تجتمع “سهى” مع مجموعة من صديقاتها المهتمات بالشأن السياسي كل أسبوع في مدينة إدلب، تحاولن الاقتداء ببعض النماذج السياسية النسوية التي يرين أنهن كنّ قادرات على المشاركة الفاعلة في كثير من المؤتمرات والمنصات السورية، ويتطلعن لتحقيق مكاسب للمرأة تمكنها من الحصول على التمثيل السياسي بعد تهميش طال لسنوات طويلة.
تقول سهى “وهو اسم وهمي” إن الحياة السياسية النسوية تغيب عن محافظة إدلب، رغم وجود نساء قمن سابقاً بعدة محالات، لكنها باءت جميعاً بالفشل نتيجة عادات مجتمعية أو تحكم عسكري يفرض أن يكون الرجال دائماً في الواجهة”.
تتساءل “ماذا لو ترشحت إحدانا لانتخابات المجلس المحلي في إدلب والتي جرت في العام 2017 ؟”. تضحك وتضيف “لا بد وأننا سنتعرض لعبوس الرجال أو لنظرات المجتمع الساخطة”.
حياة المرأة في إدلب
سجلت الحكومة المؤقتة أول وجود للمرأة في تشكيلتها الوزارية الحالية وغاب هذا الإجراء عن حكومة الإنقاذ التي باشرت بعملها منذ تشرين الثاني 2017، إذ لم تحصل المرأة التي تعيش في إدلب على أي مقعد سياسي لها في منصة الحكم الجديد.
وتقول من التقيناهن: إن المرأة في إدلب تعمل في مختلف المجالات الاجتماعية كالتعليم والصحة والإعلام، لكن عندما يتعلق الأمر بـ التمثيل السياسي فيبدو الواقع “مزرياً جداً”، على حد وصفهن.
تقول “شهد” التي فضلت التحدث تحت اسم مستعار لـ (فوكس حلب) “إذا اعتبرنا أن الحرية السياسية هي المقياس لأي تحرر في البلد فإن إدلب تعيش بدون حرية، وينطبق هذا الأمر على الرجال والنساء”. لكن المرأة غيبت عن الواقع السياسي بشكل متعمد، فلا نجد أي مشاركة للمرأة في أي من المؤسسات الحكومية.
بينما تعزو “شادية تعتاع” وهي مراسلة لجريدة “عنب بلدي” عدم تسجيل النسخ الثلاث لحكومة “الإنقاذ” انضماماً ولو شكلياً لأي أنثى إلى “طبيعة الانتخابات والمرشحين للحكومة”.
وتضيف “تعتاع” ” لا يوجد نظام حقيقي لإجراء انتخابات عادلة وحقيقية، وعمل الحكومة لا يصل إلى مستوى حكومة حقيقية حتى الآن”.
“لا توجد أي وزيرة أو مسؤولة في مختلف المؤسسات التي تشرف عليها الحكومة. كما لم تشارك المرأة في المجالس المحلية التي ما تزال تنشط تحت مظلة الإنقاذ”.
الأسباب التي أدت لغياب المرأة عن المشهد السياسي
يرى أشخاص لتقيناهم أن المرأة في إدلب غير قادرة على القيام بأي دور سياسي خلال الفترة الحالية، نتيجة الأوضاع الأمنية التي تعيشها البلاد والتي قد تحتاج للحزم أكثر منها للسياسية، وقد يكون الرجال مؤهلين لهذا العمل بشكل أكبر.
في الوقت نفسه شكلت عدة عوامل اجتماعية موانع أمام دخول المرأة لميدان العمل أو مشاركتها في التمثيل السياسي بشكل عام. كالغيرة والتحريم وبعض التقاليد التي ترى عيباً في مشاركة المرأة بالعمل السياسي، وحصر نشاطها بالعمل داخل المنزل، وفي بعض الوظائف كالتعليم والصحة.
يرفض محمد وهو شاب متزوج من مدينة إدلب دخول زوجته لمضمار العمل ضمن إحدى منظمات المجتمع المدني للمشاركة في الحياة العامة، ولم تشكل الرواتب الجيدة التي تمنحها المنظمات عاملاً مشجعاً لمحمد الذي تمنعه غيرته من السماح لزوجته بدخول الميادين التي يدخلها الرجال!
المرأة مهمشة سياسياً
ربما ترى السلطة الحاكمة في إدلب أن منح عدة مقاعد للمرأة ضمن المؤسسات الحكومية ليس من أدبياتها. كما يحسب العاملون في المجالس المحلية حساباً لردة فعل المجتمع حيال توظيف المرأة ضمن فريق العمل.
تقول “شهد” إن المرأة مظلومة من السلطة التي ترى أن المرأة لا يجوز لها مخالطة الرجال ومزاحمتهم في المطامح السياسية. ومهمشة من قبل المجتمع الذي يحصر الأنثى ضمن دائرة مجتمعية ضيقة مع تشديد الرقابة عليها.
بينما تعتقد “منيرة بالوش” وهي محررة ومدونة قصص بمنظمة “نقطة بداية-مركز سرمدا” أنه رغم غياب المرأة عن الفعاليات السياسية، إلا أن المرأة سلكت طرقاً بعيدة عن هذا المجال وأثبتت نجاحها في الإعلام والمجالات الحقوقية والإنسانية والتعليم والصحة وغيرها” إذ تكثر الصحفيات اللواتي يغطين الأحداث الهامة في إدلب. كما بتنا نشاهد مشاركة للمرأة خلف عدسة الكاميرا سواء كانت صحفية أو امرأة عادية تحكي همومها في خيمة مهترئة في أقصى الحدود.
كما تقود المرأة سيارتها دون أن تتعرض لأي مضايقات. كذلك بالنسبة للالتزام بقوائم المنع الطويلة التي فرضتها أجهزة الحسبة، سواعد الخير، سواء في اللباس أو تقييد حرية الحركة، والتي خفت خلال الآونة الأخيرة.
أما “سهى” فتؤكد أن هذا لا يكفي. إذ “لا يمكن للمرأة الاكتفاء ببعض الأعمال دون مشاركة حقيقية في الحياة العامة”، وتستشهد بالتجمعات السياسية النسوية التي نشطت في ريف دمشق أثناء سيطرة قوات المعارضة عليها.
وترى بأنها حققت مكاسب ونجاحات عدة، ما يخول المرأة دخول المعترك السياسي رغم الظروف الأمنية التي تعيشها إدلب، لذا تتطلع كثير من النساء اللواتي التقينا بهن لوصول لمشاركة المرأة في الحياة السياسية، إذ يرين أنها قد تكون قادرة على تمثيل حقوقهن بشكل أكبر من الرجل.