نشرت مديرية مياه إدلب، في السادس من أيار الجاري، نداء استغاثة طالبت فيه المنظمات الإنسانية بالتحرك الفوري لتشغيل واحدة من محطات مياه تنقية الصرف الصحي بعد وصول تلك المياه الآسنة إلى سد كفروحين أحد السدود الترشيحية وتلويثه، محذرة من احتمالية تعرض مياه إدلب لكارثة حقيقية.
وللوقوف على مخاطر وصول الصرف الصحي إلى السد تتبعنا في هذا التقرير بعض الآراء حول هذه المخاطر، ومدى تأثيرها على المياه التي يشرب منها سكان مدينة إدلب، والحلول المقترحة.
من أين يحصل سكان إدلب على مياه الشرب
تعتمد مدينة إدلب في تغذيتها بمياه الشرب على مشروعي سيجر العرشاني (القديم والجديد) إضافة للآبار الارتوازية والسطحية الخاصة، وبحسب دراسة منشورة في موقع الجمهورية فإن “مشروع سيجر العرشاني أهم مصدر للمياه في المدينة، ويعمل حالياً بنسبة ٢٨٪ من طاقته، ويتم تشغيله عبر مولدات الديزل، ويضخ نحو ٢٨٠٠ متر مكعب في الساعة، وفي حال توقف المشروع يتم تشغيل مشروع سيجر القديم الذي يعمل حالياً بسعة تصل إلى ٣٠٠ متر مكعب في الساعة، وبطاقة إنتاجية تصل إلى ٥٠٪ من طاقة المشروع الكلية”، وبحسب الدراسة فإن مشروع سيجر يتغذى من عدة آبار ارتوازية في محيطه.
خطر الصرف الصحي على مياه إدلب
تلك الآبار والموارد المائية هي ما عنته مديرية المياه بمخاطر التلوث من الصرف الصحي القادم إليها، ولفهم ذلك تتبعنا مسارات تخلص إدلب من المياه الآسنة والتي تمر عبر مصبين: الأول يمر من شرق المدينة باتجاه قرية طعوم، حيث تتموضع هناك محطة المعالجة التي لم يكتمل إنشاؤها، في حين تجتمع مياه القسم الغربي من المدينة بمصب يبدأ من منطقة الكورنيش، ويستمر بجريانه حتى يصل سد كفروحين غرب إدلب، بغزارة تقارب ثلاثين متر مكعب بالساعة، بحسب مدير مياه إدلب محمد جمال ذيبان الذي قال إن نهاية خط الصرف الصحي تلتقي مع سد كفروحين الترشيحي، وهو سد يحجز مياه الأمطار التي تجري بين الوديان، لتغذية المياه السطحية والارتوازية.
وبسبب طبيعة الموقع والأرضية ذات النفادية العالية في سد كفروحين، فإنه يحجز كمية كبيرة من مياه الأمطار خلال الشتاء والتي تغور إلى طبقات الأرض خلال فصل الصيف، ما يساهم برفع مستوى المياه في الآبار الموجودة في المنطقة، إذ يتخوف القائمون على مشروع المياه من وصول مياه الصرف الصحي إلى الآبار الارتوازية خلال الأيام القادمة.
قلل المهندس الكيميائي أحمد درويش من هذه التخوفات، ويرى أنه من غير المتوقع أن يصل تلوث مياه السد إلى المياه الجوفية، إذ تعتمد مدينة إدلب في مياهها على آبار منطقة سيجر والتي تبعد قرابة ثلاثة كيلو مترات عن موقع السد، ما يعني أن مياه السد ستقطع مسافات طويلة في باطن الأرض قبل أن تصل للمياه الجوفية، وتلك المسافة كفيلة بتنقية المياه من جميع شوائبها، في حين يخشى من تلوث المياه السطحية أو الآبار القريبة من السد بشكل أكبر بكثير.
المهندس الكيميائي هنانو السلوم قال في دراسة حول خطر الصرف الصحي على المياه الجوفية إن الخطر الأكبر في عملية التلوث تتعرض له المياه السطحية نافياً إمكانية تلوث المياه الجوفية “البحرية”. ومهما ارتفعت نسبة التلوث فإنها ستهمل أمام نسبة مياه البحار وأمام عمليات الفلترة والتصفية التي تتم تحت سطح الأرض، على خلاف ما تتعرض له الآبار السطحية من تلوث ناجم عن المخلفات الصناعية والصرف الصحي والأسمدة وغيرها فانعدام الجريان تحت سطح الأرض، أو الجريان البسيط الذي لا يتجاوز 500 متر يمنع فلترة تلك المياه ذاتياً.
الدراسة ذاتها أظهرت من خلال مراقبة نوعية المياه في عدد من الآبار المحفورة بالقرب من مصبات الصرف الصحي أو الجور الفنية تغيراً في نوعية وجودة المياه حيث دخلت الكثير من الآبار في مرحلة الخطورة، وأمست غير صالحة للشرب.
التلوث ظاهر بالعين المجردة
بمعاينة موقع السد ومجرى مياه الصرف الصحي، تبين لنا غزارة في المياه الآسنة، إذ لم تصل تلك المياه لمشارف السد خلال السنوات السابقة وكانت تجف قبل وصولها إلى السد، يقول الذيبان إن سبب غزارة المياه هذا العام تأتي نتيجة الازدحام السكاني الكبير الذي تشهده المدينة بعد حركات النزوح الأخيرة. كما نلاحظ اكتساب مياه السد لوناً داكناً يميل إلى “اللون الأخضر”، وهو ما يدل على تسرب مياه الصرف الصحي إلى السد وتلويثها بالكامل. وهو ما حوله إلى “مستنقع” خطر للمياه الملوثة ونشر الأمراض في القرى والتجمعات السكنية القريبة منه.
حلول افتراضية
يقع السد في بطن واد عميق أرضه صخرية ما يجعله مكاناً مناسباً لتجمع المياه، ويمتد على مسافة تقارب 450 متراً. بني، في أضيق نقطة في عرضه والتي تبلغ نحو 120 متراً، حاجزاً اسمنتياً لصد المياه ومنعها من متابعة جريانها في الوديان.
يقول “الذيبان”: إن الحل الأمثل للمشكلة يكون في تشغيل محطة المعالجة الموجودة في المنطقة، إذ يعتبر تغيير مكان المصب من المشاريع المكلفة جداً من حيث تغيير الخطوط وإنشاء محطة ضخ، في حين يمكننا تشغيل محطة المعالجة بكلفة قد لا تتجاوز خمسين ألف دولار، وبعد نشرنا للمناشدة تواصلت معنا عدة منظمات للاطلاع على واقع الأمر.
ويرى الذيبان إن تنقية مياه الصرف الصحي أو إبعادها ستحول موقع السد لمسطح مائي يستفاد منه في تربية الأسماك وسقاية المزروعات القريبة منه.
تشكل المياه الجوفية 98% من مجموع المياه العذبة في العالم، يظهر منها إلى السطح 0.6% على الكرة الأرضية، تعتمد في مصادرها على مياه الأمطار التي يتبخر في سوريا ما يزيد عن 80% منها أو يرشح إلى الطبقات الداخلية والمياه المعدنية وماء الصهير والماء المقرون، ما يؤدي إلى انخفاض كمية الوارد من المياه الجوفية بنحو 5025 مليون متر مكعب، وتعتمد غالبية القرى الموجودة في المنطقة على الآبار السطحية، كمورد رئيس لمياه الشرب بالإضافة لاستعمالها في سقاية المزروعات، متوسط عمق تلك الآبار نحو 80 متراً ما يجعلها عرضة للتلوث، ويساهم بدوره بنقل العديد من الأمراض مثل الحمّى التيفية والتهاب الكبد وغيرها، مالم تتحرك المنظمات المحلية بشكل عاجل لتفعيل محطة المعالجة الموجودة في المنطقة..