“لا حدا يقول طب القاطع؛ قولوا: بدنا نخلي القاطع مرفوع حتى نتغلب على كل مشاكلنا؛ أبداً مارح نسمح يطب قاطعك يا وطن” بهذه الكلمات ختم ممثلو مسرحية “طب القاطع” عرضهم المسرحي الأول والذي أقيم يوم أمس الخميس (25 نيسان) على مسرح المركز الثقافي بمحافظة إدلب تحت إشراف فريق تحدي وبالتعاون مع الفرقة المسرحية للفنون المسرحية ضمن مبادرة “بصمة مبادر”؛ المسرحية من إخراج مدير الفرقة السورية للفنون المسرحية “عبود الشامي” والتي أسست منتصف عام 2018، أما النص فـ للكاتب والمخرج المسرحي “ضياء عسود” بمشاركة مجموعة من الشبان الهواة والمتحمسين للعمل المسرحي..
تحكي المسرحية قصة شاب كسول عاطل عن العمل يدعى (كرمو)، لا يجد الوظيفة التي تناسب دراسته وشهادته، بعكس أخيه (سلمو) الذي يعمل كعتال ينقل أكياس الإسمنت وغيرها، وخلال مشاهد المسرحية يـ “طب القاطع” وتطفأ الإنارة كل حين، ويطلب من كرمو في كل مرة رفعه.
بين “طب القاطع ورفعه” تتجسد معاناة السوريين مع الكهرباء الغائبة منذ سنوات، وتتواصل معاناة الأهالي بين غلاء الأسعار وارتفاع الدولار، ناهيك عن القصف والدمار والذي يظهر في العرض على شكل “زمور خطر يعلن وصول الطيران للأجواء”، لينتهي المشهد الأخير بمعاقبة “كرمو الساخط دائماً من الأوضاع” من قبل عمه وأخيه بعصاه التي كان يتكئ عليها خلال المشي.
“مسرح الشمال السوري نفق مظلم تتخلله بقع صغيرة من النور” يقول كاتب العمل ضياء عسود، وذلك لافتقاره لأماكن التدريب واللوجستيات الضرورية، مرجعاً ذلك “لعدم وجود نقابة مختصة أو جسم يضم الفنانين، إضافة إلى حداثة عهد افتتاح مسرح المركز الثقافي في إدلب والذي أعيد تأهيله منذ أشهر بنقص واضح بالإضاءة والصوتيات”، مؤكداً أن الفرقة عملت في ظروف صعبة لتساهم بتحسين الواقع الثقافي لما للمسرح من “دور هامّ في تسليط الضوء على واقع حياة أي بلد وحضارته”.
وعن فكرة تحميل القاطع إسقاطات عامة عن حياة السوريين يقول العسود “القاطع يمثل حالة جمعية يعرفها كل السوريين في الداخل، وترتبط بحياتهم، وهو ما دعانا لإسقاطه على الحياة العامة، فالقاطع وطن معتم وهو بحاجة لمن يرفعه وينيره”، ويرى أن “عقدة العمل تمثلت باستمرار محنة السوريين ليكون راكور الشمعة الذي اعتمده المخرج رمزاً للأمل والتحدي، وهي رسالة تدعو الجميع لإنارة بلادهم ولو بشمعة وعدم الاستسلام لليأس والموت”.
وأكمل العسود “أن استمرار المسرح في الشمال السوري جاء أيضاً لتغيير الصورة النمطية والسوداء عن المناطق المحررة في أذهان العالم، تلك البقعة التي ترسم الشمعة الأخيرة للثورة السورية والتي يجب أن تبقى مضاءة حتى لا تنطفئ جذوة الثورة المستمرة” مؤكداً “أن القيود المفروضة على الأعمال المسرحية مؤقتة ويسعى الجميع لتخفيفها، ليبقى غياب الداعم للإنتاج المسرحي وافتقار المسارح للتجهيزات اللازمة أهم العوائق التي تعترضها”.
“طب القاطع” مزيج من نص واقعي درامي مع مسحة من الكوميديا؛ يتكلم عن حياة السوريين مع تمرير رسائل ظريفة من خلال شخصية “أبو فكري” مع التركيز على الحل الذي تجسّد بالشمعة المضيئة والأغاني التحفيزية للمستقبل؛ وتحويل العمل الكوميدي لسياسي يسمى بعلم المسرح حسب قول “عسود” الكوميديا السوداء (ترميز مشهد مضحك لمشكلة عامة) كمسلسلات الدراما السورية “مرايا-بقعة ضوء”. فكانت هذه المسرحية بديل ثوري عن تلك الأعمال التي تدور حالياً في فلك النظام لتشويه سمعة المجتمع السوري بإظهار اللهو بالكوميديا السوداء فيواجهوا كل ذلك بأعمال وإمكانيات بسيطة.
المخرج “عبود الشامي” قال لفوكس حلب إن ورشة التدريب المسرحي والتي بدأت في الرابع من نيسان بمشاركة عشرين شاباً تجلّى نجاحها بهذا “المخرج الفكري” وتنظيم هذا العرض، مؤكداً أن الفن لا يموت معتمداً على المقولة الرائجة “أعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً”، مؤكداً أن الإمكانيات المحدودة كانت العائق الوحيد أمام إخراج سينوغرافيا عالية الاحتراف في مسرح الشمال السوري.
وتحدث “الشامي” أيضاً عن ضرورة المسرح في الوقت الحالي، فهو “صلة بين المشاهد والممثل، خصوصاً بحضور كافة الفئات العمرية للعرض” فالأهالي وبحسب رأيه “متعطشة للفن، وتحتاج إلى ثقافة وفسحة من الفن تساهم بالعلاج النفسي للناس بعد تعرضهم بالسنوات الماضية للكثير من الانتكاسات”؛ وأضاف “الشامي” أن سيناريو المسرحية اجتماعي واقعي يتكلم عن هموم الناس، وسيتم إعادة العرض نظراً لإقبال الجمهور وإتاحة الفرصة لمن لم يستطع الحضور”.
عبد الملك الإبراهيم (طالب في كلية الإعلام وأحد المشاركين في العمل) قال إنه اختار المسرح رغبة منه بتحقيق طموحه الذي قيدته الحرب، وهو ما دفعه للانضمام للتدريبات والمشاركة بالعمل. وعن رهبة الوقوف أمام الجمهور يحكي الإبراهيم “شعرت بصوت نبضي يصل إلى أذني”، ومع تفاعل الجمهور والدخول في مشاهد العمل وتذكر ما تعلمه في الدورة التربية عاد إلى هدوئه، ليبقى مشهد صوت الطائرة أكثر المشاهد التي أشعرته بالخوف، “رغم أنه مشهد تمثيلي إلا أننا نعيشه في كل يوم ولا يمكن محوه من الذاكرة”.
أضيء المسرح بالشموع، ومع كل واحدة منها ألقى واحد من المشاركين في العرض جملة “طب القاطع” عنوان المسرحية مع فواصل غنائية وقصائد من الشعر مستوحاة من معايشة الواقع، ليتم تسليمهم شهادات التدريب وسط تفاعل الجمهور الذي غصت به قاعة العرض.