احتفظت زوجة حمزة زيواني بـ “طريزينة = سوزوكي الحرية” التي حملت زوجها وطفلها الشهيدين خلال سنوات الثورة لمدة خمس سنوات، قبل أن تبيعها منذ أشهر، تتساءل عن فائدتها بعد “رحيل سائقيها” اللذين استثمرا مهنتهما في بيع الغاز بداية الثورة برفقة أغنية يا حيف، لتحويل “طريزينة حمزة” إلى رمز للإعلام الثوري بعد تزويدها بمكبرات الصوت وأعلام الثورة.
في نيسان من العام 2014 قُتل حمزة في معارك خان طومان، كان برفقة “طريزينته” يطلق الأغاني الثورية ويحث الجميع على الثبات، ويؤجج فيهم الحماسة ويذكرهم بالمعتقلين والمعتقلات في سجون الأسد، ذاك كان دوره منذ البداية يقول أحمد (أحد أبناء مدينته بنش) “كان حمزة أكثر المصادر ثقة بإذاعة أخبار الثورة وتنبيه الأهالي قبل دخول الجيش”، كبائع للغاز كان يتجول في أنحاء المدينة وهو يطلق الشعارات ويذكر بمواعيد المظاهرات.
يخبرنا أحمد أن قوات الأسد والشبيحة طلبت من حمزة التوقف عن ما يقوم به منذ دخولهم إلى البلدة، وتوعدوا بقتله إن هتف في المظاهرات، إلّا أنه وكعادته قاد عربته وهو يهتف “يا عساكر يا أحرار ياالله انشقوا عن بشار.. وانضموا للثوار)، غير آبه بما ينتظره على أيدي الشبيحة الذين اعتقلوه وقاموا بالاعتداء على منزله وإحراق إذاعته المتنقلة “الطريزينه” وتحطيم مكبرات الصوت.
بعد خروجه من الاعتقال أعاد حمزة سيرته الأولى، كان الفارق الوحيد أنه استبدل بيع “الغاز” الذي فقد في المنطقة، بالخضراوات، كل المدينة تذكر نداءه الشهير (عنا كوسا وعنا خيار.. ويلعن روحك يا بشار)، قال الذين التقيناهم في بنش.
في كنف حمزة الثائر، والذي وصفته صفحات الإعلام الموالي، حين استشهاده، بالإرهابي الخطير، تربّى الطفل عباس، كان عمره لا يزيد عن سبع سنوات حين بدأت المظاهرات في بنش ليفتح عينيه على أهازيج الحرية وأناشيد الكرامة، عايشها ونهل منها وأعطاها صوته العذب ووجهه الطفولي وإصراره على الاستمرار.
على الأكتاف كان يحمل في معظم المظاهرات لينشد الأغاني الثورية، وفي “طريزينه والده” كان يحفظ الأناشيد ويعيد تكرارها، حتى أُطلق عليه لقب “منشد الثورة السورية وقاشوشها الصغير”.
انضم عباس لوالده حمزة، تقول والدته إنه ورث كره النظام كأبيه، كما ورث عنه حب الثورة والإيمان بها، يتنقلان معاً من مدينة لأخرى للمشاركة في المظاهرات وبث روح الحماس ورفع معنويات المقاتلين بالصوت والنشيد، كان لعباس صوت قوي وذاكرة حاضرة يتنقل بين الأغاني بقوة وخفة وحلاوة صوت لتصبح أكثر حماساً، دون أن يتلقى أي تدريب على الغناء.
اشتهر الطفل عباس بأغاني كثيرة كان أشهرها “أختنا في السجون تنادي” والتي كتبها سيد قطب، ولكن أكثرها انتشاراً على الإطلاق كانت أنشودة “وين أيامنا وين”، والتي كتبها “الزبير الليبي” في أفغانستان، وراجت مع الأغاني الجهادية التي جلبها المهاجرون، بحسب الكاتب حسام جزماتي في مقاله “يا زينب.. لبيكِ”، والذي قال إن طبيعة الأنشودة السائلة والصراع الدموي القائم بين بنش وبلدتي كفريا والفوعة “الشيعيتين المتاخمتين” مكّن من إضافة بيتين يلائمان “الساحة”، وغنائها من قبل الطفل عباس والذي أورد فيها ذكر مدينته بنش وانتصارهم على الشيعة، ليأتي الرد من أحد أبناء الأخيرة (الطفل هادي فاعور) والذي يعرف بـ “رادود الفوعة” من خلال أغنية “اسمع يا جولاني”.
لم يتوقف عباس عن أداء الدور الذي بدأه والده، حتى بعد استشهاد الأخير، بل أكمل سيرة والده بالغناء وإذاعة الأخبار وتحفيز المقاتلين.
استشهد عباس في الثالث عشر من آب 2015، وهو ابن اثني عشر عاماً، إثر إصابته برصاصة طائشة في الرأس مصدرها بلدة الفوعة أدّت إلى موته بعد يومين من العلاج، تاركاً إرثاً صغيراً من الأناشيد وانطباعاً إيجابياً لدى معظم من عرفه، يقول أحمد إنه كان نسخة مصغرة عن والده، والذي استطاع برغم صغر سنه رفع معنويات الثوار والوقوف في وجه الظلم، كذلك يقول من التقيناهم إنه ترك بصمة كبيرة لا يمكن تجاهلها في سبيل الحرية والوطن.
لا تفارق أغاني عباس مسامع والدته التي تعتمد على “كفالة” طفلها الصغير لتأمين لقمة عيشها، تعينها على ذلك “بقرة” تربيها، تقول إنها “توزع حليبها في كل يوم جمعة مجاناً على روحَي شهيديها”.