يجد بعض السكان في إدلب في “الطب العربي” أو البديل حلاً مجدياً للعديد من الشكايات المرضية، مع ارتفاع أجور المعاينات الطبية وقلة الموارد المالية.
مهنة متوارثة
ينتشر في مناطق المعارضة عشرات العاملين بالطب البديل ممن يعرفون بالطبيب العربي، وتشكل الأعشاب التي يجمعونها ركيزة عملهم، إذ يقومون بتركيب خلطات طبيعية لبعض الأمراض بناء على خبرة اكتسبوها من آبائهم وأجدادهم.
يعمل أحمد الشبيب في مجال طب الأعشاب منذ عشرين عاماً وقد ورث المهنة عن أبيه الذي نقلها عن جده، يقول الشبيب “إن جميع المستحضرات الطبية التي يستخدمها في علاج المرضى طبيعية، ويقوم بجمعها من أحراش الأرياف المجاورة، أو عن طريق شرائها من بعض المحال التجارية المختصة ببيع بعض أنواع الأعشاب”.
ويرى الشبيب “أن الطب البديل حقق نجاحاً في علاج كثير من الأمراض مثل الصدف، البهاق، الأكزيما، الدسك، مشاكل العقم، اللشمانيا، الشيب، تساقط الشعر، حب الشباب، الكولون، الشقيقة، ارتفاع ضغط الدم، الشحوم والكولسترول، الربو والحساسية “.
وعن طبيعة عمله يقول “الشبيب” “إن تشخيص المرض يكون بالعين المجرّدة دون استخدام أجهزة، أما فيما يتعلق ببعض الأمراض والكسور، فنطلب من المريض إحضار صورة شعاعية، ونستعين بالتقارير الطبية والتحاليل المخبرية، وذلك للاطمئنان على حالة المريض قبل إعطائه العلاج المناسب”.
خلطات طبيعية رخيصة
يقبل بعض الناس على شراء الخلطات العشبية والاعتماد عليها بعلاج بعض الأمراض بعد أن سمعوا روايات عن فعاليتها الجيدة لتكون بديلاً عن بعض الأدوية. يقول أكرم ملندي من سكان الأتارب “يعاني والدي من مشاكل في القلب، وأرهقتنا تكاليف الأدوية والعلاج لدى الأطباء، لذا نصحوني بزيارة طبيب أعشاب، حيث وصف لنا خلطةً بقيمة 1500 ليرة تتضمن الصفصاف، الزعرور، الزنجبيل، زيت بذور الكركم، فول الصويا، بذور العنب، الاستراجالوس، الأولموس، وورق الزيتون”.
وأضاف ملندي “استعمل والدي هذه الخلطة لمدة ثلاثة أشهر، كما استعمل أيضاً خلطة القرنفل مع العسل والخل، وتحسّن نبض قلبه بشكل جيد، وتراجعت نسبة الكوليسترول الضار لديه”.
بدوره قال طبيب الأعشاب أحمد الشبيب: “الجلطات من المشاكل الصحية الشائعة والتي تؤدي في أغلب الأحيان إلى الوفاة، لذلك من يعاني من نشوء الخثرات الدموية، أصف له خلطة الثوم مع قشر الليمون والزنجبيل الأخضر وزيت الزيتون، وتعطي تلك الخلطة مفعول الأسبيرين، ومن لديه مشاكل في السكر، أصف له خلطة تعتمد بشكل رئيسي على زيت بذر الكتان، فهي تساعد على تنظيم نسبة السكر في الدم”.
ومن الخلطات الشائعة أيضاً أكليل الجبل مع اليانسون والفرسك لعلاج الربو، وعشبة “القرنفل” لتسكين آلام الأسنان، والرمان المحلى بالعسل لعلاج الغثيان المتكرر، كما يستعمل البعض مغلي النعناع والكمون واليانسون لمشاكل المغص وبعض الالتهابات، أو “الزهورات” لتخفيف أوجاع الرئة والتحسس الصدري والرشح والزكام.
“طب الأعشاب” ملاذ قاطني المخيمات
وجد سكان المخيمات في طب الأعشاب أو “الطب العربي” حلاً مجدياً واقتصادياً لهم، نتيجة تدهور أوضاعهم الاقتصادية وقلة النقاط الطبية القادرة على تقديم خدماتها لهم.
لجأ رضوان الشعبان “من قاطني مخيم أطمة” للطب البديل بعد معاناة استمرت لأكثر من سنتين بسبب كسر أصاب قدمه بعد إصابته بشظية من صاروخٍ ألقته طائرة حربية على منزله.
يقول الشعبان: إنه دفع مبالغ كبيرة ثمن أدوية ومعايناتٍ للأطباء واعتمد على العلاج الفيزيائي لمدةٍ طويلة دون الوصول لنتيجة، ما اضطره لزيارة عيادة طبيب عربي في جبل الزاوية يلقب بـ “ابن أبو علي”، ويُعرف بمهارته وخبرته في تجبير كسور العظام المعقدة، معتمداً على طب الأعشاب والمواد الطبيعية بعيداً عن المواد الكيميائية، ولاحظ الشعبان تحسناً واضحاً في قدمه”.
من جهته قال أبو علاء الحوراني إنه يحمل شهادة في الهندسة الزراعية، وهو ما ساعده على العمل في مجال الطب العربي بعد أن لمس إقبالاً من الناس عليه، حيث لجأ إلى تركيا وتتلمذ على يد الطبيب المعروف اسماعيل حسين اليوسف، كما حصل على شهادة الطب العربي من جامعة “الفحيل” في الكويت، ومن ثم عاد بعد ذلك للعمل في مخيمات شمال إدلب.
وأضاف أبو علاء “أعمل في هذا المجال منذ أربع سنوات ضمن عيادة خاصة وعالجت العديد من حالات الأمراض السرطانية وأمراض العقم، ولديّ في العيادة مئات الأعشاب التي أقوم بجلبها من الجبال المجاورة للحدود التركية”.
درّب أبو علاء سيدات من الأرامل والعاطلات عن العمل على تلك المهنة، لمساعدتهن على إعالة أنفسهن وعائلاتهن واكتساب العلم والرزق، كما أن قسماً منهن لجأ إلى تركيا وبدأ بالعمل هناك بالطب العربي.
وأشار أبو علاء إلى وجود عدة صيدليات تبيع أدوية الأعشاب في مناطق المخيمات لكن العاملين بها لا يملكون شهادة صيدلة، مستغلين ضعف الرقابة الطبية لمزاولة أعمالهم.
مخاوف وأضرار
أعرب بعض السكان عن تخوفهم من التعامل مع طب الأعشاب، وفي هذا الإطار يرى الطبيب المختص بالأمراض الداخلية جابر محمد أن “الطب العربي لديه العديد من الفوائد، وأهمها قلة التأثيرات الجانبية للعلاج، حيث يتم استعمال مستحضرات طبيعية، ولكنه لا ينفع في علاج جميع الأمراض، وقد يكون ضاراً في حال استخدام جرعات زائدة وغير مدروسة من أدوية الأعشاب، والتي قد تؤدي إلى التسمم وتعريض حياة المريض إلى الخطر”.
ويقول “المحمد” يستحيل القول إن الطب البديل سيحل مكان الطب الحديث، فكثير من الأمراض يحتاج تشخيصها إلى دراسة علمية معمّقة وكشفٍ عبر الأجهزة المتطورة، فضلاً عن أهمية كثير من الأدوية الكيميائية التي تم تركيبها بعد تجارب علمية مدروسة، وبالتالي الطب العربي قد يكون حلاً جزئياً مؤقتاً وليس دائماً.
تقول أم حسان من سكان اعزاز: “يعاني زوجي من ألم شديدٍ في المعدة، اشتريت أكثر من مرة أدوية من الصيدلية إلا أنها كانت غالية الثمن وغير مجدية، فقررت شراء خلطةٍ طبيعيةٍ من أحد العطارين، والتي تضم أعشاب اليانسون والشمرا المطحونة”.
وأضافت أم حسان “بلغ ثمن خلطة المعدة 800 ليرة سورية فقط، بينما كنت أدفع أربعة آلاف ثمن علبة الدواء من الصيدلية، تحسن زوحي لفترة ومن ثم عاد الألم له مجدداً”، وذكرت أم حسان أن جارتها كانت تعاني من آلام وتشنجات في ساقها، فوصف لها طبيب أعشاب خلطة تحتوي على خل التفاح وقليل من العسل، لكنها تفاجأت بظهور تحسس وطفح جلدي على ساقها، ولم يختفِ الألم”.
ويشكو كثير من الناس المصابين بأمراض متعددة من قلة الأطباء الأخصائيين، لاسيما الاختصاصات النادرة كالعصبية والقلبية والصدرية، إضافةً لغلاء الأدوية والتي ارتفعت بنحو 30-40% مؤخراً.