لا نعرف كيف اختيرت أسماء المخيمات التي رافقت رحلة السوريين منذ بداية الثورة، بعضها كان مفهوماً لارتباطه بالمكان الذي أنشئ عليه، إلّا أن معظمها حُمّل من خلال التسمية ما لا يُشابه الظروف التي يعيشها ساكنيها كـ “الكرامة والأمل وقرطبة ولستم وحدكم”، في الوقت الذي يصف أهل هذه المخيمات حياتهم بـ “الذل والغربة واليأس”، وتركهم لمواجهة مصيرهم، وحدهم ودون مساعدات تذكر.
منذ أيام وفي الخامس عشر من حزيران الحالي، خطّ أحد سكان تجمع صغير للخيام، بالقرب من بلدة “كلبيت” بريف إدلب فوق مخيم الأمل، اسم الشهيد عبد الباسط الساروت على لافتة كدلالة على المخيم الذي بات يعرف بمخيم الساروت، يقول سمير شيبان أحد سكان المخيم إنهم أرادوا استحضار بعض القوة من اسم الشهيد الراحل ومسيرة حياته للبقاء على قيد الحياة والأمل.
تشبه حياة الساروت التي مرّ بها خلال الثورة حتى لحظة استشهاده ما يعيشه سكان المخيم، الشاب الذي عاش أيام الثورة الأولى في مدينته حمص وأنشد لها، وتخلى في سبيل الحرية التي كان يحن لها دائماً عن مستقبله بكرة القدم، ليعيش الحصار والجوع ورفقة السلاح والخنادق والغبار، ليموت واقفاً حاملاً سلاحه في معارك حماه الأخيرة في سبيل القضية التي اختارها وعمل لأجلها طوال السنوات الماضية، كذلك يعيش سكان المخيم الذي يحمل اسمه بين الصخور المليئة بالأفاعي والعقارب على الجبل الذي لجأ إليه الناس بعد أن ضاقت بهم سبل العيش، وحالت الإيجارات التي ارتفعت منذ نزوحهم دون قدرتهم على تأمين مأوى لعائلاتهم، هم أيضاً تخلّو عن بيوتهم وحياتهم المستقرة في سبيل الحرية، آملين بالعودة إليها رافضين البقاء تحت حكم الأسد أيّاً كان ما سيعيشونه.
كثر من تخلّو عن الساروت قبل موته، وحتى بعد استشهاده كان مثار جدل بين من رأى فيه أيقونة للثورة السورية وأحد أبطالها، وبين من راح يبحث في الدفاتر العتيقة عن مواقف لينال من سيرته. هنا في مخيم الساروت اقتلع صاحب أحد الأراضي القريبة زيتونه الذي يفيء بالظل على أهل الخيام، وقام بتأجير الأرض للراغبين ببناء خيامهم تقول أم أحمد (64 عاماً) من بلدة حسانة بريف إدلب الجنوبي، واحدة من سكان المخيم الجديد الذي يضم ما يقارب خمسين عائلة من البلدة ذاتها.
بعض الخيام والبطانيات المهترئة والعوازل، صخور كبيرة تعيق حركة المشي والتنقل، كل ما تشاهده خلال تنقلك في المخيم، يقول من التقيناهم أنهم سيعودون إلى قراهم المهدمة، فهذه الحياة لا تصلح حتى “للزواحف”، أيّاً كان ما سيلاقونه هناك سيكون أفضل من حياة “الذل” هنا، ويشيرون إلى العراء الذي يحتوي أسرهم. لعلّه كان يوماً خيار الساروت بالعودة من تركيا إلى جبهات القتال في حماه، أراد البقاء قيد الكرامة رافضاً كلّ ما يهينها، فوجد نفسه مرّة أخرى يحمل بندقيته حيث ينتمي، وفي المكان الذي يكون فيه الغبار وساماً، ولعلها المرّة الأولى الذي يحمل فيها مخيم من “اسمه نصيب”.