خلال تجولك في أي حيّ أو شارع من شوارع الشمال السوري، لا بدّ وأن تصادف شباناً بأعمار صغيرة، يرتدون ثياباً تشبه ما يرتديه المقاتلون مموهة بألوان مختلفة يغلب عليها اللون الصحراوي، وعلى خصرهم يرتفع ليُشاهد من قبل المارة أخمص مسدس.
لم تعد المراهقة بما تحمله من تغيرات فيزيولوجية ونفسية على حياة الشبان بين عمري الثانية عشرة والرابعة والعشرين، حالة مدروسة تتشابه سماتها مع تلك التي عشناها وأحيطت سلوكياتها بالدراسة والملاحظات، وبات وجودها أمراً مألوفاً، كملاحقة الموضة وتسريحات الشعر وأحدث الأغاني والرقصات والحب والسلوكيات الرومانسية، وما ينتج عنها من انعزال وحياء وخجل إضافة إلى التمرد السمة الأهم للمراهقين في مختلف الدول، مع بعض السلوكيات الخاطئة التي وضعت قوانين معينة للحدّ منها كالتحرش وملاحقة النساء وبعض المخالفات الجنائية كالتخريب والسرقة.
تأخذ المراهقة اليوم شكلها الذي يتناسب مع الظروف الحياتية التي تعيشها المناطق المعارضة، والتي تتسم بانعدام الاستقرار وقلة فرص العمل وانتشار الأيديولوجيات الدينية، كذلك تعدد الفصائل العسكرية، وغياب الهدف والطموح مع ضبابية المشهد التعليمي والمستقبل، كل ذلك أدى إلى خلق سلوك مراهق يكاد يكون طاغياً بين الشباب، من الممكن أن نطلق عليه “مراهقة السلاح”.
بات السلاح وحمله سمة مهمة عند فئة المراهقين، لارتباطه بالقوة والسلطة، هذان الشعوران اللذان يسعى المراهق للوصول إليهما دائماً من خلال طبيعته المتمردة، خاصة وأن معظم المراهقين في سوريا، ونظراً لطول المدة، فالثورة تدخل عامها التاسع، وغياب الضوابط والرقابة على الأسلحة، نشؤوا في بيوت لا يكاد يخلو أي واحد منها من قطعة سلاح أو أكثر، إضافة لاكتسابهم من خلال الحديث العام والمتداول خبرة بأنواع الأسلحة وشكلها وميزاتها وحتى أسعارها، هذا إن استثنينا الدورات التدريبية على السلاح للمراهقين، خاصة وأن الفصائل العسكرية لا تشترط عمراً محدداً على الراغبين بالانضمام إليها، وهذا ما يفسر وجود عدد ليس بقليل من المراهقين المنخرطين في الحرب.
يعتقد بعض من التقيناهم من المراهقين أن ما يشدّ انتباه أي فتاة له “مسدسه ولباس الكوماندوس الذي يرتديه”، وبدرجة أقل “طول شعره ولحيته”، ويحلمون باقتناء الأسلحة، وتسيطر على تفكيرهم فكرة الحصول على أنواع معينة كتلك المرتبطة بالقادة أو الأفلام التي يشاهدونها.
أحياناً “نطلق النار في الهواء، أو نتمازح بإطلاق النار على بعضنا دون إصابة للفت أنظار فتيات المدارس” يقول أحد الذين التقيناهم، آخر يروي لنا أنه يستعير “سيارة الدفع الرباعي من قيادة فصيله ليشفط بها أمام بيت الفتاة التي يحبها”، لا يخاف أن تعرف قيادة الفصيل بالأمر يقول “بتركهون وبروح لعند غيرون”، ويرى في سلوكه هذا “تعبيراً عن الحب”، وغالباً ما يختم المشهد بإطلاق الرصاص من مسدس “الغولت” خاصته.
أبو أحمد صاحب إحدى محلات بيع السلاح، يقول: “النسبة العظمى من زبائن محلات بيع الأسلحة هم من الشبان الصغار في السن، ولا يقتصر الأمر على السلاح فقط ،لكن يشمل كل ما يخص أدوات المقاتلين من لاسلكي وحربة ولباس حربي وبوصلة”.
اعتاد أبو أحمد أن يرى وجوه هؤلاء المراهقين تتكرر، “أصبحوا زبائني” يكمل أنهم وفي كل فترة يسعون بتغيير وتطوير أسلحتهم.
ليس هناك رقابة على تجارة الأسلحة يخبرنا أبو أحمد أن محاولات جرت لترخيص وتسجيل الأسلحة الفردية من قبل المجالس المحلية والشرطة الحرة سابقاً، لكن دون جدوى، بوجهة نظره “أعداد السلاح الفردي هائلة ولا يمكن ضبطها، وتحتاج إلى قوانين صارمة وقوة تنفيذية كبيرة”.
من جهته يقول أبو عبد الله (مقاتل في إحدى الفصائل) إن انتشار السلاح بين المراهقين مردّه لفتح المجال أمامهم للانضمام في صفوف المقاتلين، “يغارون من أقرانهم، يكفي أن ينتسب أحدهم إلى فصيل ما ليتبعه بعد يوم أو يومين الكثير من أصدقائه”، ولا يرى أبو عبد الله في الدورات التي تقدم لهؤلاء المراهقين حلّاً يُمكنّهم من تحمل مسؤولية السلاح والابتعاد عن ارتكاب الأخطاء، واصفاً بعض الفصائل بأنها “تعمل بعكس المنطق”، فهم يناصرون عناصرهم في أخطائهم “كثيراً ما تسمع إطلاق نار ضمن المناطق السكنية لخلاف على أمر تافه أو للتعبير عن الفرح في عرس أو لفت الانتباه” يتم ذلك الأمر بعلم القيادات دون أن يكون لها أي رد فعل.
لم يعد الأمر يقتصر على المراهقين بل طال الفتيات وكبار السن أيضاً، حتى بات مهر الفتيات أحياناً “قطعة من السلاح”، يخبرنا الأستاذ أحمد من ريف حلب أن أحد أبناء قريته المغرمين بالسلاح قام بتزويج ابنته (16 عاماً) لرجل متزوج من ثلاثة نساء كان المهر مسدس “جلوك” من النوعية الفاخرة، أما الفتاة فقد دام زواجها أسبوعاً واحداً وهي الآن تقبع “مطلقة في بيت والدها”.
للسلاح طغيانه وسحره على نفوس الشبان وخاصة في الأعمار الصغيرة، يقول المرشد النفسي أحمد الحسين، إن على المجتمع والمؤسسات المدنية والأهالي التحرك للحدّ من هذه المشكلة التي يمكن أن تنفجر بأي وقت، مخلفة مآسي لا يمكن حلّها.