فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

زيادة المساحات المزروعة بعلياً يفقد الشمال السوري أمنه الغذائي (القمح والبطاطا مثالاً)

فريق التحرير

يقدر المهندس الحسين خسارة المزارع في الهكتار الواحد من البطاطا في العام الماضي بنحو مليون ليرة سورية، إذ بيع الكيلو غرام بين (40-45 ليرة). ويرجع الحسين الخسارة وانخفاض السعر إلى زيادة المحصول وعدم استيعابه في السوق المحلية، وغياب الجهات الحكومية لتحديد الأسعار وتركها لسياسة العرض والطلب، خاصة وأن انقطاع الكهرباء أدى إلى توقف معظم “برادات التخزين عن العمل”، وهو ما دفع المزارعين لبيع محصولهم خوفاً من التلف.

 

تناقصت مساحة الأراضي الزراعية المروية خلال العام الحالي لصالح الزراعة البعلية، وذلك لأسباب تتعلق بتوافر مياه الري وزيادة كلفة المحروقات والمستلزمات الزراعية، وغياب آلية محددة لتسويق الإنتاج مع غياب القدرة على التصدير، وانخفاض دعم المنظمات.

نزوح أعداد كبيرة من سكان المناطق الزراعية بفعل الحملة العسكرية الأخيرة لقوات النظام على ريفي إدلب وحماه أدى إلى تخليهم عن مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية (معظمها مروية) لصعوبة الوصول إليها، وصلت إلى 170 ألف دونم في ريف حماه كانت تغطي 60% من حاجة السوق المحلي، بحسب غسان عبود (مدير زراعة حماه)، كذلك نحو 200 ألف دونم في أرياف إدلب، ناهيك عن الأراضي المتاخمة والتي هجرها سكانها بسبب قرب المعارك منها، والقصف المتواصل عليها.

 

100 ألف دونم في حماه تحتاج للدعم

يقول عبود إن نحو 100 ألف دونم من الأراضي الزراعية في ريف حماه (من قرية الحويجة جنوباً وحتى قرية القرقور شمالاً) تحتاج إلى الدعم بالمستلزمات الزراعية والري. فالمزارعون لا يملكون القدرة على تغطية تكاليفها مما قد يؤدي إلى تحولهم للزراعة البعلية، أو ترك أراضيهم تجنباً للخسارة، ويكمل العبود أن هذه الأراضي كانت تنتج آلافاً من أطنان القمح والبطاطا، وهما المحصولان الاستراتيجيان في المنطقة، إذ يعتبران المصدر الأهم لغذاء السكان، إضافة لجدواهما الاقتصادية بالنسبة للفلاحين. 

في إدلب الزراعة المروية خسارة للفلاح

يفسرّ المهندس علي الناجي أسباب تراجع الزراعة المروية بعدة أسباب أجملها بـ “قلة مياه مصادر الري بعد توقف عدد من مشاريع الضخ عبر نهر العاصي وارتفاع أسعار المحروقات، وغلاء شبكات الري، إضافة لزيادة كلفة الأراضي المروية عن البعلية سواء من الأسمدة أو البذار أو المستلزمات الأخرى كالفلاحة والمبيدات الحشرية، وضعف التسويق بسبب غياب المؤسسات الحكومية والاعتماد على قانون العرض والطلب الذي يتحكم به التجار، ما أدى إلى بيع المحاصيل بأسعار زهيدة في مواسمها”.

وبحسب المهندس عمر بدوي مدير الإرشاد الزراعي في محافظة إدلب فإن مساحة الأراضي الزراعية المستثمرة سابقاً في المحافظة تبلغ  35٨ألف هكتار، المروي منها نحو ٥٦ ألف هكتار للمحاصيل الزراعية و11 ألف هكتار من الأشجار المثمرة، بينما البعلية للمحاصيل الزراعية 144 ألف هكتاراً، ومثلها للأشجار المثمرة.

ويرى البدوي أن الزراعات المروية تسببت بخسارة للفلاح خلال الأعوام الماضية، ما أدى إلى عزوف قسم من المزارعين عن زراعتها والتحول إلى الزراعة البعلية بكلفة أقل، إذ يقدّر البدوي أن المواسم المروية لم تعد تغطي التكاليف، وفي أفضل الأحوال لا يتجاوز ربح المزارع 15% من قيمة الكلفة.

في ريف حلب تراجع طفيف للزراعات المروية والخسارة على حساب المزارع

يقول المهندس مجد حاج عمر (مدير تجمع التنسيق الزراعي في منطقة إيكاردا) إن الزراعة المروية تراجعت بنسبة 10% في أرياف حلب لصالح البعلية، خاصة وأن المزارع في المنطقة لا يعتمد على الري بشكل كامل، وإنما الري التكميلي بسبب الأمطار التي تغطي قسماً من حاجة الأرض للمياه، كذلك عدم نجاح الزراعة البعلية في المنطقة ما يضطر الفلاح إلى الري أيّاً كانت الكلفة.

المهندس حسن الحسن (مدير زراعة حلب التابعة للحكومة المؤقتة، وأعمالها متوقفة حالياً بعد سيطرة حكومة الإنقاذ على المنطقة) يخالف هذا الرأي، ويرى أن هناك تحولاً نحو الزراعة البعلية من قبل المزارعين، خاصة مع تعرض قسم كبير من معدات الآبار الجوفية للتلف “بسبب القصف”، أو السرقة، إضافة إلى الأسباب الأخرى التي تشترك بها المناطق السورية كافة من غلاء الوقود والأسمدة والمستلزمات الزراعية.

ويحدد الحسن السبب الرئيسي بغياب الإدارة الزراعية المتكاملة لتنسيق الجهود بين الأطراف الفاعلة (منظمات – مؤسسات حكومية)، وضعف التمويل لدى مديريات الزراعة لسدّ جزء من احتياجات المزارعين، وتعويضهم عن الخسارة، ودعم مشاريع الري والتسويق.

زراعة القمح في طريقها للانهيار

يقول المهندس البدوي إن زراعة القمح (المحصول الاستراتيجي الأهم في المنطقة) ستتعرض لـ “دمار كبير” إن لم تعدّل السياسة السعرية ويتم دعم المزارعين لإنتاجه. ويقدر البدوي مساحة الأراضي المزروعة بالقمح المروي في إدلب بـ 31424 هكتاراً، والبعلي بـ 36683 هكتاراً تنتجان وسطياً نحو 188697 طناً، أما في ريف حماه فتبلغ المساحات البعلية للقمح 10 آلاف هكتار، مقابل ألف هكتار مروي، في المناطق التي بقيت تحت سيطرة المعارضة، أما في ريفي حلب (الغربي والجنوبي) فيقدر المهندس الحسين مساحة الأراضي المروية بـ 7145 هكتاراً و5320 هكتاراً تنتج وسطياً 32 ألف طن و19950 طن على الترتيب، معظمها مروية.

الفارق بين القمح المروي والبعلي في الكلفة والإنتاج

تتباين كلفة زراعة القمح في المنطقة بحسب الأرض وحاجتها للمياه والبذار وأسعار الوقود والمبيدات والأسمدة، ويقدر المهندس عمر الراعي كلفة هكتار القمح المروي بـ 400 دولار، مقابل 280 دولاراً للبعلي في إدلب، في حين يرى المهندس البدوي أن الهكتار المخدم جيداً من القمح المروي يحتاج بين (700-750 دولاراً)، وفي حلب يقدر حاج عمر الكلفة بين (1000-1200 دولاراً) للهكتار المروي، و (600 دولاراً) للبعلي، أما المزارعون الذين التقيناهم فقدروا كلفة البعلي بنحو (80-100 دولار)، “غالباً لا تقدم الكميات اللازمة من الأسمدة والمبيدات، ولا يتم الالتزام بمتطلبات الدورة الزراعية من حراثة الأرض..”.

ويبلغ متوسط إنتاج الهكتار من القمح المروي بين (4-5 طن، قد تصل إلى 7 في بعض الأراضي) بينما متوسط إنتاج القمح البعلي (1-3 طن) بحسب عبد الرزاق طالب (مدير دائرة الزراعة بالزربة).

القمح أسعار مختلفة وخسارة الفلاح

يقول البدوي إن حكومة الإنقاذ حددت سعر كيلو غرام القمح في الموسم الماضي بـ (135 ليرة سورية للقمح القاسي و128 ليرة سورية للقمح الطري) يتم استلامها عبر المنافذ التي حددتها وزارة الاقتصاد، في حين حددت حكومة النظام السعر بـ 180 ليرة، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بـ 165 ليرة.

يرى البدوي أن هذا السعر “جائر”، وإن استمرت السياسة السعرية في الموسم القادم على هذا النحو مع غياب الدعم سيعزف المزارعون عن زراعة القمح إلى أصناف أخرى تحقق أرباحاً اقتصادية أفضل، ما سيؤدي إلى “دمار” في المحصول الاستراتيجي.

من جهته يقول الحاج عمر إن مؤسسة إكثار البذار استلمت القمح فقط من المزارعين الذين تعاقدت معهم، وتبلغ مساحة أراضيهم 250 هكتاراً فقط تم دعمها بالكلفة التشغيلية والبذار والأسمدة والري، يكمل العمر إنه لا توجد مؤسسات معتمدة أو صوامع حبوب لتخزين محاصيل القمح، وهو ما يؤثر على سعرها في الأسواق.

ويقول الحسين إن انقطاع الطرق بين المناطق ووجود المعابر الداخلية (بين مناطق النظام والمعارضة وقوات سوريا الديمقراطية، وبين مناطق المعارضة ذاتها)، كذلك الاستيراد عبر تركيا ومنع التصدير ساهم إلى حدّ كبير في زيادة الكلفة، وانخفاض سعر القمح.

مساعد المهندس عمر شحادة (رئيس المكتب الزراعي في الأتارب) يقول إن التجار هم المتحكم الرئيسي بالأسعار، لحاجة المزارعين لبيع منتجاتهم مباشرة بعد الحصاد لتغطية ديونهم، ولعدم وجود الأماكن المخصصة لتخزين المحصول خوفاً من الآفات والحشرات، وكذلك القصف والاستهداف على المنطقة، وبلغ سعر الكيلو غرام في الموسم الماضي بين (100-105 ليرة سورية).

ويضيف شحادة إن سعر بذار القمح يحدده التجار بنحو 200 ليرة، في حين يشترونه عند الموسم بالسعر السابق، وهو ما يشكل فارقاً كبيراً، خاصة وأن حكومة الإنقاذ تفرض رسماً إضافياً على المحاصيل وهو “الزكاة” والتي تبلغ نسبتها 20% من ثمن المحصول.

يقول شحادة إن عدداً كبيراً من المزارعين تخلّوا عن زراعة القمح المروي إلى البعلي، أو الزراعات البديلة، كما أن قسماً منها قام ببيع أرضه إلى أصحاب رؤوس الأموال لتحويلها إلى منشآت سكنية بعد نزوح قسم كبير من أهالي إدلب وحماه إلى المدينة.

يقول المهندس الطالب إن وزارة الاقتصاد في حكومة الإنقاذ حددت سعر القمح في العام 2019، بناء على دراسة تكاليف الإنتاج ووضع هامش ربحي للمزارعين، وهو ما أدى لوقف احتكار التجار للمزارعين، إلّا أن من التقيناهم من الفلاحين، يرون أن هذا السعر لا يتناسب مع الكلفة، ويؤدي إلى خسارة الفلاح، متسائلين عن الجهة التي قامت بدراسة الكلفة، بافتراض الإنتاج الأعظمي (3 طن للهكتار البعلي) سيكون ثمن المحصول 506 دولاراً، أي أقل من الكلفة في حلب بـ 94 دولاراً بحسب المهندس حاج عمر.

أما في المروي فيقول البدوي إنه وفي حال الإنتاج الأعظمي (5 طن للهكتار) سيكون ثمن المحصول 843 دولاراً، وبربح لا يتجاوز 93 دولاراً سنوياً في إدلب، وبخسارة تصل إلى 157 دولار في حلب بحسب الحاج عمر.

المزارعون يؤكدون

المزارع عبد الستار محمد ديب حلاق، من قرية الجينة بريف حلب، يقول إنه زرع في الموسم الماضي سبعة هكتارات من القمح لم تغط كلفتها، ما جعله يتحول إلى الزراعة البعلية وبمحاصيل أخرى غير القمح لهذا العام، بينما يقول أبو مصطفى أن زراعة القمح تناقصت في الجينة من 500 إلى 150 هكتاراً، ويتوقع في ظل الظروف الحالية أن تتراجع المساحات بشكل أكبر، فـ “زراعة القمح خاسرة للفلاح أياً كان الإنتاج”، إن لم يتم دعمها وتحسين أسعارها.

بينما تخلّى المزارع زياد حلاق عن زراعة أرضه نهائياً، يقول إنه “لا يمتلك مصاريف الزراعة في انتظار الخسارة آخر الموسم”.

البطاطا في المرتبة الثانية من الخسارة

يقدر المهندس الحسين خسارة المزارع في الهكتار الواحد من البطاطا في العام الماضي بنحو مليون ليرة سورية، إذ بيع الكيلو غرام بين (40-45 ليرة). ويرجع الحسين الخسارة وانخفاض السعر إلى زيادة المحصول وعدم استيعابه في السوق المحلية، وغياب الجهات الحكومية لتحديد الأسعار وتركها لسياسة العرض والطلب، خاصة وأن انقطاع الكهرباء أدى إلى توقف معظم “برادات التخزين عن العمل”، وهو ما دفع المزارعين لبيع محصولهم خوفاً من التلف.

يقول المزارع صالح السعيد إن سعر الطن من البطاطا لم يتجاوز 80 دولاراً، مقدراً كمية انتاج الهكتار وسطياً بـ (17 طن)، أي (1360 دولاراً) بينما تزيد كلفة زراعة الهكتار عن (3000 دولاراً).

ويضيف السعيد أن سعر طن البطاطا في العام السابق بلغ نحو (210 دولار)، وفي العام 2017 وصل إلى (240 دولاراً)، وذلك بسبب الطرق التي كانت مفتوحة تجاه المحافظات الأخرى، وإلى تركيا، إضافة لتفاوت سعر الدولار، وهو ما دفع التجار لشراء كافة الإنتاج، في حين شهد العام الحالي زيادة في المحصول وضعفاً في التصريف ما أدى إلى بيع المنتج للتجار في السوق المحلي، والذين سيطرحونه في الشتاء بأسعار مرتفعة.

التاجر أبو أحمد من مدينة أريحا قال إن كلفة التخزين الباهظة وغياب التصدير أدى إلى فرض السعر المنخفض في الأسواق، مؤكداً أن برادات التخزين تحتاج نحو ألف دولار شهرياً كمصاريف تشغيلية، وهو ما سيؤدي حتى في حال ارتفعت الأسعار إلى خسارتهم.

من الممكن أن نقارن كل المحاصيل المروية في الشمال السوري بالمثالين السابقين، بحسب المهندس الزراعي محمد الموسى، باستثناء بعض الأصناف العطرية والبهارية كـ “الكزبرة والكمون واليانسون والحبة السوداء”، إلّا أنها لا تحقق أمناً غذائياً مقابل القمح والبطاطا والخضراوات، ما سيؤدي إلى ارتفاع أثمان الأخيرة في الأعوام القادمة لتشكل عبئاً على السكان والمؤسسات الحكومية، وزيادة مساحة الأراضي البعلية بإنتاجها القليل الذي لن يكفي لسد الاحتياجات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أكثر من أربعة ملايين إنسان في المنطقة.