تحولت القرية الصغيرة التابعة لمدينة خان شيخون (جنوبي إدلب) إلى مسقط رأس معظم من استشهد من أبناء حماه خلال الثورة السورية، ومنذ عام 2012 باتت أم زيتونة مكاناً يستريح فيه المقاتل وتزوره الأمهات بأغصان الآس ودلاء الماء ليسقين قبور أبنائهن.
وأم زيتونة قرية “منسية” تضم خمسة وسبعين منزلاً صغيراً تتوزع على ربوة مرتفعة، ولا يتجاوز عدد سكانها سبعمائة شخص، أخذت اسمها نسبة لشجرة زيتون معمرة وقديمة، يقول بعض أبناء القرية إن شجر الزيتون لم يكن مألوفاً في القرية، وحدها هذه الشجرة من صبغت المكان باسمها.
في القرية مسجد صغير يقصده أبناء القرية والعابرون منها، أما مدرستها فهي عبارة عن غرفتين صفيتين يقوم فيهما إمام المسجد بتعليم الأطفال أصول الكتابة والقراءة، لتأخذ شكل “الكتّاب”، لا المدرسة بشكلها المألوف.
استقبلت أم زيتونة خلال الثورة السورية خمس عائلات نازحة لقلة منازلها وصغر حجمها، إلّا أنها ضمت تحت ترابها النصيب الأكبر من شهداء ريف حماه، سواء المقاتلين أو المدنيين، لتصبح مسقط رأس من لم يستطع أن يريح رأسه في منطقته المحتلة.
رائحة القرية لا يشوبها دخان مصانع ومولدات صناعية وسيارات مزدحمة، ربما أبناؤها من عائلة واحدة لقلة عددهم، يقول عمار العلي (نازح سكن في أم زيتونة من ريف حماه) إن عباءة القرية كانت تضم أبناءها القليلين، يعتمدون على منتجاتهم الداخلية لسد احتياجاتهم من الماء والغذاء.
يصف العلي صباحات أم زيتونة برائحة الحليب الطازج الموزع على قدور فوق مواقد من نار على الحطب، ونساء يعملن بجد لصناعة خبز الصاج، والكثير من الطمأنينة.
مقبرة القرية الصغيرة شهدت ضجيجاً لم تعرفه أم زيتونة سابقاً، فمع كثرة الشهداء والمعارك باتت قبلة أبناء ريف حماه، يقول العلي “على أمل العودة إلى البلاد، وعندها ستكون القبور قريبة من قراهم لزيارتها في كل وقت”.
منذ أيام مرّت قوات الأسد من أم زيتونة في حملتها العسكرية الأخيرة، بداية قصفت المقبرة الخالية إلّا من قبور الشهداء بعشرات البراميل المتفجرة والصواريخ، تلك القبور تخيفهم فحاولوا طمس معالمها.
على الواتس آب أرسل شبيحتهم رسائل لاحتفالاتهم حول المقبرة، رقصوا فوق قبور الشهداء، ودنسوا المكان بعباراتهم وهتافاتهم، وأزعجوا الأموات قبل أن يقتلوا دفء القرية الوادعة، قالوا إنهم سيحرمون عوائل الشهداء من زيارة قبورهم في الأعياد، وتفننوا بإرسال أقذع العبارات تقول سمر(زوجة شهيد من ريف حماة الشمالي) “في تلك المقبرة دفنت زوجي، اخترنا تلك المقبرة لقربها من بلدتنا ولأنها أصبحت مقبرة شهداء ريف حماة الشمالي، منذ خمس سنوات لم أمتنع يوماً عن زيارة قبره، مؤخراً ومع احتلال قوات الأسد للقرية لم أستطع حتى أن أرى شاهدة القبر عن بعد، تلك الحجرة البسيطة الموضوعة فوق رأس القبر، التي كتبت عليها بقطعة حجارة بيضاء اسمه واسم قريته، لم أكن أعلم أن ذلك سيحدث، وأحرم من زيارته، كم تمنيت لو أني أحضرت معي حفنة من تراب قبره، لتبقى ذكرى لنا في هذا الأوقات، وخاصة بعد أن غيرت براميل الأسد معالم المقبرة وحولتها لكومة من تراب”.
سقطت أم زيتونة، وغُيرت ملامح المقبرة، إلّا أن ترابها ما زالت تحضن رفات من نذكرهم ونروي حكايتهم دائماً.