وجدَ كثير من الشباب السوري الذي يسكن مناطق المعارضة في “التعلم عن بعد” طريقاً لإكمال تحصيلهم العلمي، بعد أن حالت الظروف الأمنية والعسكرية من متابعة دراستهم في المعاهد والجامعات الواقعة تحت حكم النظام، خوفاً من الاعتقال أو السوق إلى خدمة العلم ليلجؤوا إلى التعليم الافتراضي عن طريق منح تعليمية مجانية أو بحسومات كبيرة على الرسوم تصل أحياناً إلى 90% من قيمتها، أو عن طريق المنصات التعلمية التي راجت في الآونة الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
والمنصات التعليمية المفتوحة عبارة عن مواقع إنترنيت تتيح للمتعلمين دراسة مقررات تعليمية يطلق عليها (مساقات أو كورسات) وفق فترة زمنية محددة بساعات أسبوعية، ويمكن للمستفيدين منها الدراسة في أي وقت عبر محاضرات مرئية مسجلة مصحوبة بنظام التعليقات والدردشة والأسئلة بين المحاضر والمتعلم، أو بين المتعلمين أنفسهم، وتحتوي على اختبارات أسبوعية أو شهرية ونظام علامات، إضافة إلى نظام تقييمي للزملاء في بعض هذه المنظمات. وينتهي المساق بشهادة نجاح إلكترونية ترسل على إيميل المشترك أو يحصل عليها بشكل نسخة كرتونية بعد دفع الرسوم عبر البريد.
يقول تيسير محمد (أحد المهجرين من دمشق وطالب سابق في معهد شرعي) إن عدم إمكانية مواصلة التعليم في الجامعات والمعاهد سواء في مناطق النظام لأسباب أمنية أو حتى في مناطق المعارضة لأسباب اقتصادية تتمثل في بعد المكان وصعوبة التنقل والأكلاف المالية، إضافة إلى ضياع معظم أوراق الطلبة أو استحالة الحصول عليها من أماكن دراستهم القديمة بعد اشتراط الحضور الشخصي، زاد من توجه الطلبة نحو المنصات التعليمية التي غالباً ما تقدم منحاً مجانية للطلبة السوريين.
ويرى محمد أن إمكانية التسجيل في هذه المنصات بعيداً عن تعقيدات وصعوبات الالتحاق بالجامعات والمعاهد العامة، خاصة فيما يتعلق بموضوع الشهادات التعليمية والتي بات الحصول عليها دون الحضور الشخصي المشروط يتطلب دفع مبالغ كبيرة كرشى تتجاوز 600 دولاراً، ساهم في زيادة الطلب والالتحاق بها، كما أنها أي الكورسات عبر المنصات مفتوحة ومتاحة في أي وقت ومكان، بحسب ظروف المتعلم، مع قدرته على اختيار الكورس الذي يرغب بدراسته بعيداً عن تخصصه الجامعي الذي تفرضه معدلات شهادته الثانوية.
بعض المنصات تقدم المساقات عبر جامعات ذات شهرة عالمية ما يجعل من الدراسة فيها والحصول على شهادة إلكترونية ممهورة من تلك الجامعات، دافعاً قوياً لدى الشباب الراغب بإكمال تحصيه العلمي. تلك الشهادات أصبحت تستخدم ضمن السيرة الذاتية للطالب أثناء التقديم على فرصة عمل جديدة رغم محدودية الاعتراف بها، ويستطيع الطالب اتباع مساق كامل “عدة كورسات” في مجال واحد ما يعطيه نوعاً من التخصص الدراسي في هذا المجال.
بالمقابل يرى غيث محمد “مهجر إلى الشمال السوري” أن ما تقدمه المنصات من فرص دراسية للطلاب تحمل الكثير من السلبيات التي لا يمكن التغاضي عنها إذ تفتقد المنصات التعليمية إلى الجانب الاجتماعي “الإنساني” في العملية التعليمية، وضعف التفاعل المباشر مع المعلم، وغياب الدور الحقيقي له ما يؤثر على دافعية الطالب للتعلم وتراجعها مع الوقت تدريجياً في غالب الأحيان، كما أن المادة العلمية غالباً ما تعتبر ضعيفة وسطحية ولا تحمل القدر الكافي من المعلومات التفصيلية، وخفض مستوى الإبداع والابتكار خاصة في إجابات الامتحان، ومن أكثر نقاط الضعف التي تؤثر على مصداقية الشهادة أن الطالب قادر على إعادة الامتحان بشكل مباشر في حال فشل في تجاوزه عدة مرات بدون تغيير الأسئلة، وتلعب التقنية الحديثة الدور الأبرز في هذا النوع من التعلم ولا تزال ضعيفة نسبياً في سوريا كضعف الإنترنت والأجهزة المستخدمة غالباً هي الهواتف الذكية التي لا تساعد كثيرا في هذا الأمر.
لا يمكن الاعتماد على الشهادات المقدمة من المنصات بشكل رئيسي حيث أنها لا تحمل اعترافاً، وكثير من المنظمات باتت ترفضها، إضافة إلى الآن المجدين في هذا النوع من التعليم قد يحصلون على عدة شهادات في مساقات مختلفة شهرياً ما يجعل إمكانية تصديقها ضعيفة لكثرتها وتعدد اختصاصاتها، كما أن ثقافة التعليم الذاتي ما تزال ضعيفة في مجتمعاتنا ولم تتجاوز التقيد بالنظام التقليدي، يكمل غيث.
يتداول الشباب السوري قضية المنصات المفتوحة فيما بينهم، وغالباً ما تمثل الهالة وأسماء الجامعات الكبيرة المحيطة بهذه المنصات إغراء للتسجيل في صفوفها، لسان حالهم يقول “يالله المهم شهادة أحسن من بلا”، عسى أن يتم الاستفادة منها أو قبولها في واحدة من فرص العمل النادرة في المنطقة.