تتكدس آلاف القوالب الدائرية أسطوانية الشكل من مادة البيرين أمام معاصر الزيتون في إدلب لبيعها كوقود للتدفئة، بعد أن بات الحصول على الوقود (المازوت) يستدعي أكلافاً مادية عالية تفوق قدرة السكان، كذلك ارتفاع أسعار الحطب وما يرافق الفحم الحجري من أمراض تنفسية.
والبيرين هو لب حبة الزيتون بعد فصلها خلال عملية عصر الزيتون، وإخضاعها للمعالجة والتنشيف ليتم استخدامها كوقود للتدفئة، ازداد استخدامه في العامين الماضيين بعد أن كان يقتصر استخدامه في بعض المناطق كـ “عفرين” الغنية بالزيتون، أو لتدفئة المداجن والبيوت البلاستيكية، كذلك استخدامه بعد حرقه وتحويله إلى فحم “للنارجيلة” وفي بعض الأحيان كسماد عضوي.
يقول إبراهيم محمد (من ريف إدلب) إنه يعتمد على البيرين في التدفئة منذ ثلاث سنوات، ويصفه بـ “الأفضل بالنسبة لظروف السكان”، وليس الأكثر جودة بين أنواع الوقود، فبسعر طنّ واحد من الحطب الجيد (متوسط سعر الطن من الحطب الجيد 75ألف ليرة) أو برميل للمازوت (يصل سعر المكرر منه إلى 65 ألف ليرة) يمكن شراء “طنّين من البيرين” تكفي لكامل أيام الشتاء، إذ يقدر سعر الطن من البيرين بـ 40 ألف ليرة، نظراً لطول مدة احتراقه وتدفئته الجيدة.
يشتري السكان “البيرين” خلال الشهر الأخير من الصيف، تقول أم مصطفى إن أسعاره ترتفع مع بداية الشتاء وزيادة الطلب عليه، كذلك الأمر يتعلق بتجفيفه، إذ يعتبر البيرين الرطب بديلاً سيئاً للتدفئة بسبب رائحته الكريهة وصعوبة إشعاله.
وفرة أشجار الزيتون في إدلب ساهم في اعتماد السكان على البيرين الناتج عن مخلفات ثماره للتدفئة، كذلك افتقار المحافظة لمعامل الفرز التي كانت تهيئ زيت البيرين لصناعة الصابون، وهو ما ميز البيرين الحالي بسرعة الاشتعال والجودة العالية عن المفروز الذي تسحب منه الزيوت.
لا وجود لمعامل البيرين في المنطقة، إلّا أن أصحاب معاصر الزيتون وممتهني صناعته لجؤوا إلى استيراد المكابس من تركيا أو صناعتها محلياً، وعن آلية صناعته يقول محمود صطوف (صاحب واحدة من ورش صناعة البيرين في إدلب) إنه “يتم جمع بيرين الموسم ووضعه في أماكن مخصصة حتى الصيف، يكون عندها قد اختمر وجفّ تماماً، لتبدأ عملية كبسه من خلال آلات مخصصة على شكل قوالب اسطوانية بطول وعرض مخصص، تجمع هذه القوالب وتعرض لأشعة الشمس حتى تجف مرة أخرى ثم يتم تعبئتها بأكياس وعرضها للبيع”.
لا يحتاج البيرين إلى مدافئ خاصة، إذ بالإمكان استخدام جميع مدافئ الحطب المتوافرة، فلا فرق بين “هيكله وهيكل الحطب” بحسب أم مصطفى التي قالت إن الفارق الوحيد يكمن في الرائحة التي يصدرها والتي تزيد في حال تعرضه للأمطار والرطوبة، وتشبهها برائحة “العفونة الكريهة”، كما أن احتواءه على الزيوت يسهم في سرعة اشتعاله مقارنة بالحطب.
تعمل ورش البيرين خلال أشهر الصيف، لحاجته لأشعة الشمس القوية في التجفيف، وتوفر فرص عمل لكثير من أبناء المنطقة، إذ تحتاج كل ورشة نحو ثمانية عمال لتشغيلها، يتقاضون أجوراً “مناسبة” بحسب الصطوف.
يجترح سكان المنطقة حلولاً لمواجهة الشتاءات القاسية، كالتدفئة على ألبسة وأحذية البالة، والبلاستيك والكرتون، في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشونها، ويبقى البيرين أحد أفضل الحلول أمامهم، بأضرار صحية قليلة وكلفة مادية معقولة.
عبد الحميد حاج محمد