للمسرح تعريفات عديدة تتقاطع جميعها بأنه شكل من أشكال التعبير عن المشاعر والأحاسيس والأفكار المختلفة، باستخدام فنّي الكلام والحركة والمؤثرات الخارجية، وهو لقاء مباشر بين الممثل والجمهور في وحدة مكانية لإيصال رسائل محددة.
وقد اصطلح على تحديد السابع والعشرين من آذار في كل عام كيوم عالمي للمسرح منذ العام ١٩٦٢، تقام فيه الأنشطة والاحتفالات الخاصة بهذه المناسبة التي جرى العرف أن يتم اختيار شخصية إبداعية ومسرحية لكتابة كلمة خاصة بهذه المناسبة تلقى في اليوم ذاته، ويتم تعميمها على جميع المؤسسات المسرحية في العالم.
في هذه المادة سنحاول البحث في حال المسرح السوري زمن الثورة، وهل استطاع القائمون عليه مواكبة أحداثها وإرسال رسائلهم لرواد المسرح عبر خشبته، ونقل أفكارهم وأحاسيسهم ومعاناتهم، وتجسيدها في أعمال مسرحية يمكن القول إنها كانت “مسرحاً في زمن الثورة”.
الشعب سبق الفنانين بمسرحة الحدث في ساحات التظاهر
يرى المخرج السوري “عروة مقداد” أن الناس في بداية الثورة سبقت المؤسسات والفنانين، بمسرحة الحدث السياسي والاجتماعي، حيث بدت ساحات التظاهر كأنها منصات للمسرح تصدح منها الأغاني الثورية بحركات تعبيرية ورقصات جماعية، وبـ ديكورات معينة، وهيئات مختلفة حسب طقوس كل مدينة بهدف إيصال أفكارهم واحتجاجاتهم، وهو ما وصفه المقداد بـ “جوهر المسرح” لكن بغياب الأسلوب المنظم الذي يحولها إلى عمل مسرحي موحد.
يذكر المقداد أمثلة عن هذه العروض الشعبية الذاتية، يقول ” في درعا كانت فرق من الرجال والنساء يتقابلون ويتبادلون الغناء والهتافات، كما أقيمت منصة أمام المسجد العمري بدرعا البلد، كانت مكاناً للشعر والغناء الجماعي، كذلك حملت منصة الساروت في حمص ملامح مسرحية كثيرة بأسلوب الغناء الثوري، والأمثلة كثيرة في معظم المحافظات السورية”.
يرى معظم من التقيناهم من مسرحيين أن الفن يحتاج إلى وقت ليعبر عن حاضنته، وهو ما لم يحدث في سوريا لغياب الفنانين والمسرحيين وعجزهم عن مواكبة الحدث فنياً، وانخراط من لحق بركب الثورة مع الشباب في الساحات دون تحضير أو تجهيز أعمال مسرحية، كذلك فقدان المكان، خاصة في سنوات الثورة الأولى، إذ لم تتوفر المعدات والمسارح إضافة للتشديد الأمني والقصف.
وعلى الرغم من تواجد أسماء مسرحية كبيرة انحازت للثورة أمثال الراحلتين فدوى سليمان ومي سكاف، إضافة لفارس الحلو وأمل عمران وغيرهم، لم تولد حركة مسرحية ثورية تلامس وتحاكي حياة السوريين المليئة بالتفاصيل وزخم الأحداث التي لم تترجم إلى فنون بصرية بالغالب، واقتصرت التجارب في الداخل السوري خلال السنوات الأولى على مسرح الهواة والأطفال، وفي العام الماضي شهدت مناطق ثورية عودة جزئية للعمل المسرحي من خلال فرق تشكلت في محافظة إدلب وريف حلب وقدمت عدداً من الأعمال المسرحية شهدت إقبالاً جيداً.
قبيل وخلال سنين الثورة
حاز الفكر المسرحي والمسرحيون حصة من الحرية التي ولدت زمن الثورة، لاسيما وأن المسرح السوري كان يهيمن عليه، بحسب من تحدثنا معهم، المسرح القومي (المكون من بعض أعضاء نقابة الفنانين) والمعهد العالي للفنون المسرحية، إذ كانت مسارح دمشق في الغالب حكراً على هاتين الجهتين، وفيها يحتضر فن المسرح، فلا مسرحيات تتابع من الجمهور، ولا نجاحات للمسرح السوري (الأقدم تاريخياً في الدول العربية) والذي كان الأب الروحي للمسارح العربية على يد “أبو خليل القباني”، في القرن التاسع عشر، في دمشق، وغالب العروض التي كانت تعرض قبيل الثورة بسنوات رمزية جداً، لا تفهم ولا تتابع، فيما كان المسرح الشعبي الأكثر اندفاعاً مسرحاً محارباً أو مهمشاً بانحصار المسرح على القومي وخريجي المعهد، على حد قول المسرحي حسين الغجر.
وبوجود المعهد العالي في دمشق ومركزية المسارح فيها تحول معظم العاملين أو الراغبين بخوض غمار المسرح إلى العاصمة، وهو ما ساهم في غياب التجارب المسرحية في المحافظات الأخرى.
أما التجارب المسرحية الخارجة عن بوتقة المسرح المقولب، كانت تنحصر على عروض مسرحية جامعية، قبيل الثورة، وعروض شعبية قليلة ونادرة في دمشق وحلب، تعمل بظروف صعبة وأدوات بسيطة، كعروض فرق حلب، وعروض الأخوين ملص التي استقلت بتجربتهما التي أسمياها (مسرح الغرفة).
في زمن الثورة تنفس المسرح الشعبي قليلاً، وجرت بعض العروض لفرق ومسرحيين في عدة أماكن، كما أوضح الغجر، والذي ذكر أنه جرت عروض مسرحية في مدينتي منبج والباب بعد خروجهما عن سيطرة النظام، منها عروض مسرح الدمى بمنبج عام 2014، كذلك في سراقب بعد أعوام، وبعض العروض في كل من الحسكة ودير الزور وإدلب، لم تلقى هذه التجارب اهتماماً من قبل الداعمين والمؤسسات الخارجية التي تعنى بالفن، أو حتى من الإدارة الثورية المدنية المتمثلة بالمجلس الوطني والائتلاف آنذاك، مما جعلها تبقى في حيز التجارب المسرحية التي تمنع “انقراض المسرح” لكنها لا تزدهر.
المسرح السوري في دول اللجوء
لجأ عدد من المسرحيين والفنانين السوريين إلى خارج البلاد، انتشروا في الدول العربية المجاورة ووصل قسم منهم إلى أوروبا وتركيا، ناهيك عن الشباب المهتمين بالمسرح، حاول بعضهم الاستمرار وأقيمت عدة عروض مسرحية، نذكر أمثلة منها ما عرضته أمل عمران رفقة شابين من مدينة دير الزور في تركيا عام ٢٠١٤، وما قدمه نوار بلبل في مخيم الزعتري بالأردن العام ذاته (مسرحية شكسبير مع الأطفال)، وعرض مسرحية “مولاي” في دول عديدة، كذلك قدمت عدة عروض لمسرحيين في أوروبا، منها العروض التي عرضت في ألمانيا وفرنسا، كعروض الفنان محمد آل رشي، ومنها عرض “وقائع مدينة لا نعرفها” التي عرضت العام الماضي، على خشبة مسرح “جون فيلار” ضمن مهرجان “ليتخونسفا غسيل” للفنون المسرحية في فرنسا، وبعض العروض الأخرى لمسرحيين غيره، وعروض المسرحي حسين غجر في فرنسا، كعرض “مجرد حقيقة” عن مجزرة الكيماوي، الذي عرض في العام 2015، بساحة ترو كاديرو القريبة من برج ايفل، وعرض “ضيوف الشتاء” مع مخرجة فرنسية، عن قصص سورية، اعتقال، سجون، براميل، عرض في العام 2016، وعرض آخر عن الكيماوي، بالاشتراك مي سكاف ومحمد ديب، عرض عام 2018، بساحة الجمهورية بفرنسا.
لم تجد هذه التجارب الاهتمام والدعم المادي والانتاجي الكافي، لذا لم يكن هناك إنتاج لمسرح الثورة، ما يتواجد هو أشخاص أو فرق قدموا تجارب مسرحية في ظل الواقع الصعب إلا أنها تستطع التعبير عن مأساة السوريين بعمق، إذ تؤطرها خطوط المزاج العالمي، وتوجهها الجهات الداعمة وتضعها ضمن خطوط ما يهم المسرح الغربي، أو ما يرونه عن قضيتنا وشعبنا والثورة السورية.
في يوم المسرح وصف الفنان عبد الحكيم قطيفان لنا واقع الفن في الثورة السورية بما فيه المسرحي، بـ “المأساوي للغاية”، إذ لم تولِ الجهات المسؤولة في المعارضة أي أهمية للفن، ولم تعِ دوره وأهميته، فكان تقصيرها كبيراً “حد الفشل” بحسب قوله.
وتعود قصة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح لسنة 1961 أثناء المؤتمر العالمي التاسع للمعهد الدولي للمسرح بمدينة “فيينا”، حيث تم اقتراح الفكرة من رئيس المعهد وتم تكليف المركز الفنلندي التابع للمعهد في العام الذي تلاه 1962 بتحديد يوم 27 آذار يوماً عالمياً للمسرح، وهو تاريخ افتتاح مسرح الأمم في موسم المسرح بمدينة باريس الفرنسية والذي كان يحمل اسم “سارة برنارد”.