في نهاية شهر أيار الماضي تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يوثق موت الطفلة “حور محمد جمال الصالحة -سنة ونصف السنة” من مدينة معرة النعمان، إثر إصابتها بلدغة عقرب في واحد من مخيمات دير حسان (شمالي إدلب)، ما بات يشكل خطراً على حياة السكان، خاصة مع انتشار هذه الحيوانات الزاحفة وزيادة أعدادها في المخيمات، لطبيعة الأرض التي بنيت عليها من جهة، وطبيعة الخيام التي تفتقد في قسم كبير منها للعوازل الأرضية.
يحصي عدد من الشبان في المخيمات الحصيلة اليومية من العقارب والأفاعي التي يقومون بقتلها، ويتداولون صورها في مناشداتهم لإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة التي تتفاقم في كل يوم، خاصة مع بداية أشهر الصيف، إذ تساهم الحرارة المرتفعة في تزايد أعدادها، وسط غياب شبه تام للإجراءات من قبل المؤسسات الحكومية أو المنظمات الداعمة، وعجز في تأمين المصول، إضافة لبعد المسافة بين هذه المخيمات والمشافي العاملة في المنطقة.
في مخيمات دير حسان، والتي شهدت وفاة الطفلة، وثقت وحدة تنسيق الدعم في تقريرها الصادر في نيسان الماضي وجود نحو ثلاثة آلاف وثمانمائة وثلاثين عائلة في عشر مخيمات، بينهم نحو تسعة آلاف وسبعمائة طفل دون الثانية عشرة من العمر، يخدمهم ثلاث نقاط طبية تضم طبيباً واحداً وممرضة وستة ممرضين، وتبعد أقرب مشفى عن هذه المخيمات نحو ثلاثة كليلو مترات، وتحتاج نحو ألف ومئتان وتسع وسبعين خيمة لعوازل أرضية، ناهيك عن الخيام التي تحتاج إلى استبدال وعددها سبعمائة وتسع وعشرين خيمة.
حال مخيمات دير حسان لا يختلف عن حال عدد كبير من المخيمات الأخرى التي تشهد زيادة في أعداد هذه الزواحف، ما دفع بعض السكان الذين تحدثنا إليهم إلى وصف صيفهم لهذا العام بـ “المليء بالموت”، بعد أن أثقل كاهلهم الشتاء ومناخه القاسي، والذي أدى إلى موت بعض الأطفال برداً، إضافة لغرق الخيام وتمزيقها، بفعل الرياح والأمطار.
يناشد السكان المنظمات الإنسانية لمكافحة هذه الآفات، ويقول عبد الرحمن اليوسف “مدير مخيم التح الواقع غرب مدينة معرة مصرين” إن انتشار تلك الظاهرة في مخيمهم جاء بسبب طبيعة الأرض التي أقيم عليها المخيم، إذ بني على سفح منحدر تتخلله الكتل الصخرية السوداء والتي تعتبر بيئةً مناسبةً لحياة الزواحف والحشرات.
يقول اليوسف: مع بداية فصل الصيف بدأت تظهر إصابات بلدغات الأفاعي والعقارب والحشرات الأخرى، فتم التواصل مع الجهات الصحية والجمعيات الخيرية للحد من تلك الظاهرة، دون أن نتلقى استجابة من أحد، الأمر الذي دفع إدارة المخيم لحض السكان على شراء مادة القطران ونشرها في أرجاء المخيم إذ تعمل تلك المادة على طرد بعض الحشرات وإبعادها عن المنطقة.
وتشكل البيئة الرطبة وتجمعات المياه مكاناً ملائماً للعقارب الباحثة عن طعامها، والتي تنشط ليلاً، ومع غياب العوازل الأرضية يزداد خطر الإصابة خاصة بين الأطفال، ولا تفلح الاحتياطات المتخذة من قبل بعض الأهالي لمنع انتشارها، ناهيك عن الكلفة العالية للمبيدات التي يجب تطبيقها على أرض المخيمات ومحيطها المجاور، يقول من التقيناهم إنه بعض الأهالي استخدموا مادة القطران، بينما اعتمد بعضهم على “القرفة”، وكذلك على بودرة “البوريك أسيد” إلا أن استخدام المادة الأخيرة له أضرار كبيرة في حال تناوله من قبل الأطفال، ما يحول دون استخدامه داخل الخيام، ناهيك عن الجولات التي يقوم بها سكان المخيم لقتل هذه الزواحف والعقارب.
معاذ الفرحات أحد سكان مخيم حاس الواقع غربي سرمدا يقول إنه تعرض للدغة من عقرب أثناء نومه داخل خيمته، حيث تم إسعافه إلى أحد مستشفيات مدينة سرمدا، لأن العقرب لدغته في ظهره في منطقة موازية للقلب ولم يتمكن من اتخاذ الإجراءات الأولية التي تحد من انتشار السم في الجسم إذ يعمد السكان عادة لقطع الدم عن المنطقة التي تعرضت للدغ ويقومون بجرحها مكان اللدغة بهدف إخراج الدم الفاسد.
في المشفى تلقى معاذ العلاج اللازم وعاد إلى منزله، لكن الخوف مازال يرافقه خشيةً على أطفاله الصغار، الذين قد لا يحتملون لدغة العقرب كما احتملها.
انتشار هذه الآفات دفع عدد من السكان لمغادرة المخيم إلى بيوت مستأجرة رغم الكلفة العالية، تخبرنا إسعاف الزيدان إنها اضطرت لترك مخيم “باتبو” الذي تعيش فيه مع أولادها الخمسة واستئجار منزل، إذ لم تعد قادرة على رؤية الأفاعي والعقارب تتجول في المخيم بشكل يومي واعتيادي، تقول الزيدان “مع تكرار حالات الإصابة وخلو المنطقة من مركز صحي قريب وعدم اكتراث الجمعيات والنقاط الطبية لتلك الظاهرة قررت ترك المخيم واستأجرت منزلاً في سرمدا خوفاً من خسارة أحد أبنائي”.
المعاناة ذاتها تتكرر في جميع المخيمات شمال إدلب ويتم إسعاف المواطنين الذين تعرضوا للدغة إحدى الحيوانات الزاحفة إلى المشافي أو المراكز الصحية المجاورة لتلك المخيمات لتلقي العلاج اللازم، حيث تفتقر تلك المخيمات لأبسط الإمكانات الطبية، ويقول الدكتور مصطفى السيد دغيم رئيس دائرة الرقابة الدوائية في مديرية صحة إدلب إنه “تم توزيع المصول المضادة للدغات الأفاعي والعقارب بعد تكرار حالات اللدغ التي يتعرض لها الأهالي، إذ تم تزويد المشافي المختصة والداخلية والإسعافية بتلك المصول، كما قامت بعض المنظمات الداعمة بتأمين بعضها وتزويد عدد من المشافي الاسعافية والجراحية بها”
وتواجه مديرية الصحة صعوبات في الحصول على تلك المصول نتيجةً لتراجع الدعم الطبي المقدم من المنظمات لمديرية الصحة، والذي ترافق مع زيادة في عدد الحالات القادمة من مخيمات النازحين العشوائية بشكل كبير، إذ أصبح أولئك النازحين القاطنين في الخيام وبين الأشجار على تماس مباشر مع تلك الآفات التي تبدأ بالتكاثر مع بداية فصل الصيف ” بحسب الدغيم.
تفتقر كثير من النقاط الطبية للمصول المضادة لذلك يتم نقل المريض الذي تعرض للدغة عقرب أو عضة أفعى لأقرب نقطة طبية لتقديم الإسعافات الأولية ثم يتم تحويله إلى أحد المشافي التي يتوفر فيها المصل.
ويقول محمد المنصور “أخصائي في الجراحة العامة” تتوارد إلى مشفى أرمناز الجراحي عدة حالات تعرضت للدغة عقرب أو عضة ثعبان حيث يتم تقيم الحالات من ناحية سميتها من عدمها، وذلك من خلال الأعراض الظاهرة على الشخص من إعياء واقياء وانخفاض في ضغط الدم وألم شديد مكان الإصابة وتسرع النبض وشحوب في الوجه.
وتابع المنصور إن أغلب الحالات التي وصلتنا لا تعتبر سامة، إلا أنها تتسبب بألم شديد في طرف الشخص الملدوغ، وفي مثل هذه الحالات يتم إعطاء المصاب مضادات للتحسس ويخضع للمراقبة لمدة يوم كامل، إضافة لفتح وريد وتزويد المصاب بالسيرومات والأدوية اللازمة والعمل على تحسين الضغط، أما بالنسبة للحالات السامة فيتم إحالتها إلى أحد المشافي التي يتوافر فيها الترياق.
وعن آلية مكافحة هذه الآفات يقول الطبيب البيطري عماد الخطيب، إن أنجع الطرق تكمن في استخدام المبيدات الحشرية فيما يخص العقارب، وأهما مادة الـ “سيفين”، والتي تخلط مع “بودرة” بواقع ثلاثة غرامات لكل مئة غرام، وترش حول الخيمة، ويصف الخطيب هذه المادة بـ “الآمنة”، وهي تقتل مختلف الحشرات إضافة للعقارب، كذلك ينصح باستخدام مادة القطران حول الخيمة، ووضعها في عبوات صغيرة على كل طرف فيها، وتحتاج كل خيمة إلى نحو خمسين سنتيمتراً من القطران، توزع في أرجاء المكان فتمنع اقتراب العقارب والأفاعي، لما يصدره القطران من رائحة منفرة لهذه الآفات، وهو حل “جيد”، بحسب وصفه، خاصة وأن القطران لا يتلف ولا يتعرض للتبخر بحرارة الشمس. ويبلغ سعر الكيلو غرام من القطران نحو ثلاث دولارات ونصف الدولار، ويكفي لأربعة خيام على أقل تقدير، بحسب الصيدلية الزراعية التي زرناها في مدينة الأتارب.
لكل فصل في المخيمات همومه، ومع ارتفاع درجات الحرارة في أشهر الصيف القادمة، يناشد السكان المنظمات الإنسانية بمساعدتهم لحماية أطفالهم من خلال تأمين المواد اللازمة لمكافحة العقارب والأفاعي، وهي أكلاف لا يستطيع سكان المخيمات توفيرها في ظل الواقع الاقتصادي السيء الذي يعيشونه. كذلك تزمين “المصول” للنقاط الطبية داخل هذه المخيمات، قبل تفاقم المشكلة وخسارتهم لأحد أبنائهم.