فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

الساعات الأخيرة في مدينة اللطامنة

الطريق الوحيد الذي بقي للخروج من المدن شبه المحاصرة هو طريق مورك التمانعة، بين تل ترعي وخان شيخون، وتزيد مسافته عن خمسة عشر كيلو متراً، طريق ترابي اختاره كل من تبقى منا، كنا حوالي 275 شخصاً توجهنا في الساعة التاسعة ليلاً على شكل دفعات عشوائية، بعضها أضاع طريقه، خاصة أولئك الذيم لم يكونوا من أبناء المنطقة، ونتيجة الاستهداف والقصف فقدنا الاتصال بمجموعات أخرى.
لم يكن المقاتلين يحملون سوى أسلحتهم الخفيفة، يقول محمود، إن الأسلحة الثقيلة بقيت في أماكنها لصعوبة نقلها أو تدمرت بفعل الاستهداف، بعضهم خرج على الدراجات النارية، آخرون سلكوا طرقاً محفوفة بالمخاطر، والطائرات تستهدف كل حركة على الأرض، مرورنا في طرق مكشوفة أسفر عن استشهاد رجلين من المقاتلين، عند وصولنا إلى التمانعة روى لنا بعض من كانوا معنا أنهم اعتمدوا على النجوم في تحديد الطريق، آخرون قالوا إنهم حددوا الجهة من صوت القصف والقذائف، القذائف التي كانت تدمر ما بقي من منازلهم.

سيطرت قوات الأسد على بلدة اللطامنة شمال غرب حماه في الثالث والعشرين من آب الماضي، بعد سبع سنوات من تحريرها إذ كانت المعقل الرئيسي لجيش العزة الذي أقض مضاجع النظام وأوقف تقدمه لسنوات طويلة، وأحد أركان ما يطلق عليه مثلث الموت في الجيب الحموي (خان شيخون –اللطامنة –مورك)، وذلك ضمن الحملة الأخيرة التي استخدمت فيها قوات الأسد سياسة الأرض المحروقة واتبعت أسلوب الحصار لتسقط اللطامنة وباقي الجيب الحموي بعد أشهر من المقاومة.

يقول أحد المقاتلين الذي بقوا في البلدة حتى اليوم الأخير من المعارك إن قوات الأسد لجأت إلى محاصرة قرى وبلدات ريف حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، وهي طريقة اتبعتها سابقاً في مناطق أخرى من مناطق فصائل المعارضة لتجبرها على التسويات.

وقد بدأت تلوح بوادر هذه الحصار منذ أسابيع سبقت سقوط البلدة، إذ تمكنت قوات الأسد من السيطرة على جزء من أراضي اللطامنة متمثلة بوادي حسمين، بعد قصف عنيف بكافة أنواع الأسلحة والطيران أجبر المقاتلين على الانسحاب، وأدى ذلك إلى تقدم قوات النظام نحو أطراف قرية الزكاة بعد سيطرتها على قرية الجبين واقترابها من حصرايا التي سقطت نارياً، لتتمكن الأخيرة من السيطرة على القريتين.

توجهت قوات الأسد شمالاً، ولم تدخل مدينة كفرزيتا بل سعت إلى إضعاف نقاط رباط الثوار لحماية الحماميات (غربي المدينة) والسيطرة عليها، ثم تل صخر شمالاً (سقطت بسهولة) وأدى ذلك للسيطرة على الهبيط ومن ثم تلة كفرعين التي سهلت إحكام قبضته على تل عاس.

في الأيام الأخيرة قبل سقوط الجيب الحموي الشمالي تمكنت قوات النظام من السيطرة على تلة النمر وحاجز السيرياتيل وقطع الطريق الرئيسي، دون الدخول إلى خان شيخون، وهو ما ضيق الحصار على من تبقى في (كفرزيتا –اللطامنة –خان شيخون) من مقاتلين لصد الهجوم بعد إخلاء معظم المدنيين.

بتقدم النظام إلى حاجز الخزانات وسيطرته على تل النمر وتل ترعي من الجهة الشرقية، قطعت جميع الطرق الرئيسية والتي ربط بين مدن وقرى ريف حماه الشمالي بـ “التمانعة”، آخر المناطق التي بقيت بيد الثوار والتي مكن من خلالها العبور نحو مناطق المعارضة، يقول محمود الحموي (واحد من المدنيين الذين بقوا في البلدة) “هنا أدركنا أن اللطامنة ستسقط، ورحنا نودعها حجراً حجراً، في كل زاوية منها ذكرى أو صورة لشهيد، توجهت إلى منزلي الذي لم أفارقه طيلة السنوات الماضية لألقي عليه النظرة الأخيرة.

لم تكن هناك تجهيزات أو موارد لحصار طويل ستفرضه هذه القوات، أخلى المدنيون المكان، وحدة القصف ووتيرته بدأت بالازدياد إلى الحد الذي لا يطاق، استهدفت معظم البيوت والأراضي والشوارع، بعض المقاتلين أيضاً تركوا المدينة ولم يبقى فيها سوى مجموعات قليلة أخذت على عاتقها المقاومة حتى اللحظة الأخيرة.

يؤكد محمود أن الساعات الثماني والأربعين الأخيرة كانت أشدّ ما عاشه قسوة في حياته، انعدمت الحياة في المدينة، حتى الطيور غادرت السماء بفعل أصوات القصف “الهستيري” الذي لم يتوقف لحظة واحدة على ريفي حماه وإدلب، فيما كانت طائرات الاستطلاع تجوب المدينة على مدار الساعة باحثة عن شبه حياة لتقتلها.

لحظات عصيبة مرّت على من تبقى، خيار الصمود والبقاء تكسر أمام هول ما حدث، لم تعد هناك أي مقومات داخل المدينة التي دمّرت بالكامل، يقول محمود “كان اليوم الأخير في اللطامنة أشبه بالانتحار، بعد مئة يوم من الاستنزاف المستمر أدت لدمار أكثر من 90% من المدينة بشكل عام، كما كان هناك الكثير من الآليات المدمرة والمحروقة التي بقيت خلفنا، لم تعد هناك مقومات للحياة، البلدة مدمرة بالكامل، فلا كهرباء ولا ماء ولا انترنت أو طعام، عزلة عن العالم الخارجي، لا تقطعها إلّا أصوات المدافع والطائرات”.

لم يكن في المدينة إلّا بعض المقاتلين يجوبون البلدة على دراجاتهم النارية ومدنيان (الحموي ورجل آخر من آل الصطوف)، يقول الحموي إن صاروخاً أصاب أحد المقاتلين في البلدة، لم نستطع إسعافه بعد محاولات لإيقاف نزيف الدم، ففارق الحياة بعد ساعتين أمام عجزنا عن طلب المساعدة، فوسيلة لاتصال الوحيدة كانت عبر الأجهزة اللاسلكية التي تتنصت عليها قوات الأسد، كان تحديد مكان تواجدنا عبرها سيؤدي إلى قصفنا جميعاً، ولم نكن نملك أي سيارة لإسعافه.

سيطرة قوات الأسد على حاجز الخزانات كانت تعني حصارنا أو استسلامنا، ولهذا قررنا الخروج من البلدة ليلة التاسع عشر من آب واتجهنا نحو الشمال السوري، أيام أمضيناها على الطريق نأكل بعض كسرات الخبز الجافة والخضراوات، يقول محمود إن الجوع قد أنهكهم حتى وصلوا إلى أطراف قرية لطمين، أحد المزارعين كان يملك بعض أرغفة الخبز وأربع حبات من البندورة والخيار، قاسمنا ما يملكه، قطة جائعة التهمت حصتي من الخبز وهربت وأنا أنظر إليها.

الطريق الوحيد الذي بقي للخروج من المدن شبه المحاصرة هو طريق مورك التمانعة، بين تل ترعي وخان شيخون، وتزيد مسافته عن خمسة عشر كيلو متراً، طريق ترابي اختاره كل من تبقى منا، كنا حوالي 275 شخصاً توجهنا في الساعة التاسعة ليلاً على شكل دفعات عشوائية، بعضها أضاع طريقه، خاصة أولئك الذيم لم يكونوا من أبناء المنطقة، ونتيجة الاستهداف والقصف فقدنا الاتصال بمجموعات أخرى.

لم يكن المقاتلين يحملون سوى أسلحتهم الخفيفة، يقول محمود، إن الأسلحة الثقيلة بقيت في أماكنها لصعوبة نقلها أو تدمرت بفعل الاستهداف، بعضهم خرج على الدراجات النارية، آخرون سلكوا طرقاً محفوفة بالمخاطر، والطائرات تستهدف كل حركة على الأرض، مرورنا في طرق مكشوفة أسفر عن استشهاد رجلين من المقاتلين، عند وصولنا إلى التمانعة روى لنا بعض من كانوا معنا أنهم اعتمدوا على النجوم في تحديد الطريق، آخرون قالوا إنهم حددوا الجهة من صوت القصف والقذائف، القذائف التي كانت تدمر ما بقي من منازلهم.