زحمة أخبار الموت والنزوح وخسارة القرى والبلدات في الشمال السوري حالت دون تفكير أكثر الحالمين بالابتسامة، فكيف بالاحتفال في مناسبة لم تكن يوماً جزء من عادات أهل هذه المناطق، عيد الحب الذي يختلف على طقوسه كثر من الأشخاص، وكانت تدل على وجوده بعض محلات الورد والهدايا المزينة باللون الأحمر، وبعض الأكياس التي يخفيها الشبان جيداً تجنباً لتعرضهم للسخرية من أقرانهم، وكلمات معايدة يحفظها العشاق في هواتفهم المحمولة، أما الفتيات فكن يحلمن وغالباً ما يقتصر يومهن على الحلم.
على الفيس بوك تجنب معظم السوريين من هذه المناطق الدخول في المهاترات السنوية، حول أحقية هذا العيد من عدمه، فالظروف التي يعيشها السكان والتي رافقت عيد حبهم لهذا العام كانت أقسى من مجرد أن يتجرأ مقامر على الحديث عن عيد الحب، ربما فلتت من هنا وهناك وبالسرَ كلمات منمقة لزوجات وحبيبات، أو نساء حضرن في الخفاء “احتفالاً” بأدوات بسيطة، وأهم من ذلك كله بكتمان شديد، يمكن أن نطلق عليه “عيد حب صامت”.
تقول عبير وهي وافدة من غوطة دمشق تسكن في إدلب، إنها كانت تدخر جزء يسيراً من مصروف المنزل لهذه المناسبة التي اعتادت الاحتفال بها، بضع بالونات وشرائط حمراء وبعض المعجنات هو ما جهزته عبير لهذا العيد لتسعد زوجها، إلا أن الظروف حالت دون شرائها لأي هدية، تخبرنا عبير أنها أرادت أن تعيش يومها رفقة زوجها وطفليها بعيداً عن الألم الذي يسيطر على يومياتهم، فهي لن تسمح لصوت القصف والطائرات أن يقتل صوت السلام في قلبها.
في مخيم طيبة تقيم خلود الوافدة من ريف حماه ما تطلق عليه “اجتماعاً عائلياً” في هذا اليوم، تمتنع عن لفظة “احتفال أو عيد”، لتخفف عن نفسها ما تشاهده يومياً من مآسي جديدة تشبه ما عانته هي يوم تهجيرها، وتحرص على تزيين “كرفانتها” وهي عرفة في المخيم مصنوعة من ألواح الخشب والتوتياء بالورد الأحمر، تخبرنا أنها لا تعرف في ظل المعارك الدائرة متى تموت، وهي تريد ليومها هذا أن يزرع بعضاً من السعادة في قلوب زوجها وأطفالها.
الخوف من لفظ كلمة عيد الحب على وسائل التواصل الاجتماعي حرره سقوط طائرة مروحية لقوات النظام منذ ساعات في ريف حلب الغربي، كانت تلقي “براميل الموت” لا الحب على السكان الذين فقدوا كل شعور بالأمل خلال الأيام الماضية، غطى اللون الأحمر صفحات الفيس بوك، صممت صور لعيد حب على شكل قلب وسهم، كان السهم حرقة قلوب الأمهات والهدف مروحية اشتعلت بالنيران.