حافظت بعض النساء في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة على عملهن في مجالات عدة أهمها (المراكز الصحية والمشافي والتعليم إضافة لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات لإنسانية)، بينما فقدت أخريات دورهن في العمل كـ (المهندسات والحقوقيات..) وذلك لأسباب تتعلق بطبيعة هذه المناطق وغياب المشاريع والمؤسسات العامة لممارسة أعمالهن، يردف ذلك البيئة المحافظة التي يعشن فيها أو اضطررن للانتقال إليها، بينما تبقى المرأة العاملة في المجال الزراعي خارج الاهتمام والإحصائيات المنطقة، كما سجل حضور المرأة في العمل السياسي غياباً ملحوظاً اقتصر على مشاركتهن في بعض المكاتب الخدمية كالتعليم والمرأة.
قدر “منسقو استجابة سوريا” نسبة النساء العاملات في إدلب بـ 15%، وهي إحصائية تخص العاملات بمجال التوظيف فقط، دون إيراد ذكر للعاملات في الزراعة أو المهن الحرة الأخرى، ويرى بعض النساء الإداريات في مراكز وتجمعات إدلب اللواتي التقيناهن أن النسبة أكبر من ذلك، إلّا أنه ومع ازدياد هذه النسبة برأيهن يبقى دور المرأة العاملة ضئيلاً، إذا ما أُخذ بالحسبان “زيادة عدد النساء مقابل الذكور في المنطقة بفعل المعارك والقصف والاعتقال والهجرة”، ووجوب الاعتماد عليهن في الأدوار المستقبلية بشكل أكبر، ليس فقط لتعويض النقص الحاصل بل لما يمتزن به من قدرة علمية وعملية، وترجع أهم أسباب تراجع نسبة العاملات في إدلب إلى طبيعة المجتمع المحافظة التي تمنع النساء، غالباً، من المشاركة في الكثير من المجالات، خاصة السياسية وبعض المكاتب الخدمية والأعمال التي تحتاج إلى التنقل والسفر والجهد العضلي، كذلك ظروف الحرب وما خلفته من غياب لفرص العمل، غالباً ما يفضل أرباب العمل الذكور عن الإناث في إنجاز الأعمال، ناهيك عن النزوح واللجوء إلى السكن في المخيمات (نساء كثيرات يعشن وحدهن في هذه المخيمات بعد فقدان أزواجهن، ويضطررن للبقاء لتربية الأطفال) التي تغيب فيها كافة أشكال وأنواع المهن والوظائف، باستثناء التعليم والصحة.
تتباين المواقف من عمل المرأة في الشمال السوري، بين من يراه حقاً لها وبين من يعتبره ضرورة فرضتها الظروف الحياتية، أو أولئك الرافضين بشكل مطلق لانخراطها ببعض المهن، والذين حمّلوا المرأة مسؤولية منافستهم في سوق العمل وحصولهم على تلك الوظائف.
نقول الدكتورة لينا خياط (مديرة منظمة رابطة الياسمين) إن الأمر غير تنافسي بل فرضه الواقع والسعي وراء لقمة العيش، وتوضح أن المنظمات الإنسانية، على سبيل المثال، تطلب موظفات إناث بحسب اللوائح المنصوص عليها، كما أن مهناً أخرى لا تعتبر حكراً على الرجال، خاصة تلك التي تعتمد على العقل لا الجهد العضلي، كالتدريس والمحاسبة وغيرها، وترى أن بعض الأسر المحافظة سمحت لبناتها بالعمل بسبب غلاء المعيشة والظروف الاقتصادية السيئة ايضاً، كذلك فقدان كثر من النساء للمعيل، وهو ما أدى بوجهة نظرها “لنقص فرص العمل عند الذكور”، لتخلص إلى القول “لا نجد امرأة تعمل في البناء أو كميكانيكية أو سائقة شاحنة وغيرها من المهن، بالمقابل توازن المنظمات بين الذكور والإناث، وعليه فإن عمل المرأة بما يتناسب مع قدرتها الجسدية ضرورة لا بدّ منها”.
من جهة أخرى يرى بعض من التقيناهم إن المرأة تنافس الرجل وتأخذ منه فرص هو أولى وأحوج لها، وتأتي المنافسة من أن الكثير من الفرص الحالية تعطي أهمية كبرى لوجود المرأة، باعتبار “المنظمات تعمل بنظام غربي مرحب بوجودها”.
ويرى الدكتور محمد صديق رئيس الجمعية الدولية للإغاثة والتنمية ومنسق أعمال شبكة حماية المرأة، أن عمل المرأة أصبح ضرورة أكثر من أي وقت مضى، ففي ظل الأوضاع الراهنة في سوريا أصبح سوق العمل يتطلب المزيد من الأيدي العاملة، وخاصة بعد استنزاف شريحة مهمة من الشباب، بالإضافة الى صعوبات الحياة، وفقدان المعيل في كثير من الأحيان، وغلاء الأسعار والحاجة المادية، يستلزم المشاركة الكاملة بين الزوجين في تغطية نفقات الأسرة.
وأضاف الصديق “عندما تختار المرأة المهن التي تتوافق مع طبيعتها الفيزيائية، وتستلزم وجودها، أكثر من الرجل، لا تكون منافسة، أما المنافسة تكون ربما المهن المناسبة للرجل بشكل أكبر، لكن الضرورة حالياً تستلزم كلا النوعين في الدخول في كل المجالات، مع الانتباه للمناسبة في العمل لكلا الطرفين، لتأمين الحد الأدنى للكفاف”.
أما لؤي العواد (شاب باحث عن فرصة عمل) يرى أن دعم المرأة واجب، ولكن ليس على حساب بطالة العنصر الذكوري، مما يتسبب بحالة منافسة ضارة في المجتمع. إذ تأتي حساسية المنافسة، بالوظائف التي تشغلها الإناث غير المحتاجات للعمل مادياً، وتأخذ فيها مكان الذكور، فـ كل وظيفة تشغلها بهذه الحالة، ستتسبب في بطالة رجل، وسيكون ذلك تهديداً لاستقرار أسرة كاملة.
سيطرة العنصر النسائي على العمل في المنظمات سبب مشكلة كبيرة لكثير من الشباب الباحثين عن عمل، وخاصة إن كانت هذه الأعمال تناسبهم بشكل أكبر لما تتطلبه من جهد كالتوزيع والإحصاء وغيرها، يقول العواد الذي رأى أن هناك الكثير من الأعمال التي تتطلب أن يكون القائم فيها من النساء كالطبيبات، والممرضات، والقابلات، والعاملات في المراكز الصحية التي تعتني بالمرأة والطفل، والتعليم الخاص بمجال الإناث، وعدة مجالات أخرى.
بات مشهد المرأة السياسية والمنقذة والشرطية والإعلامية مألوفاً في الشمال السوري، وإن كان بأعداد قليلة مقارنة بالمعلمة والطبيبة، يرى بعض من التقيناهم إن هذا الأمر “طبيعي” ويفترض أن يفعل بشكل أكبر، خاصة مع ما قدمته المرأة السورية خلال سنوات الثورة من خلال تحملها العبء الأكبر والمسؤولية تجاه عائلتها ومجتمعها، إضافة للأثر الإيجابي الذي تركته خلال ممارستها لهذه الأعمال، وإثبات قدرتها في ذلك. كذلك نضالها للحصول على ما هو “حق لها” سابقاً، خاصة في تغيير النظرة السلبية لعمل المرأة من قبل المجتمع، والتي وصلت أحياناً لحرمانها من التعليم، تقول الصيدلانية أم سعيد إن “هناك فئة تعتبر عمل المرأة عيباً أخلاقيا، وخاصة إذا وجد اختلاط بالرجال، ومن المؤكد أن هذا يعود إلى العادات والتقاليد، التي تؤمن بأن دور المرأة يقتصر على حدود معينة ضمن الدائرة الأسرية، وانشغالها بمنزلها وأولادها، إلا أن هذه الفئة تتناقص بشكل ملحوظ مع مرور الزمن، رغم وجودها، اليوم نحن بمجتمع متقبل لعمل المرأة بالعموم”.
تتعرض المرأة خلال عملها لبذل جهود إضافية في التوفيق بين الأعمال المنزلية والوظيفية وتلبية احتياجات الأطفال، إضافة لمخاطر الطريق وبعد المسافات، ناهيك عن الضغوط النفسية ومحاولات الاستغلال والنظرة المشوهة أحياناً من قبل بعض الفئات الاجتماعية، إلّا أنها تلقى دعم فئات أخرى، إضافة للمؤسسات والمنظمات لإثبات جدارتها واستحقاقها ولتحمل دورها في الحياة الاجتماعية العامة، لا على سبيل المحاصصة بل من خلال الكفاءة، وهو ما بتنا نشهد ملامحه في المنطقة بعد الثورة.