يعيش السوريون في لبنان ظروفاً إنسانيةً صعبةً، بعد تدهور قيمة الليرة اللبنانية وقلة فرص العمل، إضافة للتضييق الذي تمارسه السلطات اللبنانية عليهم منذ بداية لجوئهم عام 2011، الأمر الذي دفع الكثير منهم لمغادرة البلاد والعودة إلى سوريا أو الذهاب إلى تركيا بطرق شرعية أو غير شرعية وهو ما يعرضهم للخطر، خاصةً بالنسبة للعائدين إلى سوريا حيث أن الكثير منهم مطلوب للأفرع الأمنية أو لأداء الخدمة الإلزامية.
الأمن العام اللبناني أكد أن نحو 170 ألف سوري عادوا إلى بلدهم من لبنان بين كانون الأول 2017 وآذار 2019، وهذا الرقم يشمل العائدين بالطرق الرسمية عبر المعابر فقط، ناهيك عن العائدين بطرق التهريب، خاصة بعد الاحتجاجات التي انطلقت في تشرين الأول 2019 وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
“سامي سليمان” مقيم في لبنان منذ سبع سنوات، عاد إلى إدلب عن طريق التهريب بعد دفع مبلغ 1100 دولاراً، ويعتبر هذا الرقم مقبولاً مقارنة بغيره إذ تتراوح تكلفة العبور بطريق التهريب من (1100-2500 دولاراً) فضلاً عن الخطر الكبير الذي يتعرض له المسافر رفقة المهربين أثناء عبوره وتنقله في مناطق النظام.
يعلم سليمان أن الأوضاع في إدلب ليست آمنة، لكن السياسة القاسية التي تمارسها الحكومة اللبنانية والظروف المادية السيئة، دفعته لاتخاذ هذا القرار.
لبنان بيئة غير آمنة للصحفيين والنشطاء السوريين
تعرض الصحفي السوري فاخر العارف خلال عمله في السنوات الماضية لجملة من المضايقات والتهديدات من قبل عناصر تابعين للنظام السوري وحزب الله اللبناني، ما دفعه لترك لبنان والسفر إلى إسطنبول.
يقول العارف إن “لبنان لا يعتبر بيئة آمنة للصحفيين والنشطاء السوريين لوقوعهم تحت سطوة القوات الأمنية التابعة لحزب الله والتيار الوطني الحر (حزب سياسي لبناني أسسه رئيس لبنان الحالي ميشيل عون ويرأسه جبران باسيل)، إذ يلجأ الناشطون والصحفيون للعمل بأسماء وهمية أو يضطرون لترك المهنة والعمل في مجالات أخرى، ويخضع العمل الإعلامي في لبنان لرقابة السلطات السورية، إلا في حالات نادرة لصحفيين يقيمون في مناطق مناوئة للنظام السوري كمناطق حزب القوات اللبنانية، أو الحزب التقدمي الاشتراكي”.
الانتهاكات بحق السوريين لا تنتهي
تحدث العارف عن الاستغلال الكبير لفقر وحاجة النساء والفتيات السوريات الأمر الذي يعرضهن في بعض الأحيان للمضايقات والتحرش الجنسي، قبل حصولهن على الإغاثة والمساعدات الإنسانية وقد حذرت مفوضية اللاجئين ومنظمة هيومن رايتس ووتش من هذا الأمر في عدة تقارير.
كما أكد العارف استغلال حاجة السوريين للمال وأخذ أطفالهم المتواجدين في مخيمات البقاع للعمل في زراعة “الحشيش” التي يرعاها حزب الله اللبناني. وأخذهم للعمل.
وتحدث عن فساد العديد من موظفي شؤون اللاجئين في لبنان، وتبعيتهم لجهات تقف ضد وجود اللاجئين السوريين في لبنان لذلك نفذ اللاجئون السوريون عدًة اعتصامات ومظاهرات واضرابات عن الطعام أمام مقرات المفوضية في طرابلس وبيروت، وفي كل مرة كان يتم قمع هذه المظاهرات والاعتداء على المتظاهرين أمام أعين موظفي الأمم المتحدة.
الموت قهراً وهدم المخيمات
ساهمت الأوضاع المادية الصعبة التي يعيشها السوري في لبنان بتكرار حالات الانتحار وكانت إحداها أمام مفوضية الأمم المتحدة عام 2018، وأخرى منذ فترة ليست ببعيدة عندما أقدم أحد السوريين على إحراق نفسه بسبب عدم قدرته على دفع أجار المنزل، كما تعرض بعض السوريين للضرب وأحياناً للقتل كما حصل في بلدة بعقلين في جبل لبنان والتي ذهب ضحيتها خمسة سوريين من عائلة واحدة على يد لبناني قام بقتلهم نهاية شهر نيسان الماضي.
ناهيك عن الاعتداءات المتكررة على مخيمات النازحين، لا سيما في “عرسال” والبقاع حيث يتم هدم الخيام على رؤوس اللاجئين واقتلاعهم من مخيماتهم وتركهم بلا مأوى، آخرها الاعتداء على مخيم منتصف نيسان المنصرم في البقاع بحجة عدم التزام سكان المخيم بإجراءات الحجر الصحي اللازم من أجل الكورونا.
73% من السوريين في لبنان تحت خط الفقر
مليون ونصف مليون لاجئ سوري يعيش في لبنان بحسب الحكومة اللبنانية، نحو مليون منهم مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة في ظل غلاء الأسعار وانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، وندرة فرص العمل وعجز الأمم المتحدة عن تقديم المساعدات لنحو 80% منهم ليعيش 73% منهم تحت خط الفقر بحسب المفوضية.
يعمل أحمد سبيع في لبنان منذ العام 2006 وقد اعتاد على زيارة بلدته زردنا “شرق إدلب” كل فترة إلا أنه لم يستطع العودة بعد العام 2012 بعد أن اشتدت وتيرة الحرب، يشكو سوء الأوضاع الإنسانية والمادية في لبنان التي وصفها بأنها تزداد صعوبةً يوماً بعد يوم حتى على اللبنانيين أنفسهم، لا سيما بعد الاحتجاجات التي شهدتها لبنان وانهيار قيمة الليرة اللبنانية وظهور جائحة كورونا.
يقول السبيع: إنه يحصل على المساعدة من الأمم المتحدة مرة في العام، هذا إن حصل عليها، إلا أن حاله أفضل بكثير من بقية السوريين الذين عجزوا عن العثورعلى فرصة عمل ولا يحصلون على المساعدة واشتكى من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم وجود الرقابة على الأسعار، فكل بائع يبيع على مزاجه في ظل قلة فرص العمل وتدني الأجور التي بقيت على حالها بالليرة اللبنانية رغم انهيارها فالعامل الذي كانت يوميته ثلاثين ألفاً بقيت ثلاثين إلا أن الأسعار تضاعفت فطبق البيض مثلاً كان ثمنه أربعة آلاف ليرة لبنانية وأصبح اليوم عشرة.
ثلثي السوريين بدون إقامة
تفرض الحكومة اللبنانية شروطاً صعبة للحصول على الإقامة ما منع كثير من السوريين من تجديد إقاماتهم، ما يجعل وجودهم غير قانوني على الأراضي اللبنانية ليصبحوا عرضة لسوء المعاملة والابتزاز والانتهاكات بما فيها الإساءة في العمل أو التحرش الجنسي والعجز عن اللجوء إلى السلطات للحماية، بحسب “هيومن رايتس ووتش” التي قالت إن 73% من السوريين في لبنان يفتقرون إلى الإقامة القانونية الأمر الذي يحد من قدرتهم على الحصول على التعليم والعمل والرعاية الصحية، ومواجهة خطر الاعتقال بسبب وجودهم غير الشرعي.