“هاتف محمول من نوع جيد، وتفرغ لبعض الوقت” كل ما يحتاجه العمل الجديد الذي لا يتطلب شهادات أو خبرة للحصول على دخل يصفه بعضهم بـ “الجيد”، في ظل الظروف التي يعيشونها من انعدام فرص العمل وندرة الحصول عليه، ليدخلوا أبواب “الربح عبر الانترنيت” من فتوى “الضرورات التي تبيح المحظورات”.
“تطبيق يلا شات” والذي يصنفه “غوغل بلاي” بغرف دردشة صوتية مجانية تشكل مجموعات حول العالم للتحدث والترفيه، وهو الأكثر شعبية في العالم، أحد تلك البرامج التي ينشدها الشباب في مناطق المعارضة السورية للحصول على مصدر دخل، إذ يطرح التطبيق عدداً من غرف الدردشة تمكن المستخدمين من استلام حزمة من الهدايا طوال فترة تواجدهم في الغرفة، تتضاعف يومياً بمجرد الاشتراك حتى اليوم السابع، لتدخل بعدها الجوائز بطريقة حساب أخرى تتعلق بعدد الحسابات وزيادة عدد المشتركين وقيام المشرفين على الغرف بتوزيع الهدايا، ويحتاج التطبيق لساعات يومياً من الوقت للحصول على أكبر قدر من الهدايا التي تتحول إلى “كوينزات” يتم بيعها للمراكز المختصة..
.يقول محمد العمر (أحد المشتركين في إدلب) إن “الهدف من جمع الهدايا هو تحصيل قيمة أكبر من “الكوينزات” والتي تعتبر شكلاً من أشكال العملة الافتراضية” ويضرب مثالاً “حصولك على يخت يعني حصولك على 600 “كوينز”، وحصولك على طائرة يعني 1200 “كوينز”، ليتم بيع ما تم جمعه من الكوينزات بمبالغ مالية بحسب الأسعار المعمول بها”.
يعمل مشرفو غرف الدردشة في البرنامج على توزيع الهدايا بشكل يومي وجماعي لكافة الأعضاء، أو بشكل خاص لأحد الأعضاء من خلال إجراء مسابقات داخل تلك الغرف لزيادة التفاعل حيث يحصل الفائزون في تلك المسابقات على هدايا خاصة. ما يضمن للمشرف بقاء المشتركين ضمن الغرفة واستدراج أعضاء جدد بهدف الحصول على أكبر عدد من المشتركين ما يخولهم الحصول على جوائز بشكل مستمر من قبل التطبيق ذاته.
وبحسب العاملين على ذلك التطبيق فإن فرصة الحصول على الهدايا ترتفع كلما زاد عدد الحسابات التي يتم إدخالها الى تلك الغرف، ما يزيد نسبة الحصول على المكافآت العائدة على كل حساب من تلك الحسابات.
تعمد بعض العائلات في إدلب، لشراء عدة أجهزة والعمل بشكل جماعي للوصول لمرابح أكبر، وذلك بحسب القدرة المادية المتاحة لكل أسرة، يتم تحميل البرامج الخاصة بالعمل في إحدى محلات الاتصالات بسعر 250 ليرة سورية للحساب الواحد، ما منح العاملين في مجال الاتصالات مورداً مادياً جديداً.
يقول أبو أحمد “صاحب محل اتصالات” إن تلك البرامج تحقق مرابح إضافية لمحال الاتصالات، فالكثير من الناس يرغب بتنصيب البرامج الخاصة بالكوينزات، ويجهل طريقة تفعيلها لذا نعمل على تثبيتها وإدخال المشترك إلى الغرف المطلوبة مقابل أجر مالي محدد، حيث شكلت تلك البرامج دخلاً مقبولاً يعوض عن المرابح التي كنا نتقاضاها من العمل بالاتصالات التي باتت تغيب عن المنطقة.
محمد البيوش (من ريف إدلب الجنوبي) قال لفوكس حلب إنه باع جزء من مصاغ زوجته لشراء ثلاثة هواتف محمولة وتحميل التطبيق عليها بعد نزوحه من مدينته وفقدانه لعمله، يخبرنا إنه يحقق دخلاً جيداً مكنه من تسديد إيجار منزله، إضافة لتأمين متطلبات العائلة اليومية، بينما وجد محمد الجعار (أحد المشتركين في التطبيق) في التطبيق فرصة لنشر فقرات تعليمية ضمن الغرف التي يشترك بها، ما يحقق فائدة للمشتركين ويزيد من فرصة حصوله على الهدايا التي قال إنها تصل يومياً لنحو “600 كوينز” يبيعها لأحد الوكلاء في المنطقة.
تتبعنا أحد الوكلاء للحصول على فهم حول آلية البيع، لنجد “اسماعيل البعبيش -وكيل للتطبيق” قال إنه يشتري الكوينزات من المستخدمين بمبلغ تقريبي يتراوح بين (3.4و 3.9 ليرة سورية للكوينزة الواحدة)، وينقلها إلى ما يسمى بـ “الحاضنات”، إذ يقوم الوكلاء بتحويل ما جمعوه إلى الوكلاء الرئيسيين في دول الخليج العربي لتباع هناك للمستخدمين.
يقول البعبيش إن هذه الكوينزات يقتصر استخدامها على التطبيق ذاته ولا يمكن استخدامها في تطبيقات أخرى، والفائدة من وجودها تكمن في الحصول على ميزات أخرى في برامج الدردشة كتمكين استخدام “المايك”، إضافة لاستخدامها في توزيع الهدايا على المشتركين.
لم يخبرنا البعبيش عن الفائدة من هذه الميزات، ولم نجد تعريفاً من قبل مطلقي التطبيق حول هذه القضية، إلا أن بعض وسائل التواصل الاجتماعي التي تناولت هذا الموضوع قالت إن هذه الميزات المرتبطة بزيادة عدد الكوينزات تؤهلهم لفتح محادثات دردشة مع النساء، سواء في الغرف العادية أو الساخنة “المرتبطة بالجنس”، وهو يفسر إقبال المراهقين على شرائها، بالرغم من أحاديث حول الرقابة التي يفرضها المشرفون على الغرف.
تتراوح أرباح المشتركين في هذا التطبيق في إدلب بين “ثلاثين إلى مئة ألف ليرة سورية” في الشهر الواحد، بحسب عدد الحسابات التي يستعملونها وعدد الهواتف التي يمتلكوها، ما يدفعهم للبحث عن طريق جديدة للدخول إلى البرنامج حين يتم إيقافه لسبب ما، رغم الشكوك والتحذيرات التي أطلقها عدد من رجال الدين لتحريمها، والفتاوى التي صدرت بحقها والتي اختلفت بحسب الشخص والآلية، إلا أنها اتفقت على وسمها بـ “الغش والخداع وضياع الوقت واستغلاله بطريقة سيئة، كذلك ما ينتج عنها من آثار حول الدخول إلى المواقع الجنسية والأضرار التي تسببها”.
الوهم واللاشيء هما السمتان الأبرز لهذه التجارة، إن صحت تسميتها، ومع غياب البدائل تغدو مواجهة آثارها أمراً بالغ الصعوبة، فكل ما يملكه من التقيناهم هو “الوقت”، واستغلاله بالطرق السليمة مرتبط بالدراسة وتأمين فرص العمل، وهما غير متاحين في الوقت الحالي لمئات الآلاف من الشبان الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بحسب أحمد الحسين (مرشد نفسي في إدلب) والذي قال إن هذه التطبيقات المنتشرة حول العالم تشكل تهديداً حقيقياً على الشباب، خاصة المراهقين، بما تسببه من إدمان وتقصير دراسي، إضافة للمعلومات الخاطئة التي يمكن استغلال هذه الغرف لنشرها.
حسن الحسين