يجتمع الحاج علي بصديقه خليل مساء كل يوم أمام خيمته، لتبدأ جولة جديدة من جولات لعبة “الإدريس” بتفاخر الفائز بلعبة الأمس، وإصرار المهزوم على التحدي لرد “الصاع” صاعين، ويتكرر هذا المشهد منذ نزوحهما معاً من ريف حماة إلى واحد من مخيمات جنديرس في منطقة عفرين.
يقول الحاج علي “إن هذه اللعبة كانت من أهم وسائل التسلية في طفولتهم، تعلموها من مشاهدتهم لآبائهم أثناء لعبها”، لكنه غاب عن لعبها لسنوات طويلة بسبب ضيق الوقت وانشغال الناس بأعمالها، لكنها ومع الفراغ الذي أوجده النزوح عادت للظهور كـ “وسيلة لتمضية الوقت ودفع ساعات المخيمات الطويلة”.
الإدريس لعبة لقتل الوقت في المخيمات
يقول الحاج خليل “إن المنقلة والإدريس من الألعاب القديمة تلعب الإدريس على خشبة رسم عليها مجموعة من المربعات، و لها عدة مستويات تختلف بحسب عدد الأحجار حيث تلعب بثلاثة أو ستة أو تسعة أو اثني عشر حجراً”.
وتزداد صعوبة اللعبة بازدياد عدد الأحجار، وقد اختار اللاعبان تسعة أحجار للعبتهم التي ستبدأ باختيار صنفين من الحصى لتتمايز فيما بينها.
ويتناوب اللاعبان توزيعها على الرقعة بطريقة تمكنهم من تحريكها للوصول للربح، ويكون بأن تأخذ ثلاث حصيات استقامة واحدة، وفي الوقت نفسه سد الطريق على الخصم قبل الوصول لهذه المرحلة، ومن ينجح في وضع ثلاث حصيات على نسق واحد يزيل أحد حصيات الخصم من الرقعة، وهكذا حتى لا يبقى لدى أحد اللاعبين إلا خمسة أحجار في هذا المستوى من اللعبة فيعد خاسراً.
المنقلة معركة الحصى والجرون
تتشارك لعبة المنقلة والإدريس في كونها إحدى وسائل التسلية من الألعاب القديمة التي يعتمد عليها الرجال لقضاء بعض الوقت في المخيمات، وتتألف المنقلة من قطعة خشبية تتوزع عليها أربعة عشر حفرة في نسقين متقابلين وتتوزع فيها ثمانية وتسعين حجراً.
وتلعب من قبل لاعبين اثنين، وقد يستعيض لاعبو المنقلة في المخيمات عن الخشبة بحفر الجرن على الأرضية الترابية بجوار الخيمة.
يرى هواة هذه اللعبة أنها تتشارك مع الإدريس بحاجتها لذهن صاف وبديهة حاضرة ليتمكن اللاعب من إجراء العملية الحسابية التي تمكنه من تحريك أحجاره بطريقة تضمن ربحه.
وتقسم لعبة المنقلة إلى نوعين “عاقلة ومجنونة” وتعتبر المجنونة اللعبة الأكثر شيوعاَ لأنها أسهل، حيث يتم توزيع الحصى بالتساوي على كل جرن فينال كل جرن سبع حصيات.
يبتدئ اللعب من قبل أحد اللاعبين حيث ينبغي عليه اختيار أحد الجرون السبعة التي تقابله ثم يقوم بحمل حصياته وتوزيعها على الجرون التالية، ثم يتناوب اللاعبان على التوالي باختيار الجرون للقيام بعملية توزيع الحصى بعكس عقارب الساعة.
ويُحدد الرابح فيها بمن يمتلك أكبر عدد من الحصيات، وصول الحصى في الجرن إلى اثنين أو أربعة فيربح ما فيه إضافة إلى الجرن الذي يقابله، بحسب ما شرحه خالد الفرحات.
الألعاب القديمة لا تستهوي أطفال اليوم
يجلس الطفل وائل(15 سنة) بالقرب من جده الحاج علي منشغلاُ بهاتف محمول في يده غير مكترث بطقطقة الحصى على الخشبة، ولا بصوت جده الذي ارتفع على خصمه بعد اتهامه بإجراء نقلة غير صحيحة.
يقول وائل إن هذه الألعاب القديمة (المنقلة والإدريس) لا تستهويه أبداً وإنه يستمتع أكثر بألعاب الجوال التي منحته خيارات أوسع “بتقدر ايمت مابدك تنزل لعبة وإذا ماعجبتك بتحذفها وبتنزل غيرها”.
وهذا ما أزعج والدته التي ترى أن تعلق أطفالها بالجوال زاد عن حده ولطالما دارت مشاحنات بينهم حول أحقية أحدهم بحمله في هذا التوقيت، ما يدفع الأم للتدخل وتنظيم الدور.
تقول أم وائل إنها مجبرة على الانصياع لطلبات أولادها، فحياة الخيام لا تمنحهم مساحة كافية للعب، كما أن رحلة النزوح أبعدتهم عن أصدقائهم الذين اعتادوا رفقتهم وتمضية الوقت بصحبتهم.
يتمنى الحاج علي أن يتعلم أحفاده لعبته، ويرى أنها تنمي الذكاء وتحتاج لحساب حركات ونقلات، ولكن الأطفال لا ينجذبون إليها ونادراً ما يلعبونها لفترة قصيرة، ثم ينصرفون لألعاب الموبايل.
يقول الحاج علي ممازحاً ” بصراحة معهم حق لو أعرف العب ع الجوال متلهم كنت لعبت الإدريس”.
ويقول فيصل وهو منشط أنشطة رياضية مهجر من دمشق: إن الألعاب القديمة تترك الطفل في تماس مباشر مع بيئته، وتمنحه فرصة لابتكار وسائل للتسلية كما تساهم باعتياده على العمل ضمن فريق واحد.
في المقابل قد تزيد ألعاب الجوال من بعض قدراتهم إلا أنها ستُهمش مهارات أخرى لأن الطفل سيعتاد الحصول على الترفيه الجاهز وقد يعيش في عزلة مع جواله ما يعرضه للإصابة بالتوحد في حال استمر بجلسته لفترات طويلة، ويجب على الأهل التوفيق بين هذين النوعين من الألعاب.