فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الميليشيات الإيرانية تخنق جنوب حلب

عبدالكريم الثلجي

اتخذت الميليشيات الإيرانية من جبل عزّان قاعدة رئيسية لها في منطقة جنوب حلب، ويشرف الجبل على محافظة إدلب غرباً، ومنطقة السفيرة شرقاً ويتصل بجبل الحص جنوباً عبر سلسلة من الجبال الصغيرة، وتتواجد فيه قوات تابعة لحزب الله العراقي وحركة النجباء العراقية، ويحتوي على منصات صواريخ دفاع جوي وبعيدة المدى، بالإضافة لمرابض لراجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، وترتبط بهذه القاعدة عدة قرى محيطة بجبل عزان ويتخذ عناصر المليشيات منها أماكن للسكن وهي قرى عسان وتركان والوضيحي ورسم بكرو وتل شغيب ومجبل حريبل ومداجن البيفات .

تحرص إيران على عدم الظهور في المشهد السوري كقوة مشاركة على الأرض في ريف حلب الجنوبي، وتغيب عن الإعلام الرسمي لقوات النظام وإيران في المناطق التي تسيطر عليها فعلياً وترفع فيها رايات لميليشيات تابعة لها، فيما يبدو اتفاقاً غير معلن لمناطق نفوذها يتصدره اسمياً سيادة النظام السوري وتحتفظ به إيران كمناطق نفوذ لها تتمتع فيها بالحكم المطلق وإدارة المنطقة والتوسع في محيطها وإنشاء قواعد عسكرية لقواتها، ويدل على ذلك مؤشرات كثيرة من فيديوهات وصور، إضافة لأحاديث مسربة من قبل أهالي هذه المناطق، ونشر للتشيع بين صفوف أبناء هذه القرى والبلدات.

ريف حلب الجنوبي تحت السيطرة الإيرانية

تزامن توسع النفوذ الإيراني في ريف حلب الجنوبي مع الحملة العسكرية التي أطلقتها روسيا وقوات الأسد للسيطرة على عدة قرى في أرياف إدلب وحلب والغربي وحماه منذ نيسان ٢٠١٩، والتي ارتفعت حدتها منذ كانون الثاني الماضي، لتبدأ الميليشيات الإيرانية بقضم كامل ريف حلب الجنوبي الذي شهدت بلداته انهياراً سريعاً على كافة الجبهات، بما فيها بلدات العيس وتلتها الاستراتيجية وجزرايا وزمار وتل حديا وخلصة وزيتان والزربة وإيكاردا لتصل هذه القوات إلى الطريق الدولي دمشق -حلب.

رفع أعلام قوات الأسد في بلدة العيس -إنترنيت
رفع أعلام قوات الأسد في بلدة العيس -إنترنيت

المعارك في ريف حلب الجنوبي اقتصرت على مقاومة وصفت بـ “الضعيفة” تصدى لها بعض أبناء هذه القرى بسلاحهم الفردي، مع غياب واضح للأسلحة الثقيلة والعناصر المدربة التي تنتمي للفصائل التي كانت تسيطر على هذه القرى وانسحابها منها، يقول “أبو صطيف” أحد القادة الميدانيين في جنوب حلب أن أسباب الانهيار تعود لانشغال الفصائل بجبهات القتال الطويلة التي فتحتها روسيا وقوات النظام في إدلب وحلب ما حال دون وصول المؤازرات إلى ريف حلب الجنوبي، كذلك غياب التنسيق بين المقاتلين الموجودين فيهم لعدم وجود غرفة عمليات موحدة أو فصيل يضمهم، وهو ما سهل مهمة الميليشيات الإيرانية التي استطاعت احتلال ما تبقى من ريف حلب الجنوبي خلال ثلاثة أيام فقط.

الحرس الثوري الإيراني لم يغب عن معارك جنوب حلب

قاد الحرس الثوري الإيراني  العمليات العسكرية التي جرت في ريف حلب الجنوبي في 2015، وتمكن من السيطرة على مناطق واسعة منه، إلا أنه اصطدم بمقاومة عنيفة من قبل فصائل المعارضة، الأمر الذي أجبره على إيقاف عملياته والتفاوض على خروج سكان كفريا والفوعة من إدلب نحو مناطق النظام في حلب، وفي عام 2018 وسعت هذه الميليشيات نفوذها لتسيطر على 80% من جنوب حلب بعد فرض سيطرتها على  منطقتي جبل الحص وتل الضمان فيما عرف بـ “معارك شرق السكة”، وعملت على تمكين قواعدها وتحصين قواتها من خلال  تجهيز عدد من الثكنات ومخازن الأسلحة والذخائر المزودة بمنظومات دفاع جوية وصواريخ بعيدة المدى، كما عملت على تغيير مواقعها العسكرية بشكل متكرر لتفادي ضربات إسرائيلية محتملة، في ظل التهديدات والضربات الإسرائيلية المتكررة، التي استهدفت مواقع عسكرية إيرانية في سوريا، وخصوصاً بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في 30 يناير من هذا العام بغارة أمريكية قرب مطار بغداد في العراق .

بلدة العيس بريف حلب الجنوبي
بلدة العيس بريف حلب الجنوبي

وبعد تقدم قوات النظام على جبهات ريف إدلب الجنوبي، بدأت القوات الإيرانية المتواجدة في ثكناتها جنوب حلب بعملية عسكرية للسيطرة على الراشدين وخلصة وجزرايا والعيس وتحت أعلام قوات النظام، فلم تظهر أي رايات إيرانية في المعارك بالرغم من كثرة مقاتليها في الجبهات المتواجدة في ريف حلب، وبحسب الناشط الإعلامي فجر عرابي فإن هذه الميليشيات شاركت في المعركة منذ بدايتها في ريف حلب وخصوصاً حركة النجباء العراقية ولواء أبو الفضل العباس وقد ظهر ذلك في مقطع فيديو نشره موقع حركة النجباء العراقية  يظهر مقاتلاً يكتب على قذيفة  مدفعية “بالنيابة عن قاسم سليماني”، مشيراً إلى أن القذيفة استخدمت في قصف قرية خانطومان في ريف حلب الجنوبي  والتي سيطرت عليها حركة النجباء مطلع العام الحالي، لتسيطر بعدها على نحو ثلاثين قرية وبلدة جنوب حلب والذي أصبح بكامله تحت سيطرة القوات الإيرانية وبحضور اسمي لقوات النظام، كما نشرت وكالة الأناضول التركية منتصف شباط الماضي تقريراً يفيد بوصول نحو مئة جثة لمقاتلين تابعين للميليشيات الإيرانية كانوا قد قتلوا في معارك شمال غرب سوريا إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، فيما أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيوأن هناك قوات إيرانية تشارك مع قوات نظام الأسد في الانتهاكات الكبيرة في إدلب ما تسبب في نزوح آلاف المدنيين  .

جنوب حلب “مقاطعة إيرانية”

ترك للميليشيات الإيرانية حرية التصرف في المناطق التي سيطرت عليها في ريف حلب الجنوبي، يقول “عمر عليوي” أحد أبناء بلدة عبطين جنوب حلب، إن الميليشيات الإيرانية وبعد سيطرتها على جبل عزان ومحيطه في نهاية 2015 عملت على تمكين وجودها الشيعي من خلال بناء “الحسينيات” التي انتشرت في بلدة “الوضيحي”، كذلك سعت لضم عدد كثير من شباب المنطقة إلى الكتائب الشيعية بمغريات مادية ومعونات شهرية ومنحهم صلاحيات تفوق تلك المعطاة لقوات النظام، كما شهدت المنطقة حالات انتقامية من خلال حرق البيوت ونبش للقبور والتبول عليها من قبل شبيحة النظام والميلبيشيات الإيرانية، ناهيك عن أعمال السرقة والتعفيش التي أصبحت مهنة لدى هذه الميليشيات .

يتابع عليوي  إن الميليشيات لم تتوقف عند هذا الأمر بل قامت أيضاً بتمليك أراضي ومنازل لعناصر تابعين لها من جنسيات متعددة، وخصوصاً في مناطق “جميمة والحميدي ومحيط جبل عزان”، حيث يسكن هؤلاء العناصر مع عوائلهم في تلك المناطق .

أكد ذلك الناشط خالد أبوتميم، وهو نازح من جنوب حلب، والذي قال إن هذه الميليشيات تقوم عن طريق سماسرة  في ريف حلب بشراء أراض وأملاك بأسعار زهيدة، وباتوا يمتلكون مئات الهكتارات تتركز في غالبيتها في محيط مدينة حلب بالقرب من مطاري حلب الدولي ومطار النيرب العسكري والقرى الواقعة في محيط جبل عزان ومجبل حريبل، بينما يقتصر دور قوات النظام على دعم هذه الميشليشات بالسلاح الثقيل وتمنع قوات النظام من  تسيير أرتالها العسكرية جنوب حلب دون موافقة الميليشيات المسيطر الفعلي على المنطقة.

أهمية المواقع التي سيطرة عليها الميليشيات الإيرانية جنوب حلب

يتوسط ريف حلب الجنوبي ثلاث محافظات “حلب وحماة وإدلب”، ويضم أراض سهلية واسعة صالحة للزراعة تشرف على الطريق الدولي وتربط بين حلب وباقي المحافظات السورية.

اتخذت الميليشيات الإيرانية من جبل عزّان قاعدة رئيسية لها في منطقة جنوب حلب، ويشرف الجبل على محافظة إدلب غرباً، ومنطقة السفيرة شرقاً ويتصل بجبل الحص جنوباً عبر سلسلة من الجبال الصغيرة، وتتواجد فيه قوات تابعة لحزب الله العراقي وحركة النجباء العراقية، ويحتوي على منصات صواريخ دفاع جوي وبعيدة المدى، بالإضافة لمرابض لراجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، وترتبط بهذه القاعدة عدة قرى محيطة بجبل عزان ويتخذ عناصر المليشيات منها أماكن للسكن وهي قرى عسان وتركان والوضيحي ورسم بكرو وتل شغيب ومجبل حريبل ومداجن البيفات .

وتعتبر  بلدة “الحاضر” من أكبر المناطق بجنوب حلب من الناحية السكانية والتي سيطرت عليها الميليشيات الإيرانية في أواخر عام ٢٠١٥ بدعم جوي روسي، حيث يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثين ألف نسمة ، وظهر “قاسم سليماني”، في البلدة محمولاً على أكتاف عناصر مليشيا النجباء العراقية ، وتتخذ هذه الميليشات من تل الحاضر والمشفى والمنازل المحيطة بها مقراً لعناصرها  .

تل البكارة بريف حلب الجنوبي
تل البكارة بريف حلب الجنوبي

كما تسيطر قوات من الميليشات الإيرانية على تلتي ” البكارة والبنجيرة” جنوب بلدة الحاضر بالقرب من قرية كفر حداد، وهي من القواعد الاستراتيجية التي تشرف على مناطق واسعة من  سهل المطخ، يوجد فيها مرابض للدبابات والمدفعية الثقيلة وإلى الخلف منها في سهل “ذاذين” تتموضع راجمات صواريخ، ويوجد أيضاً في قرية “الحميدي” جنوب شرق بلدة الحاضر مرابض لراجمات الصواريخ.

بالاضافة لقاعدة “سد شغيدلة” شمال شرق بلدة الحاضر ب2كم،  وتعتبر موقعاً استراتيجياً للميليشيات وتعتبر من المناطق الحصينة التي تحتوي على عدة أبنية وأنفاق، كانت قد أعدت لمشروع ري منطقة ريف حلب الجنوبي، وتربط هذه القاعدة بين الحاضر وجبل عزان، وهي نقطة دفاع متقدمة عن القاعدة الإيرانية في جبل عزان من الجهة الجنوبية الغربية وفيها مدفعية ثقيلة وقواعد صواريخ حرارية ومدافع هاون وفوزديكا.

أما في “تل الأربعين”، وهو تل مرتفع يقع بين تجمع قرى “بردة وكفر عبيد وقريحة” ويشرف على سهل تل الضمان ومرتفعات جبل الحص الغربية، فتتواجد حركة النجباء العراقية التي ينتشر عناصرها أيضاً في جبل المنطار في منطقة الحص الذي  يحتوي على  منصات صواريخ دفاع جوي ومخازن أسلحة ومستودعات ذخيرة. وقد سيطرت هذه الميليشيات مؤخراً على بلدة “العيس” في مطلع شهر شباط من العام الحالي بينما اتخذ حزب الله اللبناني من تلة العيس مقراً له.

وتنتشر الميليشيات الإيرانية في مطار النيرب العسكري في حلب و مبنى التنمية الريفي في بنان الحص ومبنى الناحية في مدينة تل الضمان وقريتي ذاذين والحميدي. جنوب شرق بلدة الحاضر.

يزيد عدد الميليشيات التابعة لإيران في سوريا عن خمسين فصيلاً تضم نحو مئة ألف مسلح في صفوفها، ينتمون لدول العراق وأفغانستان وباكستان إضافة للسوريين الذين انتسبوا في صفوفها، ويشرف على تدريبهم خبراء عسكريون إيرانيون. تشارك هذه الميليشيات في المعارك العسكرية إلى جانب قوات النظام إلا أنها تتلقى أوامرها المباشرة من القيادة الإيرانية وتعمل على تنفيذ أجنداتها وحماية مصالحها في المنطقة، وينسب لها انتهاكات ومجازر بحق المدنيين في مناطق المعارضة.