بابتسامةٍ لطيفةٍ يستقبلنا محمد، بعد انتهائه من أداء عدة حركاتٍ بهلوانيةٍ، نالت إعجاب الحاضرين الذين أبدوا إعجابهم بمحمد الذي لم تمنعه إعاقته من ممارسة حياته بالشكل الذي يحب.
محمد العثمان، شاب عشريني من أبناء بلدة زردنا بريف إدلب الشمالي، مثالٌ حيٌّ عن قدرة الإنسان على تخطي المصاعب التي تعترضه حتى وإن تمثلت بفقد أحد الأطراف، في حال قرر ذلك وامتلك الإرادة إذ تتحول الإعاقة لشكلٍ آخر من أشكال النجاح والتميز.
فقد محمد ساقه اليمنى بعد بترها نتيجة إصابته بمرضٍ عضال، يومها كان في السابعة عشر من عمره، شعر محمد بداية الأمر بشيء من الإحباط والضعف، فبتر ساقه يعني دخوله في عالم “الإعاقة” وتحول مسار حياته بشكل كامل ناهيك عن حرمانه من ممارسة هوايته بلعب كرة القدم التي يعشقها، أو السباحة بشكل طبيعي كما كان يفعل رفقة أقرانه في مسبح البلدة.
لم يستسلم محمد لليأس وقرر أن يتغلب على واقعه، ويتعايش معه بكثير من الرضا والحمد، ليتحول الإحباط إلى عزيمة والضعف إلى قوة، مكنت محمد من العودة للحياة بشكل طبيعيٍ ليمارس نشاطاته بقوةٍ أكبر، وينضم لفريق كرة القدم شكله ذوو الاحتياجات الخاصة من المبتورين.
يقول محمد إن والدته كانت السند الأقوى في محنته، وساعدته بتشجيعها لينهض من جديد إذ زرعت برأسه أن “المستقبل الذي أمامه لا ينتظر الضعفاء”، كما كان لقريبه عبد الكريم الأخرس، مساهمة إيجابية في دفعه للتغلب على إعاقته وممارسة حياته كما الأصحاء، إن لم يتفوق على بعضهم أحياناً.
بتشجيع من الأهل، وبالاعتماد على زوج من العكازات الطبية، عاد محمد ليعيش حياته الطبيعية، ولم يسمح محمد لنظرات العطف التي كان يراها في عيون الناس أن تقتل طموحه يقول محمد: “كنت ألمح في عيون الناس نظرات الشفقة أثناء تنقلي على العكازين، لكن نظراتهم تلك لم تضعفني بل دفعتني للمضي قدماً والعمل على تحويل نظرتهم لإعجاب وفخر، وهذا ما نجحت في تحقيقه”.
إذا ما توجهت اليوم إلى بلدة زردنا، وعرجت في طريقك على (نادي الأمل الرياضي) فيها، فستشاهد محمد بين زملائه في الفريق، يمارس لعبة كرة القدم بصورة طبيعية، وينفذ تدريبات وتعليمات مدربه، (محمد شيخ الحدادين)، والذي كان له الفضل في شحذ همة محمد والأخذ بيده ليصبح لاعباً متميزاً ضمن الفريق، يصف محمد مدربه “بالمعلم والقائد وصاحب الفضل فيما وصل إليه من مهارة في اللعب”.
لم يتوقف حلم محمد عند حدود عودته ليمارس رياضته المفضلة فحسب، بل اكتشف مواهب جديدة لديه، ما كان له أن يعلم بوجودها لولا وضعه الصحي الحالي، فالعكازين لم يظلا وسيلة تنقل فقط، فمع إصرار محمد وعزيمته وبكثير من التدريب، تمكن محمد من تأدية مجموعة من الحركات البهلوانية التي تصعب على الأصحاء، كأن يرفع جسده بالكامل بشكل عامودي مستنداً على العكازين بكلتا يديه، ويسير خطوات وراسه نحو الأسفل محققاً توازناً وثباتاً لافتين.
الأمل والفرح لم يغادرا حياة محمد، وابتسامته تبدو في ملامحه وهو يسرد أحد المواقف الطريفة التي مر بها، فيقول: “نشب تحدّ بيني وبين أحد رفاقي الرياضيين الأصحاء جسدياً، وفي سباق جري لمسافة مئة متر، تمكنت من التغلب عليه ما شكل مفاجأةً له وللحاضرين”.
“الحياة لن تتوقف عند الإصابة ولا تسمح لليأس بالتسلل إليك” بهذه الكلمات توجه محمد لكل إنسانٍ مرّ أو يمر بحالة مشابهة لحاله، وطالبه بأن يحول تلك الإعاقة لحافزٍ يدفعه لمزيد من النجاح، ويشحذ همته أكثر ليكشف مكامن القوة لديه، وما عليه إلا أن يتحلى بالشجاعة والإصرار، ولا يستكين لإعاقته مهما كانت، ما دام ذهنه يعمل وفكره متقد، فالإعاقة كما يراها محمد: “إعاقة الفكر لا الجسد”.