توزع هدى الخالد (وافدة من ريف إدلب الجنوبي) ما تستورده من بضائع على محلَات بيع المفرق في القرى والبلدات المجاورة لمدينة سرمدا، حيث حطَ بها المقام منذ سنوات، بعد أن قامت بتطوير عملها من محل صغير لبيع الألبسة إلى تجارة الجملة، بينما حققت أم أحمد دخلاً ثابتاً من مشروعها الصغير في بيع الألبان والأجبان، أخريات وجدن في المهن التي يتقنَها وسيلة لتحقيق تنمية مستدامة في ظل الظروف الاقتصادية التي يعشنها، كذلك خضعت بعض النساء لدورات تدريبية تقيمها المنظمات لتعلم مهنة أو لتطوير ما يمتلكنه من خبرات والاستفادة من الدعم المادي الصغير المقدم أو القروض الصغيرة للبدء بمشاريع متناهية في الصغر يطمحن لاستمراها وتطويرها.
تقول الخالد والتي فقدت زوجها في الثلاثين من عمرها إنها وجدت نفسها مسؤولة عن تربية أبنائها وإعالتهم، وإنها كانت أمام خيار البحث عن فرصة عمل أو القبول بمحاولات إقناعها بالزواج من أحد أقربائها بهدف تأمين معيشة أطفالها ومتطلباتهم التي تزداد في كل يوم، إلَا أنها اختارت العمل وتحمل المسؤولية.
تروي لنا الخالد كيف طورت عملها خلال السنوات الماضية، فمن مشروع صغير لبيع الألبسة النسائية والأطفال وبعض مستحضرات التجميل إلى “تجارة الجملة” تقول “كانت أكبر أمنياتي في البداية تحقيق ربح بسيط يؤمن لعائلتي احتياجاتها، في الدكان الصغير كانت الأرباح لا تتجاوز ١٠٪، أحياناً كنت أكتفي بـ ٥٪ لكسب الزبائن”.
بعد فترة من العمل الدؤوب زاد الطلب على البضائع التي أبيعها، وارتفعت نسبة الأرباح بعد أن عرفت خفايا الأسواق وطرق الحصول على البضائع، وصل الربح أحياناً لنحو ٩٠٪، تكمل الخالد التي بدأت بتطوير عملها وشراء أكثر من محل وصفته بـ “الكبير” في المنطقة لتقوم نفسها باستيراد البضائع من الورش والمعامل والدول المجاورة وتسويقها في القرى المجاورة.
تضيف هدى إن مشروع توزيع بضائع الجملة لا ينفصل عن مشروعها في بيع المفرق، لذلك قامت بتدريب أحد أبنائها على العمل، وبات مسؤولاً عن التوزيع عبر سيارة خاصة اشترتها لهذا الغرض، بينما تكمل هي عملها في استيراد البضائع والإشراف على ما تملكه من محلات، وضمان استمراها في ظل الصعوبات والمعوقات الكثيرة كالنزوح وارتفاع الأسعار وانهيار العملة.
تمرَ هدى اليوم على المخيمات لتهدي بعضاً من بضائعها للوافدين، تقول إن “الإرادة والعمل هما السببان الرئيسيان في نجاحها، وتشدد على الإصرار لتفادي العقبات ونظرة بعض الأشخاص لعمل المرأة ومحاولة التقليل من أهميته أو إعاقته”، لتنهي حديثها “النتائج هي الرد عليهم، وليس هناك وقت للرد على كلام من يريد لك الفشل”.
لم تتلقى هدى دعماً من أحد، عكس أم أحمد (من ريف إدلب الجنوبي) وهي واحدة من مستفيدات مشاريع منظمة “سداد” التنموية، تقول إنها
طورت من قدراتها بعد التحاقها بتدريبات “سداد” على صناعة الألبان والأجبان، والاستفادة من الدعم الذي قدمته، معتمدة على “شعبيتها” في القرية، بحسب وصفها، للبدء بمشروعها الصغير.
تشتري أم أحمد نحو مئتي كيلو غرام من الحليب يومياً وتقوم بصناعة الألبان والأجبان واللبنة، ووضعها في عبوات خاصة وبيعها للأشخاص والمحلات في القرية، كذلك تعمل في صناعة المؤن والمخللات والمربيات، وتصف ما تحققه من أرباح بـ “الجيد”، لتحقيق ما يمكن تأمين الحاجيات الأساسية لعائلتها.
وتعمل عدد من المنظمات على دعم دور المرأة وتطوير مهارتها لتمكينها من تحقيق تنمية مستدامة كـ “سداد وشفق والنساء الآن والرابطة النسائية ومزايا”، وغيرها من المنظمات التي تفتح الباب لتدريب النساء وتمكينهن في المجتمع.
يقول عبد الرحمن اليحيى المدير التنفيذي في منظمة سداد “إن هذه المشاريع جاءت لتطوير مهارات وقدرة المرأة ودعمها باتجاه يزيد من قدرتها على الاستقرار والتوازن لمواجهة المجتمع وتحدي الظروف “، إذ بلغ عدد النساء المستفيدات من مشاريع المنظمة على مرحلتين
350 امرأة في الأولى و415 في المرحلة الثانية.
تشجع ريمة الزين (وافدة من ريف حماة) وهي إحدى المستفيدات من تدريبات مزايا في الخياطة> على عمل المرأة ودعمها بالمشاريع التي تؤهلها للخوض في سوق العمل والاستفادة من التجارب السابقة وفسح المجال للأفكار الجديدة، كما ترى ان هذه التدريبات هي العامل الوحيد لتحقيق وتمكين المرأة.
تستحق مشاركة المرأة في ريادة الأعمال عناية خاصة، إذ تمثل النساء إمكانات غير مستغلة من أجل النمو والتغيير، وتقديم المساعدة والدعم الضروري لزيادة تطلعاتها في إنشاء المشروعات وتنميتها للتغلب على العقبات والحدَ من الفقر من خلال التنمية المستدامة.