فرحات أحمد – جابر عويد
تحمل أم موسى (60 عاماً) إبريقاً بلاستيكياً وترافق إحدى بناتها المصابة بمرض وراثي إلى مرحاض بجانب خيمتها، هو عبارة عن قطعة قماشية كبيرة معلقة بوتدين، لا سقف لها ولا جدران ولا مقعد، لتعود وتأخذ أخرى من بناتها الأربع، اللاتي حرمهن المرض من النطق، وأثقل حركتهن.
“وفدية” أم موسى من قرية الصيادي بريف معرة النعمان الشرقي، نزحت إلى مخيم “المنصور” قرب قرية البردغلي شمالي إدلب، برفقة بناتها الأربع وابن خامس من ذوي الاحتياجات الخاصة أيضاً، بعد أن تقدمت قوات النظام إلى المنطقة مطلع عام 2018، وسيطرت على عشرات القرى والبلدات هناك.
تقول أم موسى إن، النزوح ضاعف من مأساتها ومأساة بناتها، فالخيمة التي حصلت عليها لا تمنع عنهن مطر الشتاء ولا البرد، والطرقات غير معبدة، فمتى ما تساقط المطر أوحلت، وازدادت المعاناة مع الطين، ما يصعّب التنقل حتى بين الخيمة والمرحاض القماشي.
أضطر إلى حمل إحداهن إلى المرحاض أحياناً” تضيف أم موسى، وتشير إلى أنها لا تستطيع الغياب عنهن ولو للحظات، فقد يضعن منها، وإذا ابتعدن عن الخيمة لا يستطعن العودة، فأنا بينهن وبين أخيهن المريض أيضاً، ولا معيل لنا، ونعتمد في حاجياتنا على المساعدات المقدمة للنازحين.
وعن الخدمات المقدّمة، تقول أم موسى إنها، غير كافية، فبناتها بحاجة للعلاج والمستلزمات الخاصة وكل هذا غير متوفر، كما أن وجود كراسي لذوي الاحتياجات الخاصة، ومرحاض مجهّز قد يقلّل من معاناتها ومعاناة الفتيات، وهو أمر طالبت به عشرات المرات على حد قولها، لكن دون مجيب.
قصة أم موسى في النزوح لا تختلف كثيراً عن قصص غيرها من السوريين، غير أن ما زاد معاناتها وجود خمسة من ذوي الاحتياجات الخاصة برفقتها، تؤكّد أن القصف الذي دمّر منزلها في القرية أدى إلى هروب الفتيات الأربع، فسقطن في حفرة مجاورة لها، فأخرجتهن وبدأت مسيرة النزوح بحملهن بالتداور إلى قرية قريبة تدعى “الصقيعة”.
عبد الكريم أبو حمود مدير المخيم الذي تقطن فيه أم موسى يؤكد أن، الوضع مأساوي، فلا خيم مجهزة ولا طرقات ولا مراحيض خاصة، على الرغم من تكرار طلب ذلك من المنظمات الإنسانية، “لكن لا مجيب” على حد قوله.
ويشير “أبو حمود” إلى أن، عدد العائلات في المخيم الذي يديره يتجاوز الـ125، بينهم 13 شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، منهم ثماني إناث وخمسة ذكور.
أما سمية محمد شيحان (47 عاماً) من بلدة الشريعة بسهل الغاب في ريف حماة، فهي معيلة لأربعة أطفال، أكبرهم يبلغ 14 عاماً، قطعت إحدى ساقيها بقصف لقوات النظام، وفقدت الحركة في الثانية نتيجة لذات القصف، تقيم في مخيم “الصديق” قرب أطمة شمالي إدلب، اضطّرها الإهمال من قبل المنظمات إلى اختراع “زحّافة” تعينها على الحركة داخل خيمتها.
تقول سمية لم أخرج من الخيمة منذ أكثر من عام، بسبب عدم وجود كرسي متحرك، والأمراض التي تراكمت عليّ بسبب قلة الحركة، ومحيط خيمتي مليء بالحفر، وهذا ما يمنعني من الخروج أيضاً.
أصيبت سمية بطلقة من رشاش “دوشكا” لقوات النظام في حاجز “تل عثمان” شمال غربي حماة قبل سبع سنوات، عندما كانت ذاهبة لشراء “جوارب” و”بنزين” من مدينة حماة، كي تبيعها وتعيل أطفالها، ما أدي لقطع رجلها اليسرى على الفور، ونقلها إلى تركيا للعلاج.
“حاول الأطباء وصل الأوتار والأعصاب التي قطعت، لكن دون جدوى ففقدت الحركة وأصبحت مقعدة لا أستطيع الوقوف منذ ذلك اليوم، وفي الحملة التي شنّتها قوات النظام أخيراً على ريف حماة وبعد أن سيطرت على البلدة، نزحنا إلى ريف إدلب الشمالي، واستقرّ بنا الحال في هذا المخيم” تكمل سمية.
تؤكد سمية أن لجأت إلى العديد من الجهات التي تعنى بشؤون المخيمات، وأنها طالبت بكرسي متحرك ومرحاض مجهّز لذوي الاحتياجات الخاصة، لكنّها لم تجد إلا الوعود.
الوضع المأساوي الذي تعيشه بنات أم موسى وسمية لا يعكس إلا جزءاً بسيطاً من المعاناة التي تعاني منها السيدات من ذوي الاحتياجات الخاصة في المخيمات التي يقدّر عددها بالمئات، وتنتشر على الشريط الحدودي مع تركيا، ما بين منطقة عفرين بريف حلب، ودركوش شمال غربي إدلب.
تقدّر “وحدة تنسيق الدعم” التابعة للمعارضة في تقرير أصدرته في نوفمبر / تشرين الثاني الحالي عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في مخيمات محافظة إدلب بما يقارب 1783، لكن تبقى هذه الأرقام غير دقيقة بسبب صعوبة الوصول إلى جميع الحالات، والحظر الذي تفرضه “إدارة شؤون المخيمات” التابعة لـ”حكومة الإنقاذ” التي تعتبر الجناح السياسي لـ”هيئة تحرير الشام” على معظم تلك المخيمات.
تمَّ إنتاج هذه القصّة الحقوقيّة بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR وصندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطيّة.