شكلت الفنون بأنواعها المختلفة وسيلة للتعبير عن المواقف السياسية بصورة رمزية أو مباشرة، وخلال الثورة السورية ساهمت هذه الفنون من صور ولافتات جدارية في إيصال هذه الرسائل التي تسببت منذ الأيام الأولى في ملاحقة أصحابها واعتقالهم أو قتلهم، وأحدثت تصدعاً في جدار الخوف الذي عاشه السوريون خلال عقود طويلة، ونشأ بالتوازي مع هذه الأدوات ما يمكن تسميته بـ “فن الجداريات” التي نقلت أحداثاً معينة ووثقتها بالرسم على شكل لوحات فنية أو كاريكاتور ينقل معاناة السكان ونزوحهم، كذلك تضمينها مواقف من أحداث سياسية والسخرية منها في بعض الأحيان.
وسواء كانت هذه الجدران موجودة على أرض الواقع، كالرسم على جدران المنازل والساحات العامة والبيوت المهدمة، أو افتراضية على جدران وسائل التواصل الاجتماعي، فقد شكلت حالة من “التنفيس” والاندماج بالثورة تصدى لها عشرات الشبان، ممن تحولوا إلى “رسامين” بالفطرة، بعد تنمية مواهبهم بشكل فردي، مع غياب جهات راعية كذلك معاهد أو كليات مختصة لتطويرهم وتوجيه عملهم.
تقول سلام الحامض إحدى الفتيات اللواتي تفرغن للرسم، بعد عجزها عن إتمام دراستها الجامعية في علم الاجتماع نتيجة ملاحقتها من نظام الأسد، إنها عملت على تطوير موهبتها التي رافقتها منذ الطفولة لتنقل معاناة المدنيين ومواكبة أحداث الثورة، كذلك دعم بعض القطاعات الإنسانية.
وللرسم، بحسب الحامض، دور وصفته بـ “الهامّ” في الثورة، إذ تأتي هذه الأهمية من الرسائل القوية والحقائق التي يكشفها من خلال هذه اللوحات الفنية التي تصل بشكل أسرع، وتؤثر في المتلقي، خاصة مع تبسيط التعقيدات وإيصال المحتوى بسلاسة.
رسمت سلام عشرات اللوحات التي جسدت ألم السوريين ومعاناتهم مثل الاعتقال والتعذيب والتهجير والقصف، مستعملة الجدران تارة والقماش وورق “الكانسون”، ثم تقوم بنشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي على حسابها الشخصي والصفحات العامة.
من ناحية أخرى شكلت المنازل المدمرة وجدران المنشآت العامة، بيئة مناسبة لكثير من الرسامين، فنقشوا عليها رسومات تحاكي الواقع، وتوجه رسائل سياسية تخص قضية ما، في حين عمل بعضهم على استهداف الأطفال برسومات توعوية محببة عن التعليم والصحة..
تميز أيهم حج حسين (من مدينة سراقب) برسوماته التي جسد فيها الشخصيات الكرتونية المحببة للأطفال على المباني العامة.
يقول أيهم إنه اختار هذا النوع من الرسم لإدخال السعادة إلى قلوب الأطفال، بعيداً عن مشاهد القصف التي تنال من مخيلتهم وطفولتهم.
ويرى الحسين أن تزيين الجدران في المدارس والروضات برسومات ملونة تحاكي الأطفال وأحلامهم يسهم إلى حد كبير في سعادة الطفل ويمنحه الراحة النفسية التي يحتاجها لمتابعة تحصيله العلمي، وتحدّ من حالة الخوف التي رافقته خلال مشاهد الموت والدمار، هي أيضاً رسالة إلى العالم مفادها أن “أطفالنا أيضاً يستحقون الحياة”.
وإن كانت الرسومات قد أسهمت في نقل الصورة بشكل ما إلى جميع شعوب العالم، فإن الكاريكاتور يبقى “عرّاب” السخرية والانتقاد الذي يختصر بمشهد معين أو كلمات قليلة ما يمكن قوله، هو أيضاً يمنح المتلقي ذلك الشعور بـ “الابتسامة مع الرضا والتأييد”. يقول بلال الموسى (رسام كاريكاتور) إنه اختار هذا النوع من الفنون لما يحمله من بساطة وقدرة على إيصال الفكرة بشكل أوضح، ما يتيح لجميع فئات المجتمع فهمها بطريقة فكاهية أحياناً أو كوميدا سوداء في أحيان أخرى.
يخبرنا الموسى أن علاقة الكاريكاتور بالثورة علاقة وطيدة، وقد التزم منذ البداية بمواكبة أحداث الثورة، يقول إن “كل حدث تحول إلى رسم كاريكاتوري انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الجدران”.
وثقت الرسومات حياة السوريين ومفاصل ثورتهم ومعاناتهم وأيامهم، وتحولت بعض هذه الرسومات إلى ذاكرة يتلمسها الأهالي ويعبرون من خلالها عن حزنهم وفرحهم وغضبهم، يحفظونها في أرشيفهم ويعيدون تصديرها في كل مناسبة كوسيلة للاحتجاج في كل مناسبة.