تتباين أحوال العيد وسماته السورية، تقترب أحياناً وتتباعد سواء على صعيد العادات والتقاليد أو الثقافة الاجتماعية ومن ثم تنقل بذور هذا الاختلاف إلى الأطعمة والمرأة والطفل وطريقة تعاطيهم مع مفهوم العيد، بحسب البيئة التي ينتمون إليها والتي كانت تفرض صناعتها وربما خلقها لذلك المفهوم.
ترتبط كلمة “العيد” عند الكثير من العائلات السورية بالطفل، فالعيد بالنسبة لهم يتمثل بفرحة الصغار وما تفرضه هذه المناسبة من تحضيرات تسبق يوم العيد، من شراء للألبسة الجديدة والتي وباختلاف أنواعها كانت السمة الأبرز، سواء في المدن الكبيرة أو القرى، فغالباً ما أعطى اليوم الأول للعيد صورة جاذبة عن الأطفال بألبستهم المرتبة والأنيقة، كذلك بتسريحات شعرهم، دون أن ننسى ألعاب الأطفال والتي غالباً ما ارتبط شراؤها بهذا اليوم، لحصولهم على مبالغ مالية على شكل هدايا من الأقارب، أو ما يطلق عليه “العيدية”، مع السماح لهم بتجاوز بعض القيود التربوية المفروضة من قبل الأهالي بالسماح لهم باللعب لساعات طويلة، وزيارة الأقارب، كذلك أخذ “العيدية” من الأهالي أو الأصدقاء دون شروط أو موافقات.
لا يبدو ربط العيد بالأطفال مفهوماً قاصراً، خاصة وأن الظروف المادية السيئة لم تكن تمنع معظم الآباء من تأمين هذه المتطلبات، حتى لو اضطروا للاستدانة وإضافة أعباء جديدة على حياتهم العامة، ومن الممكن قراءة صناعة العيد من خلال هذا الربط واختلافه بين الريف والمدينة، ففي الوقت الذي ينفق فيه أطفال المدن أموالهم وبحسب فئاتهم العمرية على أشياء تتعلق بمدن الملاهي والألعاب، كذلك دور السينما والتدخين والمقاهي والحدائق العامة عند فئة المراهقين، وهي أشياء مفروضة بحكم وجودها، وتمثل حالة من الإغراء لدى الأطفال والمراهقين، تغيب في القرى والأرياف بحكم انعدامها أيضاً، ومن الطبيعي أن تتشابه في حال أتيحت الفرصة لأولئك الأطفال بممارستها، إلّا أنها تستبدل بشراء الألعاب البلاستيكية البسيطة واللعب على الأرجوحة إن وجدت، وزيارة دكاكين السمانة.
لعبت دور السينما في سوريا دوراً هاماً في استغلال هذه المناسبة كموسم لتحقيق ربح جيد، خاصة مع الإهمال الذي تعانيه وغياب ثقافة ارتياد السينما لدى العائلات السورية، إلى الدرجة التي تحولت فيه إلى مكان “معيب” لا يجب على العائلات المحترمة والملتزمة الدخول فيه، ولا تشترط السينما في مثل أيام العيد أعماراً معينة لحضور الأفلام التي طالما روجت لها من خلال صور إباحية تعرض على الواجهات، وغالباً ما تكون مخالفة لمحتوى الفيلم بالداخل، مستهدفة فئة المراهقين، في حين لم يكن هناك أي دور سينما تهتم بعرض أفلام للأطفال.
أما مدن الألعاب فكانت تقتصر على واحدة أو اثنتين في مراكز المدن، وبأسعار باهظة، لا توافق الحالة الاقتصادية التي يعيشها معظم السكان، في حين كانت تنتشر بعض الألعاب البدائية الصغيرة كالأراجيح الحديدية والركوب على “الأحصنة والحمير”، والدراجات الهوائية في المدن لاستقطاب الأطفال المتعطشين لشكل من أشكال الفرح، كذلك غابت المهرجانات والسيرك وبالأصل تفتقر مدننا إلى وجود حدائق للحيوان أو حدائق ألعاب مخصصة للأطفال سواء في المدن أو الأرياف.
ليس هناك صناعة حقيقية لعيد الأطفال الذي يرتبط بهم بحسب السائد، كلّ ما يمكن ملاحظته هنا “الألبسة وبعض الألعاب البدائية” والتي تشكل في بلدان مجاورة كتركيا على سبيل المثال حالة اعتياد يومي، إذ تنتشر بكثرة، وبجودة أكبر منها في مدن الملاهي السورية، بين حدائق المنازل أو في الأماكن العامة والمدارس.
الأمهات يصنعن العيد في سوريا ويغبن عن المشاركة في طقوسه، إذ طالما ارتبطت الأعياد عند المرأة السورية بـ “همّ أكبر” من باقي أيام السنة، إذ يشترط على المرأة بفعل العادات والتقاليد البدء بتنظيف المنزل قبل أيام من المناسبة، غالباً ما يكون تنظيفاً شاملاً ومرهقاً للجدران والنوافذ والأغطية والفرش، بعض العائلات من أصحاب الدخل المتوسط تلجأ إلى الدهان، في القرى يمثل العيد قيام النساء بطلاء منازلهن بـ “الحوارة البيضاء”، كذلك صناعة حلويات العيد، والذي يقتصر في الأرياف على نوعين من الكعك “الكعك المالح أو الزرد، أو الكعك بعجوة” وبكميات كبيرة لتغطية النقص الحاصل لباقي الأنواع المقدمة في العيد، كذلك أطباق “الرز بحليب” وفي بعض الأحيان تقدّم النساء الريفيات الطعام لزائري العيد، وهي عادة بدأت تغيب عن معظم القرى السورية. المرأة في المدينة تتفنن بصناعة أنواع أخرى من حلويات العيد كـ “المعمول بالجوز والفستق والغريبة والكرابيج”، ويغيب عن عيدهم الأطعمة أو أطباق المهلبية والرز بحليب، على حساب مواد أخرى كـ “الشوكولا والحلويات المشتراة من الأسواق والراحة والفواكه”.
تفرض البيئة الاجتماعية وعدد الزائرين في العيد نفسها على شكل الضيافة المقدمة، فالأعداد في الأرياف قد تزيد بأضعاف كثيرة عنها في المدن، وهو ما يدفع نساء الريف للتحايل على ظروفهن بالتخفيف من أكلاف وشكل الضيافة المقدمة مقابل زيادة الكميات، كذلك العرف السائد إذ تتشابه (أنواع وأشكال أطباق العيد في الريف بين مختلف الطبقات الاجتماعية) بينما تتمايز في المدن وذلك لتنوع الأسواق واختلافها، والهوة الاقتصادية الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية.
لا تشارك النساء الريفيات في طقوس العيد، خاصة خلال اليوم الأول والذي يقع على عاتقها خلاله خدمة الرجال الزائرين، ولا يصطحب الرجال زوجاتهم أو بناتهم في زياراتهم وتبقى حكراً على الرجال الذي يتقاسمون اليومين الأول والثاني من العيد بين استضافة المهنئين والقيام أنفسهم بالتهنئة، بينما يقع على عاتق النساء صناعة القهوة المرة وتسخينها للضيوف، كذلك ترتيب “سفرة العيد” وإعادة تجهيزها مع كل وفد قادم، خاصة وأن زيارة العيد في القرى السورية غالباً ما تكون بشكل جماعي.
تبقى النساء منشغلات في العيد دون أن يلتفتن لأنفسهن، غالباً ما ينسين شراء أي ثياب ويغيب عنهن الاهتمام بشكلهن ووضع الزينة، هو يوم عمل يعشنه لا استراحة ولا مساحة للحرية أو الفرح، يستقبلن الضيوف بابتسامة دائمة، فليس هناك أي مبررات للتقصير في مثل هذا اليوم.
يختلف واقع نساء المدن في العيد، إذ غالباً ما تكون الزيارات عائلية وفي مواعيد مسبقة، وتغص الأسواق بالألبسة النسائية التي تأتي في المرتبة الثانية بعد الأطفال، ويعتبر العيد مناسبة لشراء الجديد والتفاخر بالحلي والزينة أيضاً، وارتياد بعضهن للمطاعم والمقاهي والحدائق، ومع ذلك يقع العبء الأكبر في العيد عليهن وبدرجة أقل من أقرانهن في الأرياف.
ينظر إلى العيد كمناسبة دينية لدى الشبان والرجال في المدن والأرياف السورية، ويمثل في الأرياف مناسبة اجتماعية خاصة، إذ لا يوجد بيت على الإطلاق يخلو من عدد كبير من المهنئين، كذلك طقوس الوفود الجماعية وصلاة العيد وزيارة المقابر والتي يختص بها الرجال عن النساء، وغالباً ما يرتدي الرجال أفضل ثيابهم في هذه المناسبة، ويقع على عاتقهم أعباء مالية إضافية بتأمين مستلزمات وتحضيرات العيد.
ليس هناك اختلاف كبير بين الرجال في المدن والأرياف على صعيد هذه المناسبة، بل هناك فروق شكلية تتعلق باللباس الذي غالباً ما يكون بدلة رسمية في المدن ولباساً تقليدياً في الأرياف بحسب العادات، ويتشاركون في الطقوس الأخرى بنسبة كبيرة، باستثناء الزيارات الجماعية التي تقتصر في المدن على الاجتماع في بيت كبير العائلة سواء الأب أو الأخ الكبير.
ليس هناك خلق لعيد في سوريا، وإنما تفرض العادات المتوارثة منذ عشرات إن لم نقل مئات السنين شكلها وطقوسها على هذا اليوم، مع اختلافات طفيفة بشكل اللباس وأنواع الحلويات، فما تزال العبارات وشكل الزيارات وتحمل الأعباء على حالها، وتبقى الكلمة الدارجة على الألسن “العيد للولاد” في محاولة لتجنب أي تغيير يطرأ على مفهوم العيد التقليدي، دون دراسة لخلق عيد حقيقي حتى “للأطفال” الذين ما يزالون يبحثون عن أرجوحة أو استئجار دراجة هوائية أو ارتداء ثياب جديدة كعادة أقرانهم الذين أصبحوا أجداداً.