استهدفت قوات الأسد، وبشكل مباشر، صباح اليوم الثلاثاء عدة مدارس بينها روضة أطفال في مدينة إدلب بقذائف مدفعية وصاروخية أودت بحياة أربعة مدنيين، طالبة وثلاثة من الكوادر التدريسية، وإصابة ثلاثة عشر آخرين، ضمن سياسة استهداف المرافق الخدمية التي انتهجتها طيلة السنوات الماضية، والتي ارتفعت وتيرتها خلال الأشهر الماضية.
بين إغلاق المدارس وعودتها
حرصت المدارس على استئناف سير العملية التعليمية منذ بداية شهر شباط الجاري، بعد نهاية عطلة منتصف العام الدراسي، بيد أن الحملة العسكرية المستمرة حالت دون استقرار الدوام في المدارس، ليعتبر بعض من التقيناهم أن استمرار العملية التعليمية في الظروف الحالية “مجازفة وخطراً على الطلبة والكوادر التدريسية”، خاصة مع اقتراب قوات النظام من مدينة إدلب، واستهدافها بالراجمات والمدفعية الثقيلة من المناطق التي احتلتها مؤخراً.
“لا يكاد يفتح باب المدرسة حتى يغلق” يقول بعض الأهالي الذين التقيناهم في إشارة لقرارات تعليق الدوام المدرسي واستئنافه، ويفضل بعضهم عدم إرسال أطفال إلى المدارس ريثما تهدأ الأوضاع على حد قولهم، بينما يجازف آخرون إذ يطغى على تفكيرهم مستقبل أولادهم، يقولون إن “الحياة ستستمر، وعليهم كسب مستقبل أبنائهم الذي يضيع في كل يوم”.
تتأرجح الآراء ومعها القرارات تبعاً للظروف الحالية بين ضياع مستقبل التلاميذ والحرص على سلامتهم، تخبرنا والدة أحد الطلبة أن جيلاً كاملاً في طريقه للضياع وقد حرم من أبسط حقوقه في التعلم.
النزوح يحرم الأطفال فرحة الجلاء
تقول المعلمة “نوال محمود” وهي إدارية في مدرسة خالد الشعار إن أكثر من نصف الطلبة في المدرسة قد نزحوا من المدينة، وتروي لنا كيف حرموا من فرحة “الجلاء المدرسي” الذي تم توزيعه يوم السبت الماضي وتكريم المتفوقين، تحدثنا عن “عيون الأطفال الفرحة” باستلام تحصيلهم العلمي ونتائجهم، والتي لا تقل عن عودتهم إلى مقاعد الدراسة، فيما تقول “أم تالا” وهي والدة أحد الأطفال الذين أجبروا على النزوح أن “لا فرحة للطالب تعادل الفرح بالنجاح”، وهو ما حرمت منها طفلتها التي غادرت مقاعد الدراسة.
وتضيف المحمود إن الكوادر التدريسية حريصة على التواجد يومياً، وتعمل على استئناف العملية التعليمية واستدراك النقص الحاصل في الحصص الدرسية، إلا أن سلامة التلاميذ يقع في سلم الأولويات، ما دفع مديرية التربية لترك تقدير الأمر لكل مجمع تربوي، حسب ما تقتضيه الظروف.
تعليق الدوام المدرسي
علق الدوام المدرسي للمرة الرابعة بعد استهداف المدارس صباح اليوم، بعد أن كانت المدارس قد بدأت بفتح أبوابها وفق نظام الطوارئ الذي أقره المجمع التربوي في المدينة والذي يقضي اختصار الدوام بثلاث حصص يومياً للمواد الرئيسية دون الأنشطة والمواد المكملة والاستراحات، تستمر لساعات ثلاث يومياً، غير أن استهداف عدة مدارس وسط المدينة حال دون المضي في الخطة، بحسب مصطفى حاج علي (مدير دائرة الإعلام بمديرية تربية إدلب).
كارثة تعليمية في باقي المناطق السورية بإدلب
وصف الحاج علي واقع القطاع التعليمي بـ “الكارثي”، حيث نزح نحو ٣٢٠ ألف طالب من مناطق متفرقة بأرياف إدلب الغربية والجنوبية والشرقية إلى المناطق التي كانت أكثر أمناً، ليخبرنا فيما بعد أنه لم تعد هناك مناطق أكثر أمنا فالكل مستهدف وتحت قصف ونيران طائرات ومدافع الأسد وحليفه الروسي.
وعليه فقد عملت مديرية التربية والتعليم على تشكيل لجان طارئة لاستيعاب هذه الأعداد النازحة، فجُعل نظام الدوام في المدارس لفترتين صباحية ومسائية، مع تكثيف الدوام لثلاث ساعات فقط.
وهناك بعض المدارس أصبحت مراكز للإيواء مع استمرار العملية التعليمية فيها، لذا تقوم اللجان بتواصل مع المجالس المحلية والمنظمات الإنسانية ليتم تأمين العائلات في مراكز أخرى لضمان متابعة تعليم بشكل أفضل، فيما تحولت أكثر من ٧٠ مدرسة إلى مراكز إيواء دائمة.
يقول الحاج علي إن نحو ١٣٠ مدرسة تعرضت للقصف في محافظة إدلب، وهذه الأرقام تتغير في كل يوم، بينما احتلت قوات النظام نحو ١٧٠ مدرسة أخرى تابعة للمجمعات التربوية في خان شيخون وكفرنبل ومعرة النعمان وريف إدلب الجنوبي، والتي تحولت بحسب قوله إلى مقرات “للشبيحة وثكنات عسكرية لقوات الأسد”.
ليس القصف وحده ما يوقف عجلة العملية التربوية في إدلب، بل يضاف إلى ذلك موجات النزوح وانقطاع الدعم، وهو ما سيجبر مئات الألاف من الطلبة على ترك مقاعد الدراسة وضياع مستقبلهم.
منيرة بالوش