تسببت كميات الأمطار التي شهدتها منطقة ريف حلب الجنوبي خلال العام الحالي بارتفاع نسبة الرطوبة التي أدت إلى أضرار بدا أثرها واضحاً على أغلب المحاصيل الزراعية، وخاصة محصول الكمون ذو المقاومة الضعيفة للظروف المناخية مقارنة بغيره من المحاصيل.
تقلّب المناخ عرض محصول الكمون لما يعرف بـ “الصدمات المناخية”، يقول المهندس الزراعي كارم عزيزي وهو صاحب صيدلية زراعية في قرية تل حدا جنوب حلب، إلّا أن الضرر الأكبر في المحصول جاء بسبب الحرارة العالية التي شهدتها المنطقة منذ شهر تقريباً، سبقتها “لفحة برد حادة”، ما تسبب بإصابته بعدة أمراض أهمها “الشلل أو الذبول”، وهو من أخطر الآفات التي تصيب الكمون، إضافة لـ “البياض الدقيقي”، وانتشار الأعشاب الضارة بشكل كبير.
بالرغم من قيام المزارعين بمكافحة هذه الأمراض بالمنشطات والمبيدات والأسمدة الورقية، إلّا أن الاستجابة كانت ضعيفة خاصة في المحاصيل التي أصيبت بمرض الشلل، يقول العزيزي إن هناك محاصيل لم تستفد من المكافحة خاصة الكمون الكثيف والذي أصيب بالرطوبة التي أدت للشلل، وحالت كثافته من وصول أشعة الشمس إلى التربة، فلم يستجب للعلاج، أما الكمون قليل الكثافة فقد كانت استجابته أفضل.
وكانت موجة “الأمطار والبرَد” أو ما يطلق عليه الأهالي “الحالول” قد تسبب في العام الماضي بأضرار جسيمة في محصول الكمون، وخسارة الفلاحين، وهو ما يخشاه المزارعون في السنة الحالية، إذ قدّر المهندس العزيزي نسبة الخسائر هذا العام بـ 50% من مساحة الأراضي المزروعة جنوب حلب ومحيطها والتي تزيد عن عشرة آلاف هكتار.
لم تقتصر الأضرار على محصول الكمون، إذ طالت الأمراض الفطرية كافة المحاصيل الزراعية كالعدس والحمص اللذان تعرضا لمرض (أبسوتايتا)، إلّا أنها لم تتأثر كالكمون وكانت استجابتها سريعة للعلاج، بحسب العزيزي الذي تحدث عن تواجد عدة مبيدات حشرية لعلاج أمراض الكمون في المنطقة وهي (بافستين –توبسين –مونيكيت).
يلجأ أصحاب الأراضي لزراعة محصول الكمون لعدة أسباب يجملها مصعب أبو أحمد (من الريف الجنوبي لحلب) بـ “كلفته القليلة على المزارع، وفائدته للأرض خاصة للموسم الذي يلي زراعته”، مضيفاً أن “زراعة الكمون تطيب الأرض لقربه من السماد العضوي بفعاليته”.
يعتمد المزارعون على مياه الأمطار لسقاية محصول الكمون، فزراعته “بعلاً” في المنطقة، بحسب أبي أحمد الذي أضاف إنهم لا يقومون بتسميد الأرض إلا نادراً (وقت البذار)، وعن أسباب تضرر محصول الكمون يقول إن موجة الرطوبة والحرارة الشديدة تسببت بأضرار كبيرة للمحصول، ما اضطرنا لرشه بالمبيدات أكثر من مرة، بعض المزارعين قاموا برش المحصول أربع مرات بالمنشطات والأسمدة الورقية والمبيدات الحشرية، إضافة لرشه بمادة “التريفلان” قبل البذار والسماد أثناءه، لإيقاف ذبوله واستعادة عافية ما تبقى من النباتات السليمة للكمون، وهو ما ضاعف أكلافه لهذا العام عن الأعوام السابقة.
يأمل أبو أحمد أن يعوض سعر الكمون الخسائر التي تعرض لها الفلاح، ويقدر كلفة الهكتار الواحد حتى مرحلة الحصاد بما يعادل أربعمائة دولار، يُفصلها لنا بأن الهكتار الواحد يحتاج إلى أربعين كيلو غراماً من الكمون بسعر ثلاثة دولارات للكيلو الواحد، كما تبلغ كلفة رش المبيدات ثلاثين دولاراً لكل هكتار في كل مرة، وتحتاج الأرض للرش بين ثلاثة إلى أربع مرات سنوياً، وتبلغ كلفة حصاد الهكتار الواحد ما يقارب مئة دولار، تختلف بحسب الجهات وقربها من مناطق قوات النظام، بسبب الخطورة والخوف على العاملات في حصاد الكمون.
من جهته يقول حسن الشمالي مدير مؤسسة (الشمالي لتجارة المحاصيل الزراعي) إن سعر الكمون الحالي يصل إلى ألفين وخمسمائة دولار للطن الواحد، وهو إنتاج هكتار واحد من الأرض في الأحوال الطبيعية، إن لم تتعرض لأمراض أو جوائح، ويصف الشمالي السعر بـ “المميز” مقارنة بباقي المحاصيل، وهو ما يدفع الفلاحين لزراعته، وذلك بسبب تصديره إلى دول الخليج العربي.
يحتاج حصاد الكمون إلى موجة ارتفاع في درجات الحرارة، وهو ما شهدته المنطقة خلال الأسبوع الفائت، إذ وصلت إلى 38 درجة مئوية، ليبدأ المزارعون بحصاد محصولهم وتكديسه حتى يصل إلى مرحلة اليباس ليقوموا بـ “دراسته” في مرحلة لاحقة (بعد أيام).
يعتبر الكمون من نباتات العائلة الخيمية والتي تجود زراعتها بشكل بعلي، وهي من المحاصيل التي تندر زراعتها في جنوب حلب بالقياس مع المحاصيل النجيلية من قمح وشعير، وكانت سوريا سابقاً تعتبر من البلدان الرائدة بزراعة وتصدير الكمون، إذ وصل إنتاجه عام 2004 إلى 32 ألف طن، فيما كانت ذروة الإنتاج عام 2002 (46 ألف طن)، ووصلت قيمة صادراته 2004 إلى 131 مليون دولار أمريكي.