهدت مدينة حلب العام الماضي اشتباكات متقطعة بالأسلحة الخفيفة والثقيلة وقذائف الهاون، بين ميليشيات روسية وأخرى إيرانية، نجم عنها سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، وخاصةً في أحياء الحمدانية والخالدية، وذلك نتيجة الصراع على النفوذ بين الجانبين الروسي والإيراني.
وسيطر الأسد على الأحياء الشرقية في حلب نهاية عام 2016، بعد عمليةٍ عسكريةٍ واسعة انتهت بتهجير فصائل المعارضة والمدنيين إلى ريفي حلب وادلب، وفي شباط الماضي أطلقت قوات النظام عملية عسكرية جديدة تمكنت خلالها من السيطرة على كامل حلب وتأمين محيطها، بما في ذلك الطريق الدولي حلب-دمشق.