ترتفع نسبة الشوائب والشوارد الكلسية في مياه الآبار الارتوازية المنتشرة في مدينة إدلب وأريافها، وقد تصل إلى نسب تستحيل معها صلاحية المياه للشرب، ما يدفع الأهالي للبحث عن آبار أكثر نقاوة أو الاعتماد على المياه المفلترة.
يقول أبو عدي (نازح إلى معرة مصرين) بالقرب من إدلب إنه لم يستمتع بشرب “كأس شاي خمير” منذ وصوله إلى المدينة، فلون
الشاي وطعمه يتأثر بطبيعة هذه المياه الكلسية في الغالب، والتي يشتريها “عبر الصهاريج” التي تعتمد على الآبار الارتوازية في القرية، وهو ما دفعه لشراء المياه المفلترة لاستخدامها في الشرب وصناعة المشروبات والأطعمة، أما مياه الآبار فيتركها للاستخدام المنزلي كـ “الاستحمام والغسيل والتنظيف”، خوفاً مما تسببه من أمراض.
تحدد نوعية البئر ونظافة الصهاريج طبيعة المياه التي يتم نضحها وإيصالها إلى الأهالي، بحسب المجلس المحلي لمعرة مصرين، إلّا أن الطبيعة الكلسية تكاد تكون عاملاً موحداً بين جميع الآبار في المنطقة، ويعمل المجلس المحلي على تقديم مياه أكثر نقاوة لسكان المدينة إلّا أنها لا تغطي كافة احتياجات السكان، ما يضطرهم للبحث عن بدائل.
ومع ازدياد الحاجة لمياه نقية انتشرت ظاهرة بيع المياه المفلترة بشكل أوسع في مدينة إدلب والقرى المحيطة بها، وارتفع عدد المراكز المختصة التي تعمل على فلترة المياه وتعبئتها في عبوات مخصصة أو توزيعها على خزانات ضخمة في أماكن محددة ليتم بيعها، وشكلت تلك المياه مصدراً جديداً لتأمين مياه الشرب الصحية للسكان، وعبئاً مالياً إضافياً، غذ يبلغ سعر اللتر الواحد عشر ليرات، وعليه فإن متوسط احتياجات العائلة المكونة من خمسة أشخاص يزيد عن ثلاثة آلاف ليرة بشكل شهري تضاف إلى كلفة المياه التي يحتاجونها للاستعمال المنزلي.
يرى بعض من التقيناهم أن “السعر غير مدروس، وهو لا يتناسب مع دخل الفرد”، ويتساءلون عن دور المجالس المحلية أو المؤسسات المعنية بالرقابة لفرض تسعيرة محددة تتم عبر حساب الكلفة وتحديد الأرباح لأصحاب مراكز الفلترة، وهو ما برره أحمد المعاط (صاحب واحدة من ورش الفلترة) يقول “إن الأسعار مناسبة ومدروسة بدقة، وعلينا أن نأخذ بالاعتبار الكلفة الواقعة على هذه المراكز، من تأمين المياه وحتى التصفية والتي تمر عبر عشرة مراحل، ناهيك عن التحاليل المخبرية والرقابة وثمن العبوات البلاستيكية والمصاريف التشغيلية”.
وعن آلية عمل تلك الورشات يقول “المعاط” إنه وبعد استخراج المياه من البئر الارتوازي تمر المياه في مرحلة “الرمل” بهدف سحب الشوائب من المياه، ثم تنتقل لمرحلة “الفحم” لتخليصها من الطعم والرائحة الغريبة لتدخل بعدها إلى جهاز “الريزين” الذي ينقيها من الكلس لتنقل بعدها إلى جهاز “المابرم” لفرز المياه الصالحة للشرب عن المياه الآسنة، تنتقل المياه الصالحة للشرب بعدها إلى مرحلة التعقيم عبر الأشعة تحت البنفسجية والتي تقتل البكتريا والطفيليات إن وجدت بالماء، وبين كل مرحلة من المراحل السابقة هناك حشوات فلترة بمسامات ضيقة جداً هدفها تصفية المياه بشكل أكبر”.
تنتج ورشة “المعاط” حوالي ألف ليتر مفلتر من المياه في كل ساعة، ويعتمد صاحب الورشة على أحد المخابر الموجودة في مدينة إدلب لتحليل المياه بعد خروجها من أجهزة الفلترة بالإضافة لمقاييس الكلس والأملاح الموجودة في الورشة، حيث يجري تحليلات دورية “كل ثلاثة أشهر” بهدف المحافظة على نقاوة المياه، كما يقوم صاحب الورشة بجولات تحليل على المراكز التي تبيع المياه التي يفلترها للتأكد من صلاحية تلك المياه وخلوها من الأملاح والكلس.
تباع تلك المياه بعبوات مختلفة بعضها قابل للاستبدال، كما يعمد أصحاب تلك الورشات على التعاقد مع محلات السمانة بهدف اعتمادهم كمراكز لتوزيع تلك المياه عبر بيعها من خزانات مخصصة.
يقدر عدد ورشات الفلترة الموجودة في شمال سوريا بخمس عشرة ورشة موزعة في عدة مناطق، جميعها يعمل دون مراقبة مباشرة من المجالس المحلية والدوائر الحكومية، الأمر الذي يدفع البعض للتشكيك بنقاوتها وعدم اختلافها عن المياه التي تصل للمنازل عن طريق السيارات المتنقلة. ليبقى كأس الشاي هو المخبر الأفضل الذي يميز به الناس المياه الكلسية عن غيرها.