تحضر الطيور، خاصة عصفور التين، كوجبة رئيسية على موائد عدد من السوريين في إدلب، خلال أشهر الصيف الممتدة بين نضوج الكرز وانتهاء موسم التين، وذلك بسبب هجرة أسراب كبيرة منها إلى الداخل السوري من الدول الباردة وخاصة تركيا بحثاً عن الدفء والغذاء، وكذلك سهولة اصطيادها عبر الوسائل التقليدية بالأسلحة أو من خلال الشبكات الهوائية والصمغ، وأخيراً باستغلال ما يمتاز به الطائر من غريزة يطلق عليها الصيادون “الحنان” عبر اجتذابه بمقاطع صوتية سجلت لصوت الإناث من هذا النوع ولحاقه بها.
ولعصفور التين أسماء مختلفة أهمها “الدخل والسقلين” أو “أبو قلنسوة”، كما يطلق عليه أسماء أخرى بحسب نوعه في المنطقة كـ “أبو قبع أسود –أبو قبع بني –الحنون –الأبرش –الشراق”، ويمتاز بحجمه الصغير ومنقاره الحاد ولون ريشه الرمادي المزين بعدة ألوان بحسب فصيله، وبشغفه بثمار التين الطازجة والذي سبب مشاكلاً كبيرة للمزارعين بضياع قسم كبير من إنتاجهم، إذ لم تنفع جميع الطرق في الحدّ من تأثير وجود الطائر في حقولهم كقرع الطبول ووضع الأشرطة القماشية والفزاعات.
ويحتوي طائر التين على كمية كبيرة من الدهون، بحسب عبد الرشيد (واحد من الصيادين في جبل الزاوية بريف إدلب)، وهو ما يجعل منه هدفاً لمحبي لحم الطيور، كذلك وجبة غذائية لكثير من العائلات بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، خاصة وأن فترة إقامته تعتبر قصيرة لارتباطها بموسم نضوج الفاكهة.
ويقول عبد الرشيد إن هذا الطائر يلقب بالحنون، وهو ما يسهل اصطياده عبر خداعه بتشغيل صوت مسجل لتغريده ما يدفعه للاقتراب من المكان، كذبك يتم اصطياده بطرق أخرى كـ “المطاردة والأقفاص وبنادق الصيد والأسلحة البدائية مثل رامية الحصى”.
ويعتمد كثير من الناس على لحوم الطيور كوجبة طعام رئيسية، بحسب الرشيد الذي أوضح أن الناس تفضلها لما تحتويه من فيتامينات وبروتينات، إضافة لمذاقها الطيب وتصنع منها عدة أطباق كالشوي وكبة الصيد والمسقعة (طهي الطيور بعد تنظيفها مع حبات البندورة أو بدونها).
محمد من مدينة كفرنبل غرب معرة النعمان قال إن عصفور التين يعرف بين الصيادين بعينيه الصفراوين وبطنه الأبرش، إلّا أن مذاقه الشهي أكثر ما يميزه، إذ يعتبر أفضل أنواع لحم الطيور عالمياً بعد طائر “الفري”، ويكثر اصطياده نهاراً ببندقية الخردق أما ليلاً فتستخدم “بندقية ضغط الهواء”، يتم حشوها بـ “خرطوش الصيد” عبر ماكينات يدوية تتألف من البارود وكبسول الخردق.
وازدادت هذا العام أعداد طائر التين في المنطقة بحسب محمد، وذلك بسبب الحالة الأمنية التي لا تسمح للصيادين بالخروج لاصطياده خاصة في الليل نتيجة استهدافهم من قبل الطائرات، وغلاء معدات الصيد والمواد اللازمة لصناعة الخردق والبارود، إلّا أن قسماً من الصيادين ما يزالون يمارسون هوايتهم رغم المخاطر، إضافة لاعتمادهم عليها كمصدر رزق ببيعها للأهالي.
ويشرح أبو أحمد (من جبل الزاوية) طرق صيد طائر التين ويفرق بينها فالطريقة الأساسية هي السلاح، ويوجد العيدان اللاصقة التي يلتصق العصفور بها ويعلق حتى يلتقطه الصياد، وهناك الصيد بالشبك الهوائي الذي يعلق بالهواء، والأرضي عبارة عن شبك له عراوي ينصب على الأرض، لكن هذه الطرق تعد من أنواع الصيد الجائر الذي يخفف من نوع الطائر المستهدف ويقضي عليه مستقبلاً لذلك نحاول عدم اعتماده واصطياد الطيور بالسلاح خصوصاً بعد اعتمادنا على صناعة الحشوات محلياً، فالبارود نحصل عليه من مخلفات صواريخ الغراد سعر الكيلو (3500) ل.س، ويوجد بارود من مخلفات البارود النظامي بنفس السعر، لكن سعر كيلو البارود النظامي لخرطوش الكسر يصل إلى (50.000)ل.س في محال بيع ذخائر الصيد، والكبسولات المصنعة محلياً والتي تستخدم لألعاب الأطفال النارية يصل سعر الظرف المكون من مئة كبسولة إلى (900) ل.س.
عدي صياد من مدينة القريتين بريف حمص قال لفوكس حلب إنه لم يعد يشاهد عصفور التين بمكان تواجده بعد تهجيره للشمال السوري، إلّا أنه يستذكر كثرته خلال شهري تموز وآب في المناطق الشرقية والوسطى من محافظة حمص واعتمادهم على “الصواية” وهي جهاز صوتي يشبه المذياع يطلق عليه mp3 في اصطياده، بعد وضعها في بستان مليء بالأشجار فيأتي عصفور التين ظناً منه أن أنثى أو عصفور من فصيلته يوجد بالمكان فينام على الأشجار ويعلق بالشبكة التي نثبتها مساء، وفي الصباح نلتقط العصافير ونصنع من لحومها وجبات شهية أو نبيعها للمطاعم التي تحضر وجبات موسمية لروادها، أو نبيعها لشركات التجميل التي تصنع منها مواد تجميل أو أدوية فيتامين.
لا يرى عدي أن صيد طائر التين جائراً، ويرجع ذلك لهجرته سنوياً بأعداد كبيرة وخصوبته إذ يضع “زوج من الطيور” ما معدله خمس بيضات سنوياً، لذلك لا ينقرض وتبقى أعداده كثيرة أثناء قدومه من مناطق هجرته.
يحضر طائر التين في الأمثال الشعبية العربية، فيقال “مثل طائر التين بياكل وبينقّ”، في إشارة للشخص كثير التذمر والشكوى والشغف بالطعام.