يرتفع تمثيل المرأة في الحياة السياسية لدول العالم ببطء، تشير تقارير الأمم المتحدة “أن 22% من جميع البرلمانيين هم من الإناث في العام 2015، وهو ارتفاع بطيء من 11.3% عام 1995″، في الوقت الذي بلغت نسبة المشاركة في أول انتخابات برلمانية تونسية بعد الثورة (حدثت في العام 2014)، 35% من أعضاء المجلس وهي أعلى نسبة تم الوصول إليها سواء في تونس أو في الوطن العربي بشكل كامل.
توضح النسبة في تونس تأثير الثورة على الحياة السياسية، يضاف إلى ذلك توجه المؤسسات المدنية والأمم المتحدة نحو التركيز على ضرورة تمكين المرأة، وانخراطها في الحياة السياسية باعتباره “أمر ضروري لتحقيق السلام في المجتمعات وإطلاق إمكانيات المجتمع الكاملة”. يبدو الأمر معاكساً في سوريا، يتأرج أحياناً ويختلف بين منطقة وأخرى دون الوصول إلى فهم واضح، ويبدو أن تمثيل المرأة السورية السياسي في المناطق المعارضة يتناقص تدريجياً، إذ شهد أوجه مع بدايات الثورة، ومن ثم وبالتدريج بدأ بالانحسار وربما الاضمحلال أحياناً.
مع بداية الثورة السورية وتشكل التنسيقيات ضمت “تنسيقية اللاذقية 2011 في بداية تشكلها أكثر من 50% من النساء، وبشكل مواز أسست الثائرات عدة تنسيقيات وتجمعات أخرى في العامين 2011-2012 كـ “نساء تنسيقية مدينة السلمية –تجمه حرائر داريا –مجموعة ثائرات تل الحرية –تنسيقة نساء دوما الحرة –تجمع بنات دمشق ….”، بحسب الدراسة التي أجرتها لمى قنوت بعنوان “المشاركة السياسية للمرأة السورية بين المتن والهامش”.
كما ضم المكتب التنفيذي المعني بالتخطيط السياسي ومواقف لجان التنسيق المحلية في عام 2012 أربعة نساء من أصل ثمانية أعضاء، وأوضحت الدراسة في مثال لها عن المجلس المحلي في إدلب وجود خمسة نساء من أصل عشرين عضواً في العام 2012، وتراجع العدد في شباط 2013 إلى ثلاثة نساء من أصل تسعة وعشرين، أما في تموز 2014 فقد بلغ عدد النساء المشاركات صفر!
الأمر نفسه تؤكده دراسة لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية، والتي قالت إن تمثيل المرأة السورية في المجالس المحلية في الفترة بين 1/1/2016 و 17/5/2016 بلغت 2% فقط من عدد الأعضاء.
ترجع الدراسات قصور انخراط المرأة في العمل السياسي إلى عقبات أهمها، الجدل حول قبول المجتمع باضطلاع المرأة بدور قيادي، وضعف انفتاح الأحزاب السياسية على مشاركة المرأة، أيضاً طبيعة الحساسية الدينية في بعض المناطق التي سيطرت عليها حركات إسلامية تشددية، تمنع قيادة المرأة وتوليها المناصب السياسية، يضاف إلى ذلك موروثات تنظر إلى المرأة من جانب عمل تقليدي في التعليم والصحة وتربية الأطفال، بعيداً عن تجاوزها لذلك العمل إلى ما يخص ضمن العرف الاجتماعي “الطبيعة الذكورية”.
توضح دراسة قنوت نقلاً عن مقال للحقوقية المختطفة رزان زيتونة (العضوة المؤسسة في لجان التنسيق) أن ست عشرة تنسيقية فقط (يتراوح عدد التنسيقيات بين 84-100) أجابت عن استبيان حول أعداد الإناث في صفوفها، سبعة منها ضمت أربع ناشطات، في حين لم تجب باقي التنسيقيات على الاستبيان لأن تمثيلهن صفر!، كما قالت الدراسة إنه ومن بين 136 مجلساً محلياً في درعا لا يوجد إلا ثلاثة نساء، وفي الزبداني لم يضم مجلسها المحلي أي امرأة.
وتختص معظم النساء المشاركات بالعمل السياسي في المكاتب (المرأة –التعليم)، ومن النادر أن يكون لها حضور قيادي في مكاتب صناعة القرار، أو مكاتب أكثر فاعلية، كما تغيب عن أدوار القضاء والتشريع، ويعتبر تمثيلها في الحركات السياسية ضعيفاً، إذ ضم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وقت تأسيسه في 2012، بين صفوفه ست نساء من أصل 117 عضواً، بينما شاركت امرأتان فقط في الهيئة العليا المنبثقة عن مؤتمر الرياض 2015، كم أصل 32 عضواً. وفي سابقة لمجلس مدينة حلب ترأست إيمان هاشم المجلس بعد نجاحها بالانتخابات في العام 2018، إلّا أنها تعرضت حين نجاحها لحملة من الانتقاد فيما يخص عدم جواز قيادة المرأة، وانخراطها في العمل السياسي بعيداً عن مكاتب محددة بعينها، كذلك الأمر شهدت بلدة عنجارة بريف حلب الغربي ترشح أربع نساء لانتخابات المجلس المحلي وفوز واحدة منهن بعضوية المجلس.
وإن كانت المرأة قد شاركت الرجل منذ بداية الثورة، وتحملت العبء والهم الأكبر لما حدث، إلّا أن نسبة كبيرة من المجتمع، ووسائل الإعلام السورية وبعض الكتاب والمثقفين، لا تنظر إلى دورها إلّا من زاوية ضيقة، هي “أم الشهيد والنازح والمعتقل وأخته وزوجته” فقد أسهمت إلى حدّ كبير في التضييق على المرأة وخسارة طاقاتها وإمكانياتها في كافة المجالات، باعتبارها ثائرة لا أخت ثائر، وشهيدة ومعتقلة لا أخت شهيد ومعتقل، وتمايزت في هذا الأمر على سبيل الخصوص نظرة جزء ليس بقليل من المجتمع إلى المعتقل كحالة مشرفة وعظيمة من الكفاح والنضال، وإلى المعتقلة باعتبارها وصمة عارٍ. كما ينظر من الناحية السياسية للنساء باعتبارها صوت انتخابي يحق لها الإدلاء به ولكن لا يحق لها الترشح، في مجتمع يرى من المعيب والمحرم في الأعراف والدين مشاركتها في الحياة السياسية.
الواقع اليوم
تقول ميليا معاز مديرة مكتب المرأة لدى الهيئة السياسية في إدلب في حديثها لفوكس حلب إن “أعداد النساء في الهيئة السياسية في تزايد مستمر، وإنهن حصلن على ثلاثة مقاعد في المكتب التنفيذي لهذا العام، بعد أن كن قد حصلن على مقعد واحد في الدورة الأولى، واثنين في الدورة الثانية”، وأكدت معاز “إن الهيئة تعمل على ضم الكوادر النسائية في صفوفها وتأمل أن تصل نسبتهن إلى 50%”.
حركة نداء سوريا والتي تضم (ما يقارب 2000 عضواً) بلغ تمثيل المرأة في صفوفها قرابة 25% تقول فضيلة خشام (واحدة من الأعضاء)، والتي ترى أن الحركة تعمل ومن خلال الدورات التدريبية على تعريف المرأة بالعمل السياسي وأهميته، وتأهيلها لتلبية متطلبات المرحلة القادمة.
كما شهدت المنطقة تشكيل الحركة النسوية السياسية والتي تضم قرابة 30 عضوة داخل وخراج سوريا والتي تأسست نهاية عام 2017، وينسب لها عدة أمور بارزة أهمها التركيز على نشر الوعي عن أهمية المشاركة السياسية للمرأة، ورفع ثميل المرأة في الهيئات ووفود التفاوض حول مستقبل سوريا إلى ثلاثين بالمائة، فضلاً عن مساهمتها في جهود الإعداد لجلسة مفتوحة وغير رسمية للدول الأعضاء في مجلس الأمن وأعضاء الأمم المتحدة في منتصف آذار الماضي لعام 2018، وإصدارها عدة بيانات حول التصعيد العسكري للنظام وروسيا في مختلف مناطق سوريا أخرى، كما كان لها تمثيل بارز في مؤتمر الرياض حيث بلغت نسبة تمثيلها 15% من المعارضة.
تبقى تلك المحاولات خجولة، ولا تعكس تطلعات الثورة السورية التي قامت على أساس من العدالة والمساواة، في ظل استصدار حقوق وقوانين وتشريعات تنصف المرأة السورية على الورق، وترفض مشاركتها على أرض الواقع.
أحمد الأحمد – مصطفى أبو شمس