فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

“الأرضي شوكي” نبات الزينة الذي تحوّل إلى طعام للملوك

  “من نباتٍ للزينة إلى وجبةٍ غذائية فاخرة على المائدة”، يصف المزارع أبو عدنان (من بلدة الحاضر بريف حلب الجنوبي) المراحل التي مرّ بها الخرشوف أو كما يُعرف بـ “الأرضي […]

 

“من نباتٍ للزينة إلى وجبةٍ غذائية فاخرة على المائدة”، يصف المزارع أبو عدنان (من بلدة الحاضر بريف حلب الجنوبي) المراحل التي مرّ بها الخرشوف أو كما يُعرف بـ “الأرضي شوكي” أو “الانغينار”، ليتحوّل إلى وجبة غذائية فاخرة، اعتمد المزارعون على زراعته بعد ارتفاع أسعار المستورد منه، بينما تنتظر مواسمه سيدات البيوت لتموينه بطرق مختلفة.

دخلت نبتة “الأرضي شوكي” إلى سوريا منذ سبعينيات القرن الماضي، كنوعٍ من نباتات الزينة نظراً لشكلها الغريب والمميز، وعُرفت باسم “زهرة الملوك”، لكن سرعان ما اتجه السوريون إلى إدخالها ضمن وجباتهم الغذائية، وأصبحت تحضّر بطرقٍ مختلفةٍ، إلا أن سعرها المرتفع جعلها غير متاحة على جميع الموائد.

يقول المهندس الزراعي محمد حدبة “يزرع الأرضي شوكي بكميات قليلة في سوريا، على شكل شتلات، تعطي كل واحدة منها حوالي ست قطع من الانغينار في الموسم الواحد”.

لا يمكن زراعة نوع آخر من الشتلات مع نبات الخرشوف بعد قطافه، بعكس باقي الأنواع من المزروعات، والتي يتم التناوب على زراعتها سواء في موسم واحد أوفي مواسم أخرى، وذلك لأن شتلة الأرضي شوكي تعود للإنتاج مجدداً في المواسم المقبلة، وتستمر في الإنتاج غالباً بين خمس إلى ست سنوات، بحسب الحدبة الذي حدد أماكن زراعته بمناطق الساحل السوري وجنوبي حلب، وذلك “لحاجته إلى مناخ معتدل يغيب عنه الصقيع، وكذلك توفر المياه”، وهو ما يفسر قلة زراعته في مناطق أخرى كدمشق وحمص وحماه.

وعن الدورة الزراعية للأرضي شوكي يقول أبو عدنان “في شهري تشرين الأول والثاني تحرث الأرض مرتين بهدف تهوية التربة وإتلاف الأعشاب الضارة والمخلفات النباتية المتواجدة فيها، ثم يُرش السماد العضوي وتتم حراثتها مرة أخيرة، قبل زرع شتلات الأرضي شوكي -تتراوح المسافة بين كل شتلة وأخرى ما بين (60 -80 سم)- وعقب ذلك يجب ريها بشكل دوري، وفي شهر نيسان تصبح الثمار جاهزة للقطاف، وتستمر عملية جني المحصول حتى بداية شهر تموز”.

بعد جني ثمار الأرضي شوكي، يجب عدم ري النباتات حتى شهر تشرين الأول، ويتم خلال تلك الفترة جمع المخلفات النباتية الجافة، ومن ثم يُروى الحقل المزروع ثانيةً كي تعاود النباتات نموها لموسم الإنتاج الثاني، حيث تنتج نبتة الأرضي شوكي لخمسة مواسم، وليس هناك ضرورة لزراعة جذور جديدة في كل موسم، فكلما يبست الأوراق تعاود النمو مجدداً عقب هطول الأمطار.

إن الكلفة المنخفضة لزراعة وقطاف الأرضي شوكي، والأسعار الجيدة التي يباع بها دفعت عدداً من الفلاحين لزراعة أراضيهم بالأرضي شوكي، يقول أبو عدنان إن “ثماره تباع بالقطعة وليس بالكيلو، ويبلغ متوسط سعر القطعة مئتي ليرة”، كما يستفاد من الأوراق التي تغلف الثمرة واستخدامها كعلف للحيوانات.

“الانغينار” ضمن مونة السوريين

مع بدء موسم الأرضي شوكي تبدأ السيدات بالعمل على شرائه من السوق وتخزينه لاستعماله طوال أيام السنة، وحول طرق تخزينه قالت السيدة رولا شحادة من سكان مدينة إدلب “مع غياب التيار الكهربائي، لجأت أغلب السيدات إلى حفظ الخرشوف عبر غمره بماءٍ مخلوط بملح بحري ثقيل، مع قليل من السكر والخل الأبيض، إلا أن هذه الطريقة لا تحافظ على الانغينار داخل هذا المحلول أكثر من ثلاثة أشهر”.

كما توجد طريقة أخرى لحفظ قطع الأرضي شوكي، عبر وضعها لعشر دقائق ضمن ماء مغلي يحتوي على ملح بحري وخل أبيض، ومن ثم إخراجها من الماء، وتجفيفها جيداً بمصفاة وتركها حتى تبرد، ومن ثم وضعها في أكياس نايلون مخصصة للمونة وإغلاقها بإحكام حتى لا يدخلها الهواء ثم تحفظ في الثلاجة.

وأشارت السيدة رولا الى أن “طريقة حفظ الخرشوف في الثلاجة، هي طريقة صحية وتحافظ على خواصه، كالطعم واللون لشهور عدّة، لكن غياب التيار الكهربائي اضطر أغلب ربات المنازل للاستغناء عن هذه الطريقة”، مضيفةً أنه “يُنصح بشراء قطع الأرضي شوكي منذ بداية موسمها حيث تكون غضّة وسريعة الاستواء، أما في نهاية الموسم تصبح قاسية وتظهر فيها أشواك تجعل طعمها غير لذيذ ولا تنضج بشكل جيد عند الطهي”.

وجبة “الأرضي شوكي” بــ 10 آلاف ليرة

للأرضي شوكي نوعان، أولهما “بري” ذو لون أرجواني وزهرته صغيرة شوكية الملمس وتعتمد زراعته على مياه الأمطار، والثاني “المزروع” كبير الحجم وأخضر اللون، شوكي الزهرة، وله ريش ناعم من الداخل يحيط بمنطقة الصحن ويحتاج إلى الري باستمرار، ويختلف سعر قطعة الأرضي شوكي حسب نوعها وحجمها.

 

يصل سعر قطعة الأنغينار في بداية الموسم إلى 200 ليرة سورية، بينما ينخفض سعرها في منتصف الموسم إلى 100-150 ليرة سورية، أما المستورد من لبنان والذي يعتبر أفضل من حيث الحجم والجودة فيتراوح سعره بين 250-300 ليرة للقطعة الواحدة.

 

تقول السيدة أم عبدو من سكان المزة في دمشق “الخرشوف من الوجبات الفاخرة، وقد اقتصر وجوده خلال السنوات الماضية على ميسوري الدخل، فلتحضير وجبة أرضي شوكي لأربعة أشخاص، تحتاج سيدة البيت إلى 16 قطعة سعر الواحد منها 150 ليرة سورية، إضافةً إلى كيلو لحم وكيلو أرز وبعض المكسرات والجبنة والفطر، لتصل كلفتها كاملةً إلى حوالي 10 آلاف ليرة سورية”.

وهناك طرق عديدة لتحضيرها، لكن أكثرها شيوعاً قلي قطع الانغينار بالزيت أو السمنة، ووضع اللحم المفروم والبصل فوقها مع قليل من الفطر وجبنة الموزاريلا والمكسرات وشوائها في الفرن، أو يمكن تقطيعها وقليها مع اللحم ثم تضاف لها صلصة بيضاء، وتقدم إلى جانب الأرز.

كما يمكن تحضير سلطة الخرشوف عبر سلق الحبة الكاملة بأوراقها الخضراء، وتقطيع أوراقها وتغميسها بالزيت والليمون، ويمكن أن تقطّع وتزيّن بها أقراص البيتزا، أو تستخدم في إعداد أنواع مختلفة من الشوربات، كما أنها تُطهى مع اللحم المفروم والبشاميل.

 

وِأشارت أم عبدو إلى أن “بعض أصحاب الدخل المحدود قاموا ببعض التعديلات ليتمكنوا من تناول تلك الأكلة المميزة، فوضعوا كباب الدجاج المفروم بدل لحم الغنم، حيث يبلغ سعر الكيلو منه 1500 ليرة، كما قاموا بشراء القطع الصغيرة الحجم التي يعتبر سعرها أقل، واستغنوا عن الفطر والجبنة والمكسرات، وبذلك يمكن تحضير تلك الأكلة بكلفة لا تتجاوز 3 آلاف ليرة سورية”.

فوائد مذهلة

يعتبر الانغينار وجبة مثالية وخفيفة ذات فوائد مذهلة، إذ تحتوي الحبة الواحدة منه على 100-200 سعرة حرارية، إضافةً لـ 9 غرامات من الدهون الغير مشبعة، والتي تعتبر مفيدة لأمراض السكر والقلب والأوعية الدموية والكبد والمعدة والإمساك، كما ينصح تناوله لمن أراد اتباع حمية إنقاص الوزن، إضافةً لكونه من أغنى العناصر الغذائية بالألياف، كما أنه غني بالكالسيوم والحديد وفيتامين C، حيث يقلل تناوله من خطر الإصابة بأمراض السرطان، وخاصةً سرطان الثدي، إضافةً لاحتوائه على فيتامين A المفيد في الرؤية وصحة العين، وأملاح معدنية كالمنغنيز والفوسفور والحديد؛ وهو ما يجعله مهماً لنشاط الدماغ.

عرف المصريون القدماء الخرشوف، ونقشوا رسوماً له على جدران معابدهم، ثم انتشر في أوروبا وباقي بلاد العالم على أيدي العرب في الأندلس، وحُرّف الاسم من “حرشف” إلى “ارتي شو -artichiu” فعادت إلينا محرّفة إلى “أرضي شوكي” وهو الاسم المشهور الآن لهذا النبات.