في تشرين الثاني من العام 2013 كانت معركتنا الإعلامية في بلدة سبينة جنوب دمشق أطول وأقسى من الدفاع عن البلدة، فأمام مربض الهاون أو بالقرب من الخنادق كنت ترى القذيفة أو البندقية بيد، وفي اليد الأخرى هاتفاً محمولاً ورجالاً منهمكين بنفي إشاعات سقوط البلدة خلال أيام المعركة التي استمرت أحد عشر يوماً.
كل الإثباتات التي نشرناها عن وجودنا في المكان قوبلت بالتكذيب من بعض المواقع الإخبارية وناشطي الفيس بوك الذين اعتمدوا على أنفسهم كمصدر للخبر، الفارق هنا أن من يتابعنا قلّة ولديهم الآلاف من المتابعين، ما تسبب بنقل الشائعات وسريانها كالنار في الهشيم دون معرفة الحقيقة، وخلق حالة من الفوضى.
سهّلت شبكات التواصل لاجتماعي عملية نقل الأخبار والوصول إليها بسرعة، واعتمد الباحثون عن الخبر من المنخرطين في صفوف الثورة أو المهتمين بالشأن السوري تلك الصفحات كمصدر أول لمتابعة مجريات الأحداث أولاً بأول، وتصدر الناشطون ساحة الإعلام الثوري، وتشكلت في المقابل مواقع إعلامية وصحف ثورية كان لها دور كبير في نقل الخبر بأقصى ما تستطيع من مهنية، إلا أنها لم تستطع الحدّ من انتشار حالة الفوضى ونشر الأخبار المزيفة.
سرديات طويلة نقلت، وملايين مقاطع الفيديو والأخبار التي وثقت جزء هاماً من مجريات الثورة، قابلها ما اصطلح على تسميته “فوضى المراصد والأخبار”، ولا يمكن هنا تجاهل دور الماكينة الإعلامية لنظام الأسد في بث ونشر الأخبار المزيفة بما يخدم مصالحه، وإنشاء حسابات وهمية من خلال عملائه على الأرض، كذلك، وعن غير قصد، دور بعض الناشطين الثوريين في نقل هذه الأخبار المزيفة، عن حسن نية أحياناً، دون إخضاعها لعملية التدقيق والتحقق، خاصة مع الأحداث المتسارعة وضعف الاتصالات، خاصة بداية الثورة، وردود الفعل السريعة، كذلك من الأهمية بمكان التوقف عند ظاهرة “الفيسبوكيين” الباحثين عن الوصول والشهرة، دون التساؤل عن “الجدوى والضرر”، فـ مستخدمو الفيس بوك والتوتير من أصحاب اختصاص “نسخ لصق” استغلوا حاجة الناس للخبر ومعرفة ما يحدث في نشر تلك الأخبار المزيفة ما جعل من تداركها أمراً غاية في الصعوبة، خاصة من قبل المستخدمين العاديين الذين وجدوا في تلك المنصات مصدراً للأخبار مع عدم قدرتهم على تمييز الصحيح أو الكاذب منها.
عدة صفحات موالية “مزورة” هدفت إلى نشر الشائعات ضمن مناطق النظام ملقين بالطعم لبعض الصفحات الإخبارية الثورية الذين اعتمدوا عليها كمصدر رئيسي لأخبار انسحاب النظام وانكسار شوكته على جبهة ما، رغم كل التحذيرات من زيف هذه الصفحات، مما يقلل من مصداقية الأخبار الصحيحة من أرض المعركة حيث يصبح خبر الثبات والتقدم مشكوكاً بمصداقيته.
في عالم التلجرام ينتشر مصطلح المراصد، وهم أشخاص تصدروا لعملية مراقبة حركة الطيران منذ بداية الثورة، وكان لهم دور أساسي في تقليل ضرر غارات الطيران والقذائف بفعل تحذيراتهم ورصد حركة الطيران المستمرة من الإقلاع إلى الهبوط، و مع تحول الأمر إلى عملية تقليد ومحاكاة انتشرت بعض المراصد المعروفة بمصطلح “اسمع وكبرررر يا بطل”، تلك العبارة بات الخبر المرافق لها مشكوك في صحته لدى جمهور الثورة، وتجاوز الأمر حد الأخبار إلى إطلاق التعميمات والمطالبة بالاعتقال أو التخوين أحياناً دون التأكد من صحة هذا التعميم على الوجه المطلوب.
الحجة المرافقة لنشر بعض الأخبار الزائفة هي رفع المعنويات والتأثير إعلامياً على بيئة النظام، إمبراطوريات إعلامية عالمية تدفع ميزانيات طائلة ليكون لديها القدرة على تنفيذ هكذا مشاريع “تضليل إعلامي” على جمهور العدو، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تنافسها في هذه المهمة حتى بات لزاماً في كثير من الأحيان لمواجهة خبر مضلل أن يصدر بيان حكومي رسمي بهذا الشأن في بعض الدول.
رغم اتخاذ بعض التدابير لمواجهة الأخبار المغلوطة والتضليل الإعلامي الحاصل من قبل إدارة تلك المواقع إلا أنها لم تكن ذات أثر أمام عدد المستخدمين الهائل للإنترنت الذي بلغ 4.34 مليار حسب موقع ويكبيديا.
ومع تفاقم مشكلة الأخبار الزائفة أنشئت عدة منصات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لمواجهتها، أبرزها منصة تأكد والتي يعود تأسيسها إلى آذار من عام 2016، وأتت فكرتها من واقع الحاجة إليها، وسط غزو الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام، وللوسط السوري بشكل خاص، نتيجة الانقسامات التي ألمت بالشعب السوري. إضافة إلى الحاجة الملحة لمكافحة الدعاية (البروباغندا) التي يمارسها نظام الأسد والقوى الكبرى الفاعلة في الشأن السوري، وتهدف المنصة إلى المساهمة في رفع وعي المتابع السوري لأهمية التحقق ومكافحة التضليل، وتحفيز المنصات الإعلامية على إيلاء المصداقية والحقيقية أقصى درجات الاهتمام.
يقول ضرار خطاب (مدير تحرير منصة تأكد) “إن لمواقع التواصل الاجتماعي دور كبير في انتشار الأخبار الزائفة والمغلوطة، يعود ذلك إلى سهولة النشر والمشاركة والتفاعل عبر هذه المواقع، فصاحب كل حساب على مواقع التواصل، من الممكن أن يكون مصدراً للإشاعة، ومتابعوه من الممكن أن يكونوا مروجين لها. ومع عدم وجود آليات وأدوات لدى مواقع التواصل لمكافحة الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، يجد مروجو الإشاعات في مواقع التواصل بيئة خصبة لممارسة نشاطهم في التضليل”.
وعن مدى تأثير هذه الأخبار يقول الخطاب “يختلف التأثير بحسب نوعية الأخبار وأهميتها، فبعض المعلومات الصحية المغلوطة قد تسبب خطراً على حياة إنسان ما، وبعض الأخبار المغلوطة عن سيطرة قوة عسكرية ما على منطقة ما قد تشكل خطراً على حياة مدنيين أيضاً وتدفعهم إلى اتخاذ قرارات غير مبنية على حقائق ووقائع، كما تعزز الأخبار الكاذبة في كثير من الأحيان خطاب الكراهية بين فئات المجتمع، وخاصة في مناطق الأزمات والحروب”.
يحاول المشاركون في المنصة العمل بأقصى جهد لـ “مكافحة التضليل الإعلامي”، يقول الخطاب الذي تمنى تعميم تجربة المنصة والتوسع في مجالات التحقق للإحاطة بكافة الموضوعات والشؤون التي يطالها التضليل، معتبراً أن أفضل الطرق لمواجهته “الشكّ وعدم التصديق بسهولة، وتجنب الأخبار والمعلومات غير المنسوبة لمصادر واضحة ذات مصداقية”.
لم يكن سقوط بلدة سبينة إعلامياً حالة فريدة، ففي كل معركة هناك مناطق يشاع خبر سقوطها رغم تواجد المقاتلين على خطوط الجبهات، كما حدث في بصر الحرير في درعا العام الفائت إبان حملة النظام على درعا، حيث كانت مدخلاً لحملة النظام والروس العسكرية، وكان لإشاعة خبر سقوطها أثراً نفسي كبيراً على المقاتلين والحاضنة الشعبية، ما جعلها البوابة لفرض خيار المصالحة وسقوط درعا والقنيطرة بيد النظام.