تحضر فاطمة وجبة الفطور لهذا اليوم، وتتمتم بصوت منخفض “لم يمر علينا طوال حياتنا أقسى من رمضان الحالي”
بهذه الكلمات لخصت فاطمة طيفور من أهالي اعزاز معاناتها، وهي تقوم بتقطيع حبات الفول الأخضر لتحضير أكلة “مقلى الفول”، والتي باتت وجبة شائعة في مناطق المعارضة شمال سوريا خلال شهر رمضان، فالارتفاع الكبير الذي شهدته الأسواق، دفع أغلب السكان للتفتيش عن أكلاتٍ أقل كلفة، بينما استغنوا عن الأكلات الدسمة التي كانت تملأ موائد إفطارهم قبل سنوات.
الخضار هي الحل الأمثل في هذا الغلاء
تقول فاطمة طيفور لفوكس حلب “في الأيام العادية يمكن تحضير أي وجبة بسيطة للغداء، لكن في رمضان تحتاج العائلة لملء مائدة إفطارها بالوجبات الدسمة والمقبلات والعصائر والحلويات، ليستطيع الجسم استعادة طاقته بعد ساعات الصيام الطويلة، ولكن مع الارتفاع الكبير في الأسعار، أصبح إفطار أغلب الناس بسيطاً للغاية”.
إذ بلغ سعر كيلو الليمون 2000 ليرة سورية في أسواق إدلب، البندورة بـ 600 ليرة، الخيار بـ 400، البطاطا بـ 350، باقة البقدونس بـ 200، كيلو الخس بـ 150، لحم الغنم بـ 10-12 ألف، لحم العجل بـ 6-7 آلاف، لحم الدجاج ومشتقاته بـ 3 آلاف.
ومع هذا الارتفاع الكبير في الأسعار، عمدت السيدات في هذا الشهر، للتركيز على الأكلات التي تعتمد على “الخضار الربيعية”، كون أسعارها مقبولةً مقارنةً بباقي الأصناف، ويتربع الفول الأخضر والبازلاء والكوسا، على رأس المكونات التي دخلت في تحضير الكثير من وجبات الإفطار.
وحول أكثر الأكلات التي طغت على موائد رمضان الحالي، قالت أم أنس خربوط من سكان مدينة إدلب “مقلّى الفول من الأكلات الشائعة، فهي رخيصة الثمن ولذيذة الطعم، ولتحضير وجبة لعائلة من خمسة أشخاص، نحتاج 2 كيلو فول بـ 500 ليرة، يضاف إليها القليل من زيت الزيتون والكزبرة اليابسة أو الخضراء مع بعض فصوص الثوم، ويُؤكل بجانبها اللبن أو المخلل، وبالتالي لا تتجاوز تكلفتها 800 ليرة”.
ومن الأكلات متوسطة الثمن أيضاً “المقالي”، والتي تتضمن في الغالب، 2 كيلو بطاطا بـ 600 ليرة، كيلو كوسا بـ 250، كيلو باذنجان بـ 300، كيلو بصل بـ 200، وبالتالي تصل تكلفتها الى جانب المخلل أو اللبن لـ 1500 ليرة.
كما كان لطبق المجدرة حضوراً قوياً على موائد السوريين في رمضان، إذا تتراوح كلفتها ما بين 1500-2000 ليرة سورية ولتحضيرها نحتاج وفق ما ذكرت أم أنس، إلى كيلو برغل بـ 400 ليرة، كيلو عدس بـ 1200، نصف كيلو بصل بـ 100، وبالتالي تصل تكلفتها الى جانب الزيت والمخلل أو اللبن لـ 1800 ليرة.
أكلات تغيّرت مكوناتها
في المقابل عمدت بعض السيدات، إلى إدخال تعديلات كبيرة على بعض الأكلات المعروفة، للاستمرار بطبخها ومجاراة ارتفاع الأسعار، وقالت أم حسن شيخ علي من أهالي الأتارب “المحاشي من الأكلات الفاخرة والمحببة في رمضان، ولتحضيرها في ظل هذا الغلاء، قمت بإدخال بعض التعديلات عليها”.
وأضافت أم حسن لفوكس حلب “اشتريت ثلاثة كيلو كوسا بـ 750 ليرة، 2 كيلو باذنجان بـ 600، كيلو رز (مكسّر) بـ 500، في حين استغنيت عن اللحم للحشوة، واستعضت عنه بـ أوقية سمنة بـ 200 مع بعض العظام لإضفاء الدسم للأكلة، وبدلاً من البندورة لتحضير المرقة، استخدمت ربع كيلو دبس بندورة بـ 250، وبالتالي تصل تكلفة طبخة المحاشي لــ 2300 ليرة”.
طبق الأرز مع الفول أو الأرز مع البازلاء فضّلت كثير من السيدات تحضيره في رمضان لسعر المقبول وطعمه اللذيذ، ويتطلب اعداده 2 كيلو فول أو بازلاء بـ 500، وكيلو أرز بـ ألف، الى جانب أوقية لحم عجل بـ 1300 ليرة، وبالتالي تصل تكلفة الطبخة مع توابعها لـ 3 آلاف ليرة، إلا أن الغالبية أصبحوا يُحضروها بلا لحم لتصل تكلفتها لـ 1500 ليرة.
عشاق الكبب لم يحرموا أنفسهم منها في رمضان، لكن مع إدخال تعديلات عليها، والتي تحدثت عنها أم حسن قائلةً: “لنحصل على أكلة كبب رخيصة التكلفة، نحتاج 2 كيلو برغل بـ 800 ليرة، والقليل من السميد والخبز بـ 100 ليرة بدلاُ من الهبرة، وذلك للحفاظ على تماسك البرغل”.
أما اعداد الحشوة يحتاج نصف كيلو كباب دجاج بـ 1500 ليرة بدل لحم الغنم، ونصف كيلو بصل بـ 100، بينما نستغني عن المكسرات، بالإضافة الى نصف ليتر زيت نباتي بـ 500 لقلي الكبة، وبذلك نحصل على أكلة الكبة بتكلفة قدرها 3 آلاف ليرة، بينما تحضيرها بالطريقة المعروفة قد يُكلّف 12 ألف ليرة.
وتابعت أم حسن قائلةً: “لجأ البعض أيضاً لتحضير أكلة (لحمة بالصحن)، والتي استخدمت فيها كثير من ربات المنازل كباب دجاج بدلاً من لحم الغنم، إضافةً إلى 2 كيلو بطاطا وكيلو بصل، وتبلغ تكلفتها 3600 ليرة، إضافةً إلى أن هناك الكثير من الطبخات التي أدخلت فيها السيدات قطع صدر الدجاج، بدلاً من لحم الغنم الشقف أو الناعم كالشاكرية والبامية والفاصولياء، والبعض استبدل الأرز بالبرغل كونه أرخص”.
من أساسيات الى كماليات
اعتاد السوريون خلال شهر رمضان، تدعيم موائد إفطارهم، بالمقبلات والمشروبات المنوعة والحلويات، والتي كانت لا تقل أهميةً عن وجبة الإفطار، ولكن مع غلاء الأسعار تحوّلت تلك الأمور إلى كماليات.
وقال أكرم بلشة من سكان سلقين : “كنا معتادون سابقاً على شراء المعروك وبعض الحلويات، إضافةً إلى المشروبات الرمضانية، لكن مع الغلاء الفاحش استغنينا عنها، حيث أصبح سعر المعروك السادة 700 ليرة، والمحشو بالجبنة بألف، أما كيس العرقسوس أو التمر الهندي بـ 350-500 ليرة، إضافةً لعزوف الكثيرين عن تلك المشروبات والحلويات تخوفاً من النظافة العامة بسبب فيروس كورونا”.
وتابع أكرم قائلاً: “استغنت العديد من العوائل عن صحن الفتوش الذي كان أحد المقبلات الأساسية في رمضان، بسبب ارتفاع أسعار الخضروات”.
ويعتبر واقع قاطني المخيمات أكثر سوءاً، وتداول ناشطون قبل أيام صورةً لسحور إحدى العوائل المهجرة من الغوطة الشرقية ضمن أحد المخيمات بريف عفرين، ويتضمن السحور القليل من دبس البندورة مع أرغفة خبز غطاها العفن.
وقال أبو عبدو من قاطني مخيم نحن معاً بريف إدلب: “وضع سكان المخيمات مزر لدرجة أن البعض يبيع علب التمر التي توزعها المنظمات لشراء ربطة خبز، فيما يقتصر الإفطار على البرغل واللبن، البطاطا المسلوقة، الفول أو السلق بزيت”.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكلٍ كبير مؤخراً، مع التراجع الكبير في قيمة الليرة السورية التي بلغت 1450 مقابل الدولار في فترة من الفترات، إضافةً لزيادة الطلب على السلع في رمضان، وتخزين بعض التجار الخضروات والسلع الغذائية أو تهريبها إلى مناطق النظام.
هاني العبد الله