شهدت مناطق الشمال المحرر خلال الأسابيع الماضية ارتفاعاً كبيراً في أسعار المحروقات، ما أثار حالةً من الاستياء لدى السكان لاسيما مع دخول فصل الشتاء وزيادة الحاجة لمادة المازوت، لتزداد التساؤلات حول مدى مسؤولية شركة “وتد” عن أزمة المحروقات، كونها تحتكر عمليات الاستيراد والبيع في المناطق المحررة.
منذ سيطرة “هيئة تحرير الشام” على (معبر الغزاوية – دارة عزة) الذي يصل بين عفرين وإدلب، تأسست شركة “وتد” للبترول بداية عام 2018 من قبل بعض تجار المحروقات والمهندسين ومعظمهم من الشمال السوري، وتركز عملها في المناطق الحدودية ومدينة إدلب ومعرة مصرين وحارم ومناطق ريف حلب الغربي، والتي تعتبر تحت سيطرة “تحرير الشام”.
وتعاني المناطق المحررة من ارتفاع أسعار المحروقات، ووصل سعر ليتر المازوت الأوكراني المستورد إلى 555 ليرة سورية، والبنزين المستورد 565 ليرة، في حين وصل سعر أسطوانة الغاز إلى سبعة آلاف ليرة سورية.
أما أسعار المحروقات بالجملة: سعر برميل البنزين المستورد 119000 ليرة، برميل المازوت المستورد 117000 ليرة، مازوت محلي نوع (قرحة الرويس) 78000 ليرة، مازوت (زهرة رويس خفيف) 75000 ليرة، (زهرة رويس ثقيل) 73000 ليرة، (بقايا رميلان) 72500 ليرة، (عسلي فاتح) 68000 ليرة.
وقال المحلل الاقتصادي محمد بكور لفوكس حلب: إن “تراجع قيمة الليرة السورية والتي وصلت إلى 750 ليرة مقابل الدولار، انعكس سلباً على أسعار المحروقات المستوردة من تركيا، كما ارتفعت أسعار المحروقات المحلية القادمة من شرق الفرات، في ظل انقطاع الطرقات عقب بدء عملية نبع السلام في التاسع من تشرين الأول الماضي، ومما زاد الأمر سوء احتكار بعض التجار المرتبطين بشركة وتد للمحروقات، بالتزامن مع زيادة الطلب مع دخول فصل الشتاء”.
أزمة وقود تعصف بالمياه والكهرباء والتدفئة
ارتفاع أسعار المحروقات كان له تأثير كبير على السكان في المناطق المحررة، وقال أبو فهد من أهالي مدينة إدلب: “أصبح الواقع لا يطاق، كيف سيعيش الناس ويقضون هذا الشتاء لا أدري، ليتر المازوت وصل إلى 600-650 ليرة سورية في السوق السوداء فالتجار لا يلتزمون بأسعار شركة وتد”، مشيراً الى أن “تشغيل المدفأة في اليوم بات يُكلّف 3 آلاف ليرة سورية (5 ليتر)، كما أن أسعار الأمبيرات ارتفعت ووصل سعر الأمبير إلى 3 آلاف ليرة وتم تخفيض ساعات التشغيل في اليوم إلى 3 ساعات، ما يعني أن من يود تشغيل الأدوات الكهربائية يحتاج إلى 3 أمبيرات بتكلفة تصل إلى 9 آلاف ليرة شهرياً”.
وأضاف أبو فهد لفوكس حلب “ارتفعت أيضاً أسعار صهاريج المياه، حيث بات سعر ألف ليتر 1800 ليرة، بعد أن كان بـ ألف ليرة، إضافةً إلى زيادة أجور المواصلات، فمثلاً استئجار سيارة من أريحا إلى إدلب وصل لحدود 6 آلاف ليرة، بعد أن كان 3 آلاف”.
احتكار شركة “وتد” تجارة النفط في الشمال المحرر أثر أيضاً على التجار المحليين، حيث كان التاجر يشتري المحروقات بأسعارٍ مناسبة وبجودة عالية، ولكن بعد دخول الشركة للسوق، أُجبر التجار على شراء المادة بأسعار مرتفعة من (وتد) وبجودة سيئة مع أرباح ضئيلة جداً، وأحياناً يتعرضون للخسارة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، الأمر الذي أجبر معظم التجار المحليين لترك المهنة.
وقال أحد تجار المحروقات في سرمدا فضّل عدم ذكر اسمه: “قبل أكثر من عامين كانت أسعار المحروقات منتظمة ومقبولة، لكن عقب احتكار وتد بيع المحروقات منذ مطلع 2018 ارتفعت أسعارها، فكون وتد الجهة الوحيدة المخوّلة ببيع الوقود، فإنها تضع الأسعار التي تريدها لغياب أي منافس لها يخلق مضاربة في السوق، وهذا أثّر بشكل كبير على التجار والسكان في نفس الوقت”.
وأضاف “عندما تنقطع المحروقات عن الشمال المحرر، لا تقوم وتد بتعويض النقص الحاصل في الوقود للمحافظة على السعر كما هو، وإنما تقوم بتخزينه للحصول على أرباح ضخمة متذرعةً بارتفاع سعر الصرف، وحتى حين ينخفض سعر الدولار لا تقوم وتد بخفض الأسعار بحجة أنها اشترت المحروقات حين كان سعر الصرف مرتفعاً”.
لكن أحد مسؤولي شركة “وتد” أفاد لـ “وكالة إباء”، أن “حصرية استيراد المحروقات والغاز عند شركة (وتد) هو ما ساهم في ضبط السعر وتخفيضه وليس العكس، لأنه منع بعض ضعاف النفوس من التجار من احتكار المواد وبيعها بأسعار مرتفعة في السوق، كما كان الحال سابقاً، حيث كانت تعمل شبكة من التجار على رفع مقدار العروض المقدمة لمصدر المحروقات، مما يؤدي إلى التنافس بين التجار في إدلب على السعر الأعلى والذي سيدفعه المستهلك في النهاية، فكان حصر استيراد تلك المواد في شركة وتد فقط، عاملاً مهماً لمنع الاحتكار واستغلال حاجة الناس”.
كيف يحصل الشمال المحرر على المحروقات؟
تولت شركة “وتد” استيراد النفط الأوكراني من تركيا، إذ تقوم شركات خاصة باستيراد النفط وبيعه لـ “وتد” عن طريق معبر باب الهوى، حيث تم تخفيض الرسوم الجمركية إلى 3 دولار للطن الواحد بعد أن كان 10 دولاراً، إضافةَ لاحتكار “وتد” تجارة النفط القادم من شرقي الفرات، حيث يتولى تجار مرتبطين بها تهريب النفط الخام من حقول رميلان شرقي سوريا، باتجاه مدينة عين العرب ثم منبج فجرابلس إلى محافظة إدلب، لتقوم الشركة بتكريره ضمن حرّاقات بدائية.
افتتحت “وتد” سوقاً لبيع المازوت والبنزين الأوكراني في مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي في الخامس من كانون الثاني 2018، ويقع السوق شرقي سرمدا وتبلغ مساحته أكثر من كيلو متر مربع، إذ يقوم التجار والناس بشكل عام بالذهاب إليه بشكل يومي من أجل شراء الوقود بسعر الجملة.
وتقسم شركة “وتد” إلى أربعة أقسام، مهمة القسم الأول المسمّى محروقات وتد، استيراد المحروقات التي تشمل البنزين والمازوت من تركيا بالإضافة إلى المناطق الشرقية، فيما يقوم القسم الثاني للشركة بتحويل النفط الخام إلى مازوت وبنزين عبر محطات التكرير التابعة للشركة، التي تنتشر على طريق حزانو بريف إدلب الشمالي ومنطقة ملس بريف إدلب الغربي، حيث قامت ببناء المصافي من أجل تكرير النفط.
فيما يتضمن القسم الثالث مراكز للغاز تتوزع على ثلاثة مراكز: في منطقة أورم الكبرى بريف حلب، وخان شيخون بريف إدلب الجنوبي (سابقاً)، ومدينة إدلب، وتعتبر مهامه الأساسية استقبال شحنات الغاز وتنظيم توزيعه على المراكز، بينما يتضمن القسم الرابع للشركة سلسلة أسواق وتد التي شكلتها في مدينة سرمدا لضمان وصول المحروقات إلى الشمال السوري، خصوصاً بعد أن اعتمد الجانب التركي “وتد” كمسؤول حصري عن استيراد النفط الأوكراني وبيعه في المناطق المحررة.
هل تتعاون “وتد” مع النظام؟
عقب وقف قوات النظام إمداد المناطق المحررة بالغاز عبر معبر مورك في 13 آذار 2018، بدأت شركة “وتد” إدخال الغاز المنزلي إلى الشمال المحرر عبر معبر باب الهوى، ويتم نقل الصهاريج المحملة بالغاز إلى مصانع تعبئة تابعة لـ “وتد” في ريف إدلب، ومن ثم توزّعُ للمتعاقدين مع الشركة في مختلف قرى وبلدات إدلب وسهل الغاب وغربي حلب.
وبنفس الوقت تحدثت بعض المواقع الإعلامية أن شركة “وتد” قامت بتوريد الغاز بشكل سري إلى مناطق النظام، بعد أن عانى الأخير من أزمة غاز خانقة قبل عدة أشهر، وذلك عبر معبر العيس في ريف حلب الجنوبي، ومعبر مورك في ريف حماة الشمالي، وبأن “وتد” تقصّدت تسيير قوافل نقل الغاز ليلاً لمناطق النظام كي لا تثير الانتباه.
لكن “وتد” أكدت في بيان على صفحتها، عدم صحة الشائعات التي تتحدث عن تصدير الغاز إلى مناطق النظام عبر المعابر التي تسيطر عليها “تحرير الشام”، وطالبت من يُروّج لتلك الشائعات إثبات ذلك من خلال الصور أو الفيديوهات التي توثق خروج قوافل الشاحنات المحملة بالغاز باتجاه مناطق سيطرة النظام.
وتعمل شركة “وتد” ضمن المناطق التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”، وبالتالي ساد الحديث أن تلك الشركة تتبع لتحرير الشام، ولاسيما أن “وتد” تتولى إدخال المحروقات عبر معبر باب الهوى الذي تسيطرعليه الهيئة التي تتولى تسهيل عملية دخول الصهاريج من تركيا إلى المناطق المحررة.
لكن شركة “وتد” نفت عبر معرفاتها الرسمية ارتباطها بـ “هيئة تحرير الشام”، مشيرةً الى أنها شركة مدنية خاصة يديرها ناصر الشوى، وهي الوكيل الحصري لمادة البنزين والمازوت المستورد، والمعروف بالأوروبي، وتهتم بحركة المعابر وأسعار المحروقات بشكل عام فقط.