نعم نحن ممثلون.. وهذا العالم وقحٌ لا تليق به الحقيقة، علينا أن نترك الباب موارباً لما يمكن إنتاجه من معاناة، نعيد ترتيب الأحداث من جديد وكيفما يريد الجنس العالي (الحقيقي) منا. نلتزم بأوامر المخرج، لا نخرج عن النص إلا لتعزيز رؤيته، ننظر إلى الكاميرا.. نتفاعل معها كما تشتهي، ونخضع لجلسات طويلة من الفوتوشوب لإظهار الحقيقة.
قبل النص الذي فُرض علينا والذي طلبوا منا في كل مناسبة تسميته بـ “ثورة”، كنا نعيش على الحقيقة، نتقاسم مع معظم أبناء جلدتنا من الممثلين طرقاً للاستمرار، ابتسامات موزعة، إخفاء للحنق والقهر، التمسك بالحمد لله اقتصادياً والخوف منها سياسياً، البحث عن بيوت للإيجار، التسجيل في الجمعيات السكنية الكثيرة، شراء السيارات بالتقسيط ، والأهم من ذلك التنافس على الشهرة، والقدرة الكبيرة على الشللية والشلي في آن معاً، وإتقان الفضائح وتصديرها إلى وسائل الإعلام القليلة، المحلية طبعاً، كان النص مكتوباً بعناية، وفي ساعات الفراغ الكثيرة المتاحة لنا، كنا ننظر من خلال التلفاز إلى الحقيقة، كان يسمح لنا كأشخاص يجيدون التلاعب بالمشاعر والعواطف (ممثلون) بالمشاهدة، لا لشيء سوى لنرى نقيضنا، والتمتع بلذة أن ترى الحقيقة بلا مكياج.
من نشرات الأخبار وأخبار الحقيقي الأول ورجالاته الذين لا يصلون لمراتب ما كشف عنه من عوالم الحقيقة، إلا أنهم وبالطبع يشبهونه إلى حد، مروراً بالبرامج الفكرية والثقافية الحقيقية، وليس انتهاء عند الدراما والمسلسلات التلفزيونية، لبشر بعضهم كان ممثلاً من أبناء جلدتنا لكنه وقع على المفتاح، واجتهد وثابر ودرّب نفسه لساعات طوال أمام المرآة وعلى طاولة الواقع جنرال ليتخلص من عقدة التمثيل ويدخل أبواب الحقيقة كما يليق بسوري عتيد من أبناء الجنس الآخر، هناك قسم بالضرورة مولود ليكون حقيقياً، وأولئك يُصطفون وحدهم ويتم اختيارهم والتشرف بهم لإغناء مبادئ الحقيقة والتنظير علينا في كل مناسبة، وإيضاح كذبنا ومراوغتنا وكشف مؤامراتنا وسلوكنا.
خرجنا عن النص، هكذا قال المخرج الأول أيضاً قبل أن يكتشف تسريباً لنصوص أخرى في مؤامرة لمخرج آخر، هذه المرة لم يكن خلافاً بين ممثلين لا يستدعي الوقوف عنده، بالإمكان زجهم في السجن لسنوات طويلة أو قتلهم، السجن مدرسة لتعليم الحقيقة أيضاً، ولكن وللحقيقة يجب علينا أن نعرف أن هناك قلة ممن تعاطف مع الممثلين وحاولوا تغذيتهم بشيء من ألفاظ الحقيقة، يريدون من خلالها تحويل أحلامهم الزائفة إلى واقع، كانت سابقة لا تشبه ما اعتاد صناع الحقيقة على التعامل معها لذلك كان لابدّ من كشف تضليلنا الإعلامي وطرقنا الملتوية وخياناتنا، الأصعب بالنسبة إليهم كشف وجوهنا الحقيقية وتعريتها، فنحن ممثلون بالفطرة، وهم أكبر من الوقوف لمشاهدة هذا العرض الهزلي.
استعرنا أقنعة من قضايا حقيقية وهو ما زاد إرباكهم، كانت الخطة محكمة والنص محبوك، مرة نخرج للتظاهر ونرفع شعارات عن العدالة والحرية والكرامة، نقلد ما فعله الحقيقيون في فرنسا منذ عقود، أحياناً نبني بيوتاً من كرتون ونختلق رسوماً فضائية على شكل طائرات ونقصفها لتتهدم، نخرج أطفالاً (أمواتاً على شكل شهداء)، يشبه ما (أخطأ الحقيقيون حين تركوا مدارس أبناء الشهداء لنتعرف على أشكالهم ونحاكيها)، نلون وجوهنا بالأصفر، نضع عصارة من لبن في أفواهنا نخرجها على شكل “زبد”، لنختنق بأسلحة كيميائية من صنعنا (المونتاج والفوتشوب ليس لهم حلّ)، نحمل بنادق ونصنع مضادات دروع ونبني معركة من وهم، ونختلق تنسيقيات ومواقع إعلامية وهموماً وسرديات ألمية وعالماً من كل شيء، ننسى أن نخترع مضادات للطائرات في زحمة انشغالنا كي يكتمل المشهد.
أمام هذا كله لم يكن يزعج الحقيقيون إلا أنهم مضطرون للمشاهدة، كان عليهم أن يجتمعوا في مؤتمرات ومجالس مغلقة وعلنية لتبادل الآراء، الخوف من أن يصبح التمثيل حقيقة كان أكثر ما يشغل بالهم، لذلك اختاروا بعض أبناء جلدتنا، كتبوا لهم نصاً جديداً ليصبحوا قادة أيضاً، ويتكلمون كالحقيقيين أيضاً، أرادوا أن ينقلوا بعضنا إلى الجنس العالي، ومن خلالهم إعادتنا إلى الكومبارسية التي نعشقها ونجيدها، فشكلوا هيئات وائتلافات وحكومات مؤقتة وأخرى منقذة ووفود تفاوض ومنصات، وتركونا نحن نلهو بما نختلق من صور وفيديوهات.
المشهد الأول: فلاح يُساق من قبل رجل أمن في تسعينيات القرن الماضي، يسأله عن الفلاح الأول فيجيبه الرجل (بحد علمي أنو أبو معاد هو الفلاح الأول)، يضربه بقسوة ويعيد السؤال ثانية، وتتكرر الإجابة، حتى أسعفه أحدهم باسم الفلاح الحقيقي الأول حافظ الأسد.
المشهد الثاني: أمل عرفة وغادة بشور (الحقيقيتان) أرادتا أن تكشفا تمثيلنا في (المسرحية الهزلية ليلة الكيماوي)، فأعادا المشهد من جديد، كما كان لا كما اختلقناه، ليضاف إلى التاريخ الصحيح الذي كتبه الحقيقي الأول بشار الأسد.
المشهد الأخير: لا شيء.