فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الآبار الرومانية تعيد الحياة لسكان ريف إدلب وتحيي معها ذكريات الحب القديمة

نور المحمد

يقول الحميد إن الكلفة العالية والحاجة الماسة لمياه الشرب دفعت المجلس المحلي لإعداد دراسة لتأهيل بئر علون، والتخفيف من مشكلة المياه ضمن مجموعة مشاريع أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية، والتي تعكف إلى توفير وظائف طارئة للناس المتأثرين بالنزاع، وذلك في إطار خطة لترميم الآبار الأثرية في المنطقة، إذ تم ترميم (36 ) بئراً رومانياً لتخزين مياه الشرب والري نفذتها منظمة إحسان في شهر تموز من عام 2016، واستمرت نحو ثلاثة أشهر.
تضمنت المشاريع تعزيل الآبار من الحجارة وترميم البناء، وفي حالة بئر علون تم تقسيمه إلى غرفتين وبناء سور خارجي، بالإضافة لتأمين نحو 120 فرصة عمل لشبان البلدة، وتم تسليم البئر إلى المجلس المحلي في البلدة لتخدم نخو 25 ألف شخصاً من السكان والوافدين إليها، وبسعر ليرة سورية واحدة لكل لتر من الماء.

 

بجوار قلعة “أبي سفيان” شمال بلدة البارة بجبل الزاوية (34 كلم جنوب إدلب) وضمن منطقة أثرية ضاربة في القدم، يقع بئر “علون” أو كما يطلق عليه الأهالي “جب علّون”، بما يمثله لأهالي القرية ومنذ القدم بمصدر مياه الشرب الوحيد لأهالي البلدة، ترتاده النساء من القرى المجاورة ليملأن جرار المياه.

المكان شهد عشرات قصص الحب والحكايات التي ارتبطت باسمه كذلك الأشعار والعتابا، قبل أن يهمل لصالح مشاريع مائية جديدة تكفي لحاجة السكان الذين ازدادت أعدادهم، ومع انقطاعها خلال السنوات الأخيرة عاد البئر ليأخذ مكانه وأهميته من جديد.

يقول مصطفى (59 عاماً) وهو من أبناء البلدة إن الأهالي عادوا لاستخدام مياه البئر من جديد، بعد توقف المشارع المائية في البلدة، خاصة لما تتمتع به مياهه من عذوبة ونقاء.

بئر روماني في قرية العراقية بسهل الروج -فوكس حلب
بئر روماني في قرية العراقية بسهل الروج -فوكس حلب

وترجح المصادر التاريخية أن تاريخ بناء البئر يعود للقرن الثاني للميلاد خلال الحقبة الرومانية، وما يزال يحافظ على مياهه حتى اللحظة، بحسب المهندس إبراهيم الحميد عضو المجلس المحلي في البلدة الذي قال إن عمق البئر يبلغ أربعة عشر متراً، يستخرج منه يومياً نحو عشرة صهاريج بسعة (24 برميلاً)، تزيد هذه الكمية في فصلي الشتاء والربيع، وتنقص منتصف الصيف، وتنبع مياهه من الجهة الشمالية الشرقية أسفل البئر لتخرج من الجهة الغربية وتتجمع في خزان صغير تبلغ مساحته أربعة أمتار بارتفاع يصل إلى قرابة المتر ونصف المتر.

في ثمانينات القرن الماضي لم تعد مياه البئر التي حوّلها الأهالي إلى خزان الماء الرئيسي لتوزيعها عبر شبكة مياه البلدة لنحو أربعة آلاف من السكان تكفي لتغطية الاحتياجات اليومية، وهو ما دفع مؤسسة المياه إلى تجهيز خزان مياه كبير وتنفيذ شبكة مياه موسعة لاستجرار المياه من ينابيع مياه “اللجّ” غرب البلدة عبر المضخات، ومنذ عام 2011 انقطعت مياه هذه الينابيع ليلجأ الأهالي إلى شراء المياه عبر الصهاريج وبمبالغ متفاوتة تتبع لأسعار الوقود في المنطقة، بحسب الحميد.

ويكمل حديثه بالقول إن الكلفة العالية والحاجة الماسة لمياه الشرب دفعت المجلس المحلي لإعداد دراسة لتأهيل بئر علون، والتخفيف من مشكلة المياه ضمن مجموعة مشاريع أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية، والتي تعكف إلى توفير وظائف طارئة للناس المتأثرين بالنزاع، وذلك في إطار خطة لترميم الآبار الأثرية في المنطقة، إذ تم ترميم (36 ) بئراً رومانياً لتخزين مياه الشرب والري نفذتها منظمة إحسان في شهر تموز من عام 2016، واستمرت نحو ثلاثة أشهر.

بئر علون في بلدة البارة بعد مشروع الترميم -فوكس حلب
بئر علون في بلدة البارة بعد مشروع الترميم -فوكس حلب

تضمنت المشاريع تعزيل الآبار من الحجارة وترميم البناء، وفي حالة بئر علون تم تقسيمه إلى غرفتين وبناء سور خارجي، بالإضافة لتأمين نحو 120 فرصة عمل لشبان البلدة، وتم تسليم البئر إلى المجلس المحلي في البلدة لتخدم نخو 25 ألف شخصاً من السكان والوافدين إليها، وبسعر ليرة سورية واحدة لكل لتر من الماء.

وبحسب ما قاله موقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على موقعه الرسمي إن مشروع الترميم ساهم في تخزين 150 متراً مكعباً من المياه في كل بئر، بكلفة 3000 دولار لكل منها، وتغذية 450 عائلة بمياه صالحة للشرب.

وحول تسمية البئر يقول أبو محمد ( 66 عاما) ويقطن البلدة منذ ولادته إن روايات كثيرة تخص هذه التسمية، منها أن علي بن أبي طالب مر بهذا المكان ووقف بفرسه فوق موقع البئر واكتشف في حينه أنه نبع ماء وشرب هو ومن معه، واسم علون مأخوذ من اسم علي، ورواية أخرى أكدت نفس السبب نظراً لوجود عدة أماكن أثرية بالقرب من البئر تسميتها مرتبطة بأسماء الصحابة، كشجرة الولي وهي شجرة ضخمة جداً ومعمرة نسبة للصحابي عبد الرحمن بن عوف والتي تتموضع بجانب مقامه في البلدة، وغرب بئر علون توجد قلعة معروفة باسم برج أبي سفيان وهو صخر بن حرب الأموي القرشي.

بئر روماني في دير لوزة -فوكس حلب
بئر روماني في دير لوزة -فوكس حلب

عبد الله حامد من ريف إدلب قال إن للآبار الرومانية قيمة تاريخية وأثرية كبيرة، ولا بد من الاستفادة منها وعدم تركها عرضة للإهمال، وهو ما كانت عليه قبل الترميم وإجراء الصيانة اللازمة، فضلاً عن كونها مصدراً مهماً من مصادر مياه الشرب لأهالي المنطقة.

لا يقتصر وجود الآبار الرومانية على بلدة البارة بل تواجدت منذ عصور في ناحية معرة مصرين شمال إدلب (8 كلم) وهو من أقدم المدن في الشمال السوري تعود إلى عصور ما قبل التاريخ و يزيد عمرها عن خمسة آلاف عام، ويطلق على البئر فيها اسم “المصنع” وهو خزان أرضي مبني من الحجارة التي تحتوي على مادة الزئبق يبلغ طوله (40 مترا ) وعرضه (15 مترا) م وارتفاعه (15) أيضا، والذي اعتمد معظم سكان الناحية حتى عهد الستينات عليه في تأمين مياه الشرب من مياه الأمطار المجمعة داخله، وتعد تلك الطريقة من أهم طرق حصاد المياه العذبة ويتم نقلها بجرار من الفخار للشرب والاستخدام المنزلي. ومنذ مطلع التسعينات تم دفن البئر بعد جفافه وتحول مكانه إلى أبنية ومحلا تجارية، بحسب ساهر الأحمد أحد أبناء البلدة.

بئر روماني في دير لوزرة -فوكس حلب
بئر روماني في دير لوزرة -فوكس حلب

أما في موقع دير لوزة الأثري والذي يقع جنوب “ناحية احسم” التي تبعد قرابة ثلاثة كيلو مترات عن المكان والذي اشتهر بمعالمه الأثريةً التي لازالت قائمةً حتى الآن والتي ضُمتها وزارة السياحة كأهم المواقع الأثرية في الشمال السوري بحسب موقع إدلب، فيوجد ستة آبار رومانية قديمة تعود لمئات السنين، ما تزال أسماؤها متداولة حتى الآن، أشهرها بئر الحصن وبئر التركمان والجيعة و القواميع، تتجمع كلها  بدائرة قطرها 200 متر يقصدها العرب الرحل ومربو المواشي المتنقلين بين الأراضي الجبلية القريبة من الآثار لسقاية الأغنام فقط، تعرضت تلك الآثار لقصف مباشر من الطائرات الحربية السورية في 29 أيار الماضي بالصواريخ الفراغية ما أدى لحدوث أضرار كبيرة ومسح أجزاء منها.

بئر روماني في ناحية إحسم -فوكس حلب
بئر روماني في ناحية إحسم -فوكس حلب

وتبقى الآبار الرومانية بين مهمل ومستثمر تحفة فنية يظهر فيها الإتقان والهندسة العمرانية لتأمين المياه والحفاظ عليها، سواء عبر سواقي الجمع أو عن طريق الينابيع، لتغدوا حلّا لعشرات الآلاف من السكان في ظل الظروف الحالية.