تستند أمل الحلاق “42 عاماً” على كتف أخيها محمد في ممر مركز علاج الأورام السرطانية بإدلب في انتظار الطبيب، تقول إنها بدأت رحلة العلاج منذ ستة أشهر، ووجدت في المركز الجديد ما يخفف من متاعب مرضها، إذ كان مرضى السرطان يضطرون للذهاب إلى تركيا أو مناطق النظام للعلاج، بما في هذه الرحلة من أكلاف ومشقة.
تجاوزت أمل مرحلة الجراحة واستئصال ورم الثدي، وهي تخضع الآن لتطبيق العلاج الكيماوي في المركز الذي يؤمن معظم الجرعات، تقول إنها أحياناً تشتري بعض الأنواع غير المتوافرة رغم ظروفها المالية السيئة.
لا تظهر في شوارع إدلب شعارات اللون الزهري المصاحبة لشهر تشرين الأول في معظم مواقع العالم، بعد اعتماده كشهر للتوعية بسرطان الثدي منذ العام 2006، كما تغيب الحملات الدولية والتوعوية بهذا المرض عن كافة الشمال السوري، حالها كحال مراكز العلاج، باستثناء المركز الوحيد الذي تأسس في الخامس من تشرين الثاني لعام 2018 في مشفى إدلب المركزي أو “المحافظة” كما يطلق عليه الأهالي، والذي يعدّ أول مركز طبي يعنى بعلاج الأورام السرطانية، تقصده الأهالي من كافة أنحاء إدلب وأرياف حماه وحلب.
يقدم المركز خدمات العلاج لنحو 150 مصاباً ومصابة شهرياً، بواقع 300 مراجعة، إذ أن المصابين يحتاجون لمراجعة المركز لأكثر من مرة شهرياً، يقول الطبيب “باسل الأتاسي” طبيب الدم والأورام المقيم في الولايات المتحدة والمشرف على المركز في الجمعية الطبية
“سامز” وهي الجهة الداعمة للمركز والتي ساهمت بشكل كبير في افتتاح المركز وتخديمه طبياً ولوجستياً، إن وجود المركز كان ضرورياً نتيجة تزايد أعداد المرضى في مناطق الشمال التي تعاني من صراعات الحروب ونقص في الخدمات الطبية، فالفكرة مطروحة منذ عام 2017، ونُفذت في الوقت الذي اكتمل فيه الكادر الطبي ووجد المكان المناسب للمركز في المدينة.
وبحسب الإحصائيات الدولية المتبعة في دول العالم فإن كل” 100 ألف” شخص، بحاجة لطبيب أورام واحد على الأقل يغطي احتياجاتهم المرضية، وهذا ما لا يتوفر لسكان المنطقة الذين تجاوزت أعدادهم أربعة ملايين شخص، إذ خلت من أي مركز علاج سابقاً، ما اضطرهم للسفر إلى تركيا أو مناطق النظام للعلاج وتحمل تكاليف السفر ومشقة الإقامة والبعد عن العائلة.
يقدم المركز استشارات طبية لكافة مرضى الأورام السرطانية بمختلف أنواعها بشكل مجاني، ويختص بتقديم العلاج شبه الكامل لنوعين من الأورام وهما سرطان الثدي عند النساء، وسرطان الدم والعقد اللمفاوية.
ويعتبر سرطان الثدي أكثر أنواع الأورام انتشاراً عند النساء ويمر بثلاث مراحل لعلاجه بدء من العلاج الجراحي والعلاج الهرموني، الذي تحتاجه أغلب أنواع سرطان الثدي ويكون عبارة عن حبوب فموية تؤخذ لفترة معينة قد تمتد من ثلاث لخمس سنوات أثناء العلاج، وهذا النوع الوحيد المتوفر بالمركز. أما العلاج المناعي الذي يحتاجه من 10 إلى 15 ٪ من المرضى فهو مكلف نوعاً ما ولا يتوفر بالمركز إضافة للعلاج الشعاعي أيضاً.
الطبيب ” أيهم أرمنازي طبيب الأورام ورئيس القسم في المركز قال لـ فوكس حلب إن أهم الأدوية المتوفرة بالمركز لعلاج سرطان الثدي هي على قسمين: أدوية حقن وريدي وتتضمن “دوكسوروبيسين، سيكلوفوسفاميد، دوستياكسيل، باكليتا كسيل” ومجموعة حبوب فموية
“تاموكسيفين، اناستروزول”، وهو العلاج الذي يتلقاه مرضى السرطان في كافة الدول لخضوعه لنفس البروتوكول العالمي.
كذلك يدعم المركز علاج سرطان الغدد الليمفاوية أو الليمفوما، ويعرف بأنه سرطان يصيب الخلايا الليمفاوية في الجهاز المناعي، ويمكن أن ينتقل إلى العقد اللمفية والطحال والغدة الزعترية ونخاع العظام وأجزاء أخرى من الجسم. وينقسم إلى نوعين رئيسين “اللاهودجكين والهودجكين ” كل منهما ينمو بمعدل مختلف ويستجيب بشكل مغاير للعلاج.
وتقدم في المركز الأدوية بشكل مجاني لسرطان الليمفوما، ويتوافر منها “ريتوكسيماب، فينكريستين، بريدنيزولون”، في حين يضطر المريض لشراء بعض الأنواع غير المتوافرة.
وتختلف أسعار هذه الجرعات بحسب مصدرها، وبعد تقصينا عن الأسعار، وجدنا أن متوسط سعر الجرعة (هندية المنشأ) يصل إلى 100 دولار، وهي أكثر الأنواع المتداولة لانخفاض سعرها، تليها التركية، بينما يصل سعر الجرعة (أوروبية المنشأ) إلى 300 دولار في السوق السوداء لانعدام الاستيراد بشكل نظامي، ويصل سعر بعض الأدوية المناعية إلى 500 دولار، وهي مبالغ كبيرة في ظل الحالة الاقتصادية التي يعيشها السكان.
وعن الأدوية المقدمة في المركز يقول الطبيب الأتاسي إنها تدخل عن طريق الجمعية الأمريكية السورية سامز بشكل نظامي، لتصل إلى الداخل السوري من المعابر الأوربية والتركية وفق البروتوكولات العالمية، وتخضع عمليات الشراء وتحضير الجرعات للرقابة، وهو ما يفسر تأخر بعض شحنات الدواء للوصول إلى المركز أحياناً، بسبب الأمور اللوجستية والنظامية التي تأخذ وقتاً كبيراً، وما إن تصل الأدوية لصيدلية المركز تحفظ بدرجات حرارة معينة لكل دواء.
يقتصر المركز على غرفتي استشفاء للمرضى، واحدة للنساء وأخرى للرجال، في كل منهما أربع أسرّة، إضافة إلى صيدلية مختصة ومخبر لتحاليل الدم باستثناء المستقبلات الهرمونية أو الواسمات السرطانية، ويقوم عليه ثلاثة أطباء مختصين بالأورام وممرضين وصيدلي.
يفتقر المركز لجهاز وطبيب أشعة، ويتم تحويل المرضى إلى المشفى الوطني التابع لمديرية الصحة بإدلب في حال الحاجة لصورة شعاعية أو إيكو بطن، كذلك صورة الطبقي المحوري.
تحدث الطبيب أيهم عن خطة توسعية لخدمات المركز في المستقبل القريب ستشمل سرطان القولون، بالإضافة إلى النوع الثاني من اللمفوما وهو اللاهودجكيني، كما سيتم توعية النساء بأهمية الخضوع لفحص سرطان الثدي المبكر عبر جهاز “الماموغراف” الموجود في المركز والتأكد من سلامتهن وتوجيههن عن طريق الفحص السريري، وتقديم النصائح والإرشادات اللازمة.
يسد المركز منذ افتتاحه في العام الماضي ثغرة كبيرة في علاج الأمراض السرطانية لكافة أهالي المنطقة، رغم الصعوبات الحاصلة وغياب الاستقرار والأمن وصعوبة إيصال الدواء ونقله للداخل السوري، بحسب الأتاسي، الذي أضاف أن العائق الأهم يكمن في عدم توفر العلاج الشعاعي وبعض الفحوصات الدموية ما يضطر القائمين عليه لإرسالها إلى مناطق أخرى، وهو ما يزيد من مخاطر تلفها.
منيرة بالوش