تتحمل النساء العبء الأكبر في حياة النزوح التي يعيشها سكان الشمال السوري، النسبة الأكبر من الوافدين هم من النساء والأطفال، زادت أعدادهم بكثرة خلال الحملة لعسكرية الأخيرة التي بدأتها قوات النظام وروسيا نهاية نيسان الماضي، ليجدوا أنفسهم في ظروف مأساوية لا تراعى فيها خصوصية النساء وطبيعة الحياة الاجتماعية في المنطقة.
تقول عفاف التي حطّ بها المقام في مخيم عبد الباسط الساروت بريف إدلب إن المخيمات، بشكل عام، تفتقر لكل ما يدعم المرأة التي تحتاج إلى الخصوصية والرعاية الطبية والنفسية والإنجابية (إن كانت متزوجة)، وتحتاج معظم النساء لقطع مسافات طويلة أقلها ثلاثة كيلو مترات للوصول إلى أقرب نقطة طبية أو قابلة نسائية، إضافة للحالات الخاصة من النساء اللواتي تعانين من الأمراض النسائية أو الحوامل وما يحتجنه من رعاية جيدة، جميع تلك الضرورات غير متوفرة تحت أشجار الزيتون أو في الخيام التي لا تقي حر الصيف أو برد الشتاء! على حد قولها.
تروي عفاف إنها قضت شهرين تحت شجر الزيتون في الصيف الحار بحثت العائلات عن ظل شجرة لاتقائه، تقول إن الأمان كان الغاية الأولى من نزوح السكان، إلّا أنه وبمرور الوقت بدأت أشياء أخرى تحتل سلم الأولويات، خاصة لدى النساء اللواتي صرن يبحثن عن مكان للاستحمام وتغيير الملابس.
تقول عفاف إن الأمهات اجترحن حلولاً للتعايش مع عدم تخديم المنطقة بالمرافق العامة، “كنا ننتظر الليل لتجتمع عدة نساء وفتيات يمسكن ببعض الأغطية ويصنعن منها ساتراً على شكل غرفة صغيرة للاستحمام وتبديل الملابس بالتناوب حتى ينتهي الجميع.
المكان المكشوف أجبر النساء على البقاء بكامل ثيابهن طيلة ساعات الليل والنهار مع غطاء الرأس، ساهم الصيف بتفاقم هذه المعاناة، تقول عفاف “كنا تكتفي بالصمت تجنباً للضجيج أو استباحة الخصوصية لأحاديثنا، ونبقى طوال النهار بوضعية الاستعداد دون أن نسمح لأجسادنا بالراحة أو التمدد”، تبقى النساء على هذه الحالة حتى الليل، ومع ساعات الفجر الأولى يعدن للروتين اليومي.
للنساء مهمة أخرى في المخيمات، وهي البحث عن عيدان الزيتون والأشواك اليابسة لإضرام النار في المواقد التي صنعنها من الأحجار والطين من أجل صناعة الطعام، تقول عفاف “سعيدة الحظ من كانت تجد قطعة خشبية تكفيها لإنهاء طهي الطعام لعائلتها”.
“لم نكن نشعر بالنظافة” تكمل عفاف، أجسادنا وطعامنا عرضة للغبار والتراب، بينما عانى أطفالنا من الأمراض نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه والخدمات.
“لا استقلالية ولا خصوصية في المكان الذي نعيش فيه” تقول أم عبد الله (الوافدة من مدينة اللطامنة إلى مخيمات أطمة)، فالأيام الأولى من نزوحها عادلت عندها كل ما مرّت به خلال السنوات الأخيرة من قصف ودمار وموت، تكمل أم عبد الله أنها ورفيقاتها في مخيم أطمه كنّ من “المرفهات” لوجود حمامات في المخيم الذي وصلن إليه، إلّا أن أقرب هذه الحمامات يبعد ما يزيد عن 500 متر عن الغرف البلاستيكية المتراصفة إلى جانب بعضها البعض بلون وقالب واحد، وهو ما كان يشعرهن بـ “الخجل” كلما أردن الذهاب إلى هناك، فالحمامات المشتركة قيّدت حرية النساء اللواتي أتين من بيئة اجتماعية محافظة، وزاد بعد المسافة والمرور بين الخيام من المصاعب أمام الأطفال أيضاً.
تقول أم عبد الله “لا يمكن الاحتفاظ بسرّ في المخيم مهما حاولت، فالكلمة التي تخرج يتداولها كل القاطنين فيه”، واصفة حياة المخيمات بـ “المتشابكة والمعقدة”، فكم من “حالات طلاق سببتها كلمة متداولة على الألسن في المخيمات؟” على حد قولها.
وتبقى العناية الصحية متصدرة قوائم الإهمال في حياة المخيمات التي مهما بلغ عدد سكانها تفتقر لوجود نقطة طبية ثابتة أو متنقلة، كما لا يوجد فيها أي كادر متدرب على الإسعافات الأولية أو القبالة النسائية.