غنت المزارعات في حقول الأرز الأغنية الفلكلورية “ياحلوة مع السلامة” أو “البيلا تشاو” كصرخة حرية في وجه ملاك الأراضي الزراعية، قبل إن تصبح نشيداً للمقاومين ضد نظام موسوليني، الكلمات التي لا يعرف مؤلفها أصبحت شارة للمسلسل الشهير الذي عرف بـ “البوفيسور”، وتزامن عرض الجزء الرابع منه مع موجة كورونا التي اجتاحت البلاد، خاصة إيطاليا منذ شهرين والتي تصدرت قوائم الإصابات والوفيات، لتغدو الأغنية ركيزة أساسية يطلقها السكان في إيطاليا من شرفات منازلهم، ويرددونها بشكل جماعي، في رمزية للإعلان عن مقاومتهم للفايروس.
دخلت الأغاني في صلب حياة سكان العالم المتخوفين من انتشار الفايروس، وباتت أداة شهرة للكثير من المغنين والمطربين القدامى والجدد، واستعيرت لكلمات تناسب الحدث موسيقا لأغان عالمية شهيرة حورت كلماتها، وتنوعت موضوعاتها بين السخرية والوقاية والخوف والاطمئنان عن الأصدقاء والأحبة ورسائل للعشاق.
عشرات الأغاني حملت في طيات مفرداتها قصة الفايروس الجديد، وطرق الوقاية منه والتحذير من انتشاره، انتشرت عير وسائل التواصل الاجتماعي التي شكلت منصة هامة لشهرتها، أطلق بعضها من قبل الهواة الذين استفادوا من شهرة لحن معين لتحقيق وصول غير مسبوق ولم يكن متوقعاً من قبلهم، ربما لعبت المصادفة دوراً هاماً في ذلك، إذ لم تكن تلك الأغاني بداية سوى وسيلة للدعابة والمرح.
من فلسطين وفي أحد صالونات التجميل نشرت الشابة فيروز سلامة أغنية بكلمات بسيطة، استعارت فيها ألحان أغنية “قمرة ياقمرة” التي لحنها الأخوين رحباني، وطالبت الناس بالجلوس في المنزل واتباع وسائل الحماية الصحية. كانت الأغنية كنوع من المواساة لعروس تأجل فرحها بسبب كورونا، لتتفاجأ سلامة في اليوم التالي بالانتشار الكبير الذي حققته الأغنية.
كما انتشرت عدة أغاني استعان أصحابها بالأغنية المصرية “بنت الجيران” تلك الأغاني تنوعت في محتواها، وتنقلت في عدد من البلاد العربية “مصر، لبنان، الأردن، …” حيث غير صاحب الأغنية الكلمات بما يتوافق مع أوضاع بلده، على سبيل المثال انتقدت الأغنية الأردنية استغلال التجار للجائحة العالمية، وقلة الأقنعة الواقية والمعقمات. في حين، عمد المغني اللبناني “بلال نقوزي” لانتقاد الحكومة اللبنانية والسياسيين، وتمنى أن يبتعد الفيروس عن الشعب ويتوجه نحو سياسيي البلد فالشعب قد تعب من الآلام.
كما أظهر أحد مقاطع الفيديو أستاذاً لبنانياً، ينشر التوعية الصحية بين تلاميذه، عبر تعليمهم أغنية يقول فيها “صاير عنا في لبنان فايروس اسمه كورنا” استمد لحنها من أغنية “فطوم” التي غناها دريد لحام في أحد مسلسلاته، وأظهر الفيديو تفاعلاً كبيراً من قبل التلاميذ الذين شاركوا أستاذهم بغنائها بشكل جماعي.
في لبنان أيضاً تصادفك، أثناء بحثك، أغنية حوارية بين أب وابنه استمد لحنها من أغنية “الدلعونا” الشهيرة، قالا فيها “على دلعونا وعلى دلعونا إنصابت عيلتنا بفيروس كورونا” وتابعت الأغنية في وصف أخبار الفيروس و ذكر المناطق التي أعلن عن ظهور حالات الإصابة فيها، ولم يكتم صاحباها خوفهما من وصول الفيروس إليهما متمنيان الهرب بأسرع وقت خارج البلاد.
أما في سوريا فقد أطل مطرب شعبي على إحدى القنوات الرسمية ليطرح أغنيته الجديدة والتي عنونها “رح نخلص من كورونا” لكنه ضمنها شعارات المقاومة والممانعة التي اعتاد النظام على طرحها مؤكداً تحلي الشعب السوري بالمناعة وقدرته على مقاومة المرض الذي سيهزم أمام تلك الإرادة كما انهزمت المؤامرات الدولية التي أحاطت بسوريا، واللافت للنظر أن صاحب الأغنية شدد على ضرورة الالتزام بلبس الكمامة دون أن يرتديها هو أو مقدمة البرنامج أو أحد الحاضرين ضمن استديو قناة رسمية كانت تدعو للحجر الصحي.
كما كان لمناطق المعارضة شمال سوريا حضورها ضمن هذا المهرجان فخرج مجموعة من الشباب في إدلب بأغنية ساخرة، وصّف فيها الحاضرون معاناتهم ضمن الواقع الصحي الذي تعيشه المنطقة بعد سنوات من الحرب، من كلماتها “كورونا يا كورنا ما في داعي تزورونا، ما في عنا كمامات من عطسة رح تعدونا”. إلا أن الحديث عن الفايروس لم ينسهم حربهم، فضمنوا أغنيتهم كلمات الوعيد والتهديد لقوات الأسد.
الموسيقا العراقية كانت حاضرة أيضاً، إذ خرج المغني عمار العراقي بأغنية شعبية باسم “كورونا” حاول من خلالها، توعية الناس لضرورة العزل الصحي الذي يساهم بمنع انتشار المرض، وضرورة الالتزام بلبس “الكمامة”. بينما خرجت بعض الأغاني التي استعملت كورونا لانتقاد الواقع المعيشي في العراق مثل أغنية “ياكورونا” والتي وجهت انتقاداً للدعوات التي تم نشرها حول سبل الحماية من كورونا عبر القناع الطبي والقفازات الطبية، مستنكراً صاحبها كيفية اتباع تلك الخطوات إذا كان البلد يفتقر أساساً لتلك الأدوات، “ياكورونا كمامات ماعدنا”.
أما في مصر فقد كان للفنان هاني شاكر الحضور الأكبر من خلال إطلاق أغنية حملت عنوان “الجيش الأبيض”، وكانت الأغنية بمثابة بطاقة شكر للطواقم الطبية التي تتواجد في الصف الأول معرضة نفسها للعدوى في سبيل إتمام عملها الإنساني.
بينما نشر المطرب أحمد سعد أغنية على موقع يوتيوب محاولاً طمأنة الشعوب العربية بأن أزمة فيروس كورونا سوف تمر ونتغلب عليها دون خسائر، وطالب متابعيه بطرد الذعر والخوف من قلوبهم مع ضرورة اتباع التعليمات الطبية والحرص على الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي أطلقتها الصحة العالمية.
شكل دخول بعض الدول في مرحلة الحجر الصحي حافزاً لدى بعض المطربين لإطلاق بعض الأغاني التي تشجع الناس على الالتزام بالحجر الصحي رغم المعاناة التي قد يشعرون بها نتيجة هذا الحجر. ففي لبنان انتشرت أغنية “عم تخطر ببالي” للشابة شانتال بيطار والتي خاطبت فيها حبيبها محاولة الاطمئنان على أوضاعه والتزامه بالحجر الصحي. بينما خرج حمادة نشواتي بأغنية “الحجر الصحي” والتي أعلن فيها شوقه للفتاة التي يحبها وتذمره من الحجر الصحي لعدم تمكنه من رؤيتها.
حصدت هذه الأغاني وغيرها ملايين المشاهدات، وبدأت تنتقل كالفايروس بالعدوى للهواة والمطربين، وانقسم الناس بين مؤيد لطريقة الطرح والتوعية والإرشادات عن طريق الأغاني التي تخفف من التعليمات الطبية الجافة والقاسية، وسهولة وصولها إلى الأشخاص والأطفال بالذات، وبين من يرى في هذه الأغنيات وسيلة جديدة يعتمدها صناع السوشيال ميديا لحصد الإعجابات والشهرة، إلا أن ذلك لا يلغي ما تزرعه تلك الأغاني في نفوس السكان من ابتسامة، وما تقدمه من تسلية في ظروف الحجر الصحي الذي يعيشونه، كذلك بعض الفائدة للوقاية من انتشار الفايروس.